ثمة روايات تبقى حية بعد رحيل كاتبها، ليس فقط لأنها تتمتع بقيمة أدبية لا يقوى عليها الزمن، ولا ما يأتي هذا الزمن به من جديد في كل حقبة، بل أيضا لأن صاحبها تمكن فيها من فتح فضاء روائي لم يسبقه أحد إليه، فباتت عملا مرجعيا يتعذر إهماله أو تجاوزه.
هذه هي حال رواية "اختراع موريل" (1940) التي وضعها الكاتب الأرجنتيني أدولفو بيوي كاساريس (1914 - 1999) في سن الـ 26، وانتزع بفضلها اعترافا دوليا بمهاراته السردية النادرة، وخصوصا بعبقرية استثماره مراجع أدبية مختلفة للتأسيس لنوع روائي جديد تعود فتنته إلى جملة أسباب، أبرزها جمعه بين الخيال والعلم بطريقة مبتكَرة تنأى به عن روايات الخيال العلمي، وتسمح له بالبقاء مترسخا في أرض الواقع. من هنا رؤية العملاق خورخي لويس بورخيس في هذه الرواية "واحدا من ألمع نصوص الأدب الحديث". من هنا أيضا توافرها اليوم في معظم لغات العالم المكتوبة، بما في ذلك العربية (ترجمة أحمد يماني، دار "الجمل"). وفي حال أضفنا الأفلام والمسلسلات والروايات المصورة العديدة التي اقتُبست عنها، لتبينت لنا مدى أهميتها وجاذبيتها.
حيوية راهنة
توقفنا عند "اختراع موريل" اليوم، لا يبرره فقط صدور الطبعة السادسة للترجمة الفرنسية التي وضعها لها أرمان بيرال عام 1952 (دار "روبير لافون")، بل أيضا المقدمة المهمة التي خطها لها، في هذه المناسبة، الكاتب الفرنسي الكبير جان ماري لو كليزيو. تبريران إذن هما، في الوقت نفسه، دليلان إضافيان على مدى حيوية هذه الرواية التي يسرد كاساريس فيها قصة رجل يعتقد أنه وجد ملجأ في جزيرة مهجورة، بعد إفلاته من قبضة الشرطة، لكنه سرعان ما يدرك أن كابوسه ما زال في بدايته. فلدى استكشافه هذه الجزيرة، يكتشف فيلا ضخمة وفخمة تخفي أقبيتها آلات يجهل وظيفتها. يكتشف أيضا رجالا ونساء يتعذر التواصل معهم، ويبدون منغمسين في حياة رخاء يتكرر طقسها كل أسبوع، إلى ما لا نهاية. هل هم مجانين؟ أم أن المدعو موريل، الذي جمعهم في هذا المكان، يقف خلف سلوكهم الغريب؟