عندما ولج جيلنا، جيل الستينات، كلية الآداب بالرباط، كانت لا تزال كلية فتية تصارع في جبهات متعددة لتؤكد وجهها المغربي تأطيرا وبرمجة ودراسات. وقد عاش ذلك الجيل، لا أقول أشكالا من الانفصام، وإنما أشكالا من الازدواجيات، وضروبا من التشتت، وأنواعا من التقسيمات. لا أشير فحسب إلى توزعنا بين عدة مجالات، وتلقينا الدروس عن أساتذة تطوعوا لتدريس ما لا يهتمون به في تخصصاتهم، إن صح الحديث وقتها عن تخصصات، وترددنا نحن في ما بعد بين اهتمامات ومجالات شتى مشتتة، لا أشير إلى كل هذا فحسب، وإنما أساسا إلى ذلك التقسيم الذي ترسخ في قسم الفلسفة بين فكر فلسفي من جهة، و"فكر إسلامي"، ثم "فكر عربي معاصر".
قارات فكرية
لا يتعلق الأمر هنا بتخصصات يبررها توزيع مواد التدريس والدراسة، كأن يقسم تدريس الفلسفة إلى منطق وفلسفة عامة ثم فكر إسلامي وفكر عربي... بل بقارات فكرية متمايزة بعضها عن بعض، مماثلة إلى حد ما لما عرفه برنامج الدراسات في فرنسا من تمييز بين "تاريخ للفلسفة" وما كان يسمى "تاريخ الأفكار"، ذلك التاريخ الذي كان يشمل أولئك الكتاب الذين لم يكونوا وقتها يجدون لهم مكانا ملائما لا ضمن تاريخ الأدب ولا ضمن تاريخ الفلسفة، والذين ظلوا يعدون، حتى وقت قريب، في منزلة بين-بين، شأن مونتيني وباسكال وفولتير ومونتسكيو وروسو، الذين انتظروا مدة غير قصيرة كي يوليهم الفلاسفة عنايتهم، شأن مونتيسكيو مع ألتوسير، وروسو مع دريدا، وباسكال مع غولدمان وبورديو.