زيارة الملك تشارلز لكندا... رسالة سياسية إلى ترمبhttps://www.majalla.com/node/325781/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83-%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%84%D8%B2-%D9%84%D9%83%D9%86%D8%AF%D8%A7-%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8
أوتاوا- حملت زيارة الملك تشارلز الثالث لكندا وإلقاء خطاب العرش بنفسه، في افتتاح الدورة الـ45 للبرلمان الكندي، رسائل سياسية واضحة للرئيس الأميركي دونالد ترمب وللولايات المتحدة وللكنديين والعالم.
ولمن نسي، فإن الملك تشارلز الثالث هو رئيس دولة كندا، وكذلك 14 دولة أخرى من دول الكومنولث الـ56، وسبق وزار كندا بينما كان وليا للعهد وأميرا لويلز، وتعدّ هذه الزيارة الـ20 التي رافقته فيها الملكة كاميلا، هي الأولى له منذ أصبح ملكا في سبتمبر/أيلول 2022.
وكان رئيس وزراء البلاد المنتخَب حديثا مارك كارني قد وجّه دعوة للملك لإلقاء خطاب العرش بنفسه، وافتتاح الدورة الـ45 للبرلمان الكندي.
في العادة، يلقي الحاكم العام لكندا- وتشغل ماري سيمون المنصب حاليا- خطاب العرش، بصفته ممثّل الملك في البلاد، ويقرأ الخطاب نيابة عنه رئيس الوزراء، لتحديد جدول أعمال الحكومة مع بدء كل دورة برلمانية جديدة. ولا يمكن لمجلسَي العموم والشيوخ في كندا الشروع في أي نشاط قبل أداء خطاب العرش، وسُمّي بهذا الاسم نظرا لأنه يُتلَى من المقعد المخصّص للملك، أو لمُمثله في مجلس الشيوخ.
في العادة، يلقي الحاكم العام لكندا- وتشغل ماري سيمون المنصب حاليا- خطاب العرش، بصفته ممثّل الملك في البلاد، ويقرأ الخطاب نيابة عنه رئيس الوزراء
في المرة الأخيرة التي حدث فيها ذلك كان في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1977، عندما قرأت الملكة إليزابيث الثانية خطاب العرش، وكانت ألقت قبل ذلك خطاب العرش عام 1957، ومن هنا أهمية ودلالة زيارة الملك تشارلز الثالث.
ويُنظر إلى دعوة كارني باعتبارها "استراتيجية" كونها تأتي في ظل توتّر العلاقات بين كندا وجارتها الولايات المتحدة الأميركية.
وصرّح كارني بأن زيارة الملك تشارلز "تؤكد بوضوح سيادة بلدنا"، قائلاً للصحافيين: "هذا شرف تاريخي يتناسب مع التوقيت الراهن".
وقالت ماري سيمون إن الزيارة "تسلّط الضوء على العلاقة الوطيدة بين كندا والملك"، وأضافت: "الآن أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى التكاتف من أجل تأمين مستقبل يقوم على أساس من قيمنا العالمية المشتركة، الديمقراطية، والمساواة والسلام".
الملك تشارلز يُظهر دعمه لكندا؟
وفقاً لمهامّه كرئيس للدولة، ليس متوقعاً من الملك تشارلز أن يخوض في السياسة. لكنه فيما يبدو بعث رسائل مشفّرة وأعطى إيماءات رمزية داعمة لكندا، في ظلّ تهديدات ترمب.
ففي فبراير/شباط، وصف الملك تشارلز كندا بأنها "بلد عزيز وصامد ولطيف"، وتزامن ذلك مع الذكرى الـ60 لرفع علم كندا، وهو حدث غالبا ما يمرّ دون احتفال ملكيّ.
الملك تشارلز والملكة كاميلا يضعان إكليلا من الزهور على قبر الجندي المجهول في النصب التذكاري الوطني للحرب في أوتاوا، كندا، في 27 مايو
وعندما زار الملك تشارلز حاملة الطائرات "إتش إم إس برينس أوف ويلز"، في الرابع من مارس/آذار، كان يرتدي عدداً من الميداليات الكندية.
