على مدى العقدين الماضيين، مُنع المخرج الإيراني جعفر بناهي من ممارسة الإخراج السينمائي بأمر من سلطات بلاده. لكن، حتى أثناء خضوعه للإقامة الجبرية أو اعتقاله في السجن، لم يتوقف عن صناعة الأفلام بطريقة أو بأخرى، ونجح في انتزاع أبرز الجوائز في المهرجانات السينمائية العالمية. ومع أن الحظر رُفع عنه أخيرا، اختار مجددا أن ينجز فيلما سريا، دون الحصول على إذن رسمي من الجهات المعنية. والنتيجة واحد من أكثر أعماله جرأة حتى الآن، بعنوان "مجرد حادث"، وهو الفيلم الذي منحه، يوم الأحد، أعلى تكريم في مسيرته: السعفة الذهبية في مهرجان "كان" السينمائي. وعلى خلاف المناسبات السابقة، استطاع هذه المرة السفر إلى كانّ وتسلّم الجائزة بنفسه، وهو يعتزم العودة إلى إيران فور انتهاء المهرجان.
معضلة أخلاقية
يُعد بناهي اليوم من بين أكثر المخرجين تتويجا في تاريخ السينما العالمية، إذ يشارك المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني مكانة فريدة كأحد مخرجَين اثنين فقط نالا الجوائز الأربع الكبرى في مهرجانات كان والبندقية وبرلين ولوكارنو.
وكما كان متوقعا، استغل بناهي كلمته خلال تسلمه الجائزة لطرح قضايا سياسية، فتحدث عن حلمه بيوم تسود فيه الحرية في إيران، حيث "لا يُفرض علينا ما نرتديه أو لا نرتديه، ولا يملى علينا في السينما ماذا نصنع أو لا نصنع". لكنه وجّه كذلك رسالة إلى أبناء بلده، مناشدا إياهم أن "يتجاوزوا خلافاتهم" ويضعوا "بلدنا" فوق كل اعتبار. في ذلك تذكير بأن بناهي ليس مجرد ناشط ديمقراطي، بل شخص وطني أيضا، يقلقه اتساع رقعة التصدعات والانقسامات في البلاد.
أما فيلمه الجديد، فيخوض هذه القضايا بشجاعة لافتة. يحمل "مجرد حادث" في طياته معضلة تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها صادمة في جوهرها: ماذا لو آلت السلطة إلى أيدي أولئك الذين تعرضوا للتعذيب؟ في الفيلم، يلتقي سجين سياسي سابق مصادفة بجلاده السابق، فيختطفه، ثم يدعو مجموعة من السجناء السياسيين السابقين ليتشاوروا في مصيره. غير أن الموقف يزداد تعقيدا بوجود زوجة الجلاد، الحامل في مراحلها الأخيرة، وابنته البالغة ثمانية أعوام، واللتين يبدو أن غيابه يترك فيهما أثرا بالغا.