طريق دمشق إلى واشنطن عبر الرياض

طريق دمشق إلى واشنطن عبر الرياض

استمع إلى المقال دقيقة

كانت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الرياض، محطة مفصلية تسجل في كتب التاريخ ضمن الزيارات التي تترك آثارا كبيرة في مستقبل المنطقة وصوغ النظام العالمي الجديد، لما تضمنته من تفاهمات واتفاقات اقتصادية ودفاعية وعلمية وصفقات تخص الذكاء الاصطناعي.

والمفاجأة الكبيرة من ترمب، خلال زيارته التاريخية، كانت إعلانه رفع العقوبات المفروضة على سوريا واستعادة العلاقات معها، ولقاء الرئيس السوري أحمد الشرع برعاية ودعم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. أي إن طريق دمشق للخروج من العزلة الدولية التي فرضتها واشنطن عليها لعقود طويلة يمر من الرياض بوزنها ودورها المحوري في الإقليم والعالم.

وعليه، شكل لقاء الرياض قطيعة مع عقود من العزلة والحصار اللذين فرضا على سوريا بسبب سلوك النظام السابق على شعبه وجواره وتحالفاته الإقليمية. إذ إن سقوط نظام الأسد نهاية العام الماضي، هو أوسع من تغيير نظام سياسي. وكان حدثا استراتيجياً هو الأهم في الشرق الأوسط منذ عقود. ومثلما شكّل سقوط نظام صدام في 2003 تقدما أساسيا لـ"الهلال الإيراني" في الإقليم، فإن سقوط نظام الأسد في 2024، كان محطة في تدحرج نكسات "الهلال". وكما كان انحياز سوريا إلى طهران عامل ترجيح لـ"محور الممانعة" في الإقليم، فإن عودتها إلى الحضن العربي يشكل تحولا استراتيجياً في ميزان القوى الإقليمية.

لا شك أن سوريا بحكم موقعها الجغرافي وتاريخها وإمكاناتها، تشكل قاعدة أساسية لبناء الهيكل الإقليمي الجديد والعلاقات العربية. ويجوز القول إنها بمثابة حجر الزاوية في بناء الشرق الأوسط الجديد. إنها الهزيمة الأكبر التي تتعرض لها إيران منذ "الثورة" في 1979 وتحالفها مع نظام الأسد-الأب، ثم الأسد-الابن. كما أن تثبيت الهزيمة الاستراتيجية لإيران يأتي من سوريا.

قطع الطريق على إيران يكون بالعمل على توفير أسباب استقرار سوريا من بوابة إخراجها من الثلاجة الاقتصادية ورفع سيف العقوبات

ولا شك أن رهان طهران كان على استدامة الحصار والعقوبات لدفع الأمور إلى الانفجار والفوضى وانتعاش "داعش" على أمل استعادة بقايا النفوذ. وعليه، فإن قطع الطريق على ذلك يكون بالعمل على توفير أسباب استقرار سوريا من بوابة إخراجها من الثلاجة الاقتصادية ورفع سيف العقوبات عن رقبتها.

صحيح أن الطريق إلى سوريا الجديدة لا يزال طويلا سواء ما يتعلق بتوضيح كيفية وحدود رفع العقوبات أو تخفيفها من جهة، أو ما يتعلق بإعمار سوريا وتوفير الأموال الطائلة لذلك من جهة ثانية. لكن المفتاح كان اتخاذ قرار سياسي برفع العقوبات، وهذا ما فعله ترمب، أي تحديد اتجاه القطار ومحطته النهائية.

في سوريا الآن، سباق بين مسارين: مسار رفع العقوبات وتدوير عجلة البناء والاستقرار، ومسار بطء الماكينة الأميركية في الإفادة من الدينامية السياسية وبروز العراقيل

بات الموضوع الآن في أيدي المفاوضين السوريين والأميركيين. إذ إن واشنطن حددت بعض المطالب من دمشق تتعلق بالمقاتلين الأجانب، ومحاربة الإرهاب و"داعش"، وطرد التنظيمات الفلسطينية "أدوات" النظام السابق، وتدمير السلاح الكيماوي، والانضمام إلى اتفاقات السلام مع إسرائيل. كما أن دمشق وضعت على مائدة التفاوض توقعاتها من أميركا المتعلقة بالمساعدة في بسط السيادة السورية على كامل الأراضي، والتعاون الفني في تدمير السلاح الكيماوي، ودعم جهودها لتوفير الأمن في الجنوب وتحييد التوغلات الإسرائيلية، إضافة إلى تبادل المعلومات الأمنية لمحاربة "داعش".

في سوريا الآن، سباق بين مسارين: مسار رفع العقوبات وتدوير عجلة البناء والاستقرار في سوريا وما وراء الحدود، ومسار بطء الماكينة الأميركية في الإفادة من الدينامية السياسية وبروز العراقيل وفيضان المشاكل إلى الجوار. من مصلحة سوريا والإقليم والشرق الأوسط، توفير أسباب نجاح سريع للمسار الأول.

font change