لا ترسم تحولات المشهد السوري، مستقبلا سياسيا جديدا فحسب، بل تعد بمشهد ثقافي يؤمل بأن يكون مختلفا جذريا عما ظل سائدا طوال أكثر من نصف قرن، في ظل النظام القمعي، الذي قيد الحريات، وكمّ الأفواه، وطارد المثقفين، ومنع الكتب، فخنق الإبداع والقائمين عليه.
تستطلع "المجلة" في هذا التقرير الموسع، كيف ينظر مثقفون ومبدعون سوريون إلى أفق هذه التغيرات، وما آمالهم ومخاوفهم تجاه مستقبل بلادهم.
مراحل وأولويات
بداية، ترى الفنانة والروائية واحة الراهب، في حديثها الى "المجلة" أن المشهد الثقافي السوري شهد ثلاث مراحل: "ما قبل ثورة 2011 وكانت سمتها الرئيسة قمع الرقابة الأمنية لجميع أشكال الإبداع والثقافات، والثانية المرتبطة باندلاع الثورة، وقد كشفت الكثير من الطاقات الإبداعية السورية، أما المرحلة الثالثة الواقعة حاليا بعد إسقاط هذا النظام الغاشم، وتحررنا من قبضته الفتاكة، فمن المبكر الحديث عنها أو تبين ملامحها. إذ لم تفعل بعد أي إنتاجات أو توجهات توضح سير تدفق الطاقات الإبداعية سوى بوعود وبعض المحاسبات التي تبشر بالخير. وهناك مؤشرات مهمة لمستها، كإتاحة المجال للأعمال الدرامية التي كانت تصور بأن تستكمل، وكذلك السماح برواياتنا التي كانت ممنوعة تماما في العصر البائد بالتداول مجددا. فقد طلبت رواياتي الممنوعة سابقا، مثل أفلامي السينمائية، للمشاركة في معرض ثقافي بحمص لأول مرة أمام القراء السوريين، الذين كتبت لهم أولا تلك الروايات. ولا أعلم إن كان هذا السماح حالة دائمة أم أنه مؤقت وسيطاله المنع قريبا، فحرية الفكر والثقافة مؤشر أساسي على حدوث التغيير وإطلاق الحريات في أي مجتمع".
أما الروائي فواز حداد فيرى أن هذه المرحلة الجديدة تفرض أولويات على جميع المستويات، بما في ذلك على الساحة الثقافية. يقول لـ"المجلة": "الأولوية هي الحفاظ على هذا الانتصار الذي يعيد إلينا كسوريين ما افتقدناه طوال عقود، لذلك ينبغي عدم التفريط به، هذا هو المفترض والمأمول. الفشل يعني ذهابنا إلى الفوضى، وربما إلى حرب أهلية، مع نصف قرن آخر من الموت والخراب. إن الإحساس بالمسؤولية، يفضي إلى طرح مسائل ضرورية ومواجهتها بشجاعة، وعدم إضاعة الوقت الثمين، بالتشبث بنماذج موجودة في مخيلاتنا، وإنما التعرف إلى الواقع، لا يمكن استبعاد أننا شعوب متدينة. عندما استخدم الأسدان القمع لتطويع الشعب، وضع رجال الدين تحت سطوته، إلى حد انعكاسه على تحلل الدين وتطرفه. إذن، مسألة العلمانية ضرورية ليس بنسختها المتشددة، وذلك بعدم استعارة فوبيا الإسلام، الذي وجدت فيه الدول الديكتاتورية غايتها في مطاردة مجموعات من البشر واستئصالهم".