وفي شهر مارس أيضا، في "يوم الكومنولث"، وهو احتفال سنوي يقام في لندن، اختار الملك الجلوس في هذا الاحتفال على كرسيّ كندي.
وفي احتفالية لغرس الأشجار في قصر بكنغهام في وقت سابق من العام الجاري، كانت الشجرة التي وقع عليها اختيار الملك تشارلز هي شجرة القيقب، التي يحمل العلم الكندي ورقتها شعارا.
كما أطلق الملك تشارلز على نفسه لقب "ملك كندا"، ووصف علمها بأنه "رمز لا يعجز أبداً عن إثارة الشعور بالفخر والإعجاب".
عندما يتحد الكنديون تبني كندا ما يدوم
ألقى الملك تشارلز خطاب العرش يوم الثلاثاء 27 مايو/أيار، وأوضح بشكل مباشر سيادة كندا في ظل التوتر مع الرئيس ترمب والولايات المتحدة، حيث قال: "كندا حرة وقوية".
وأهم ما جاء في هذا الخطاب لناحية الشعور القومي الكندي:
"بفخرٍ وسرورٍ عميقين، ننضم إليكم اليوم أنا وزوجتي، ونشهد توحد الكنديين في شعور متجدد بالفخر الوطني والوحدة والأمل.
كما قلت سابقا: في كل مرة أزور فيها كندا، يتسلل المزيد من كندا إلى دمي، ومنها مباشرة إلى قلبي. لطالما كنت معجبا بهوية كندا الفريدة، التي يُعترف بها عالميا لشجاعتها وتضحياتها دفاعا عن القيم الوطنية، ولتنوع الكنديين ولطفهم.
اليوم، تواجه كندا لحظة حرجة أخرى. الديمقراطية، والتعددية، وسيادة القانون، وتقرير المصير، والحرية، هي قيم يعتز بها الكنديون، وهي قيم عازمة على حمايتها".
التحديات الاقتصادية لتحقيق الرخاء لكندا
كما تطرق الملك تشارلز إلى التحديات الاقتصادية التي تواجهها كندا، وقال:
إن نظام التجارة العالمية المفتوحة- الذي وإن لم يكن مثاليا، فقد ساهم في تحقيق الرخاء للكنديين لعقود- آخذ في التغير. كما أن علاقات كندا مع شركائها آخذة في التغير. يجب أن نكون واعين: العالم مكان أكثر خطورة وغموضا من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية. تواجه كندا تحديات غير مسبوقة في حياتنا.
استقبال شعبي للملك تشارلز والملكة كاميلا في المقر الرسمي للحاكم العام لكندا، في أوتاوا، في 26 مايو
يشعر الكثير من الكنديين بالقلق والتوتر إزاء العالم المتغير جذريا من حولهم. التغيير الجذري دائما ما يكون مقلقا. ومع ذلك، تُمثل هذه اللحظة أيضا فرصة رائعة. فرصة للتجديد. فرصة للتفكير بشكل أوسع والعمل بشكل أكبر. فرصة لكندا للشروع في أكبر تحول اقتصادي لها منذ الحرب العالمية الثانية. يمكن لكندا الواثقة، التي رحّبت بالكنديين الجدد، بمن فيهم القادمون من بعض أكثر مناطق الصراع العالمية مأساوية، أن تغتنم هذه الفرصة بإدراكها أن جميع الكنديين قادرون على تقديم ما هو أكثر بكثير مما تستطيع أي قوة أجنبية في أي قارة أن تسلبه منهم. وأنه من خلال التمسك بالقيم الكندية، يمكن لكندا بناء تحالفات جديدة واقتصاد جديد يخدم جميع الكنديين.
على سبيل المثال، بدأ رئيس الوزراء ورئيس الولايات المتحدة في تحديد علاقة اقتصادية وأمنية جديدة بين كندا والولايات المتحدة، متجذرة في الاحترام المتبادل ومبنية على المصالح المشتركة، لتحقيق منافع تحويلية لكلتا الدولتين السياديتين.
وبالتوازي مع ذلك، تعمل الحكومة على تعزيز علاقاتها مع شركاء تجاريين وحلفاء موثوقين حول العالم، مُدركة أن كندا تمتلك ما يحتاجه العالم والقيم التي يحترمها العالم.
كندا مستعدة لبناء تحالف من الدول ذات الفكر المماثل التي تشاركها قيمها، وتؤمن بالتعاون الدولي والتبادل الحر والمفتوح للسلع والخدمات والأفكار. في هذا العالم الجديد سريع التطور، كندا مستعدة للقيادة. سيتجلى ذلك في يونيو/حزيران، عندما تعقد كندا قمة مجموعة السبع.
يتمثّل الهدف الأسمى للحكومة، ومهمتها الأساسية، في بناء أقوى اقتصاد في مجموعة الدول السبع. ويبدأ ذلك بإنشاء اقتصاد كندي واحد من بين 13 اقتصادا في المقاطعات والأقاليم. تُكلف الحواجز الداخلية أمام التجارة وتنقّل العمالة كندا ما يصل إلى 200 مليار دولار سنويا. ستُقدّم الحكومة تشريعات لإزالة جميع الحواجز الفيدرالية المتبقية أمام التجارة الداخلية وتنقل العمالة بحلول "يوم كندا الوطني".
اتّخذ كثير من رؤساء الوزراء بالفعل خطوات حيوية لكسر الحواجز التجارية بين المقاطعات والأقاليم. معا، سنبني على هذا التقدم لتحقيق التجارة الحرة في جميع أنحاء البلاد بحلول يوم كندا. هذا أمر بالغ الأهمية لإطلاق العنان لكامل إمكانات كندا الاقتصادية، ولكنه ليس كافيا.
لبناء كندا قوية، تعمل الحكومة بشكل وثيق مع المقاطعات والأقاليم والشعوب الأصلية لتحديد وتحفيز المشاريع ذات الأهمية الوطنية
لبناء كندا قوية، تعمل الحكومة بشكل وثيق مع المقاطعات والأقاليم والشعوب الأصلية لتحديد وتحفيز المشاريع ذات الأهمية الوطنية. مشاريع من شأنها ربط كندا، وتعميق روابطها مع العالم، وخلق وظائف بأجور عالية لأجيال.
نظرا لوتيرة التغير وحجم الفرص المتاحة، فإن السرعة هي جوهر الأمر. من خلال إنشاء مكتب جديد للمشاريع الفيدرالية الكبرى، سيتم تقليص الوقت اللازم للموافقة على أي مشروع من خمس سنوات إلى سنتين؛ كل ذلك مع الحفاظ على المعايير البيئية الرائدة عالميا في كندا.
ستُبرم الحكومة أيضا اتفاقيات تعاون مع كل مقاطعة وإقليم معني في غضون ستة أشهر لتحقيق هدفها المتمثل في "مشروع واحد، ومراجعة واحدة".
ولخّص الملك الخطة الاقتصادية بالقول: عندما يتحد الكنديون، تبني كندا ما يدوم.
الملك تشارلز والملكة كاميلا لدى مغادرتهما مطار ماكدونالد كارتييه الدولي في أوتاوا، كندا، في 27 مايو
بإزالة هذه العوائق التي أعاقت اقتصادنا، سنطلق العنان لعصر جديد من النمو يضمن لنا ليس فقط النجاة من الحروب التجارية الدائرة، بل الخروج منها أقوى من أي وقت مضى. سيمكّن هذا كندا من أن تصبح القوة العظمى الرائدة عالميا في مجال الطاقة النظيفة والتقليدية، وأن تبني استراتيجية صناعية تجعل كندا أكثر تنافسية عالميا، مع مكافحة تغير المناخ، وأن تخلق مئات الآلاف من الوظائف الجيدة في المهن الماهرة، وأن تجعل كندا مركزا عالميا رائدا للعلوم والابتكار.
ضبط الحدود البرية مع أميركا
وتطرق الملك أيضاً إلى موضوع التهريب عبر الحدود البرية، وقال: لكي تكون كندا قوية حقا، يجب أن تكون آمنة. ولتحقيق هذه الغاية، ستُصدر الحكومة تشريعات لتعزيز الأمن على حدودها. وستتوفر لمؤسسات إنفاذ القانون والاستخبارات أدوات جديدة لوقف تدفق الفنتانيل ومشتقاته.
ستؤدي الحكومة واجبها في حماية الكنديين وحقوقهم السيادية، أينما قد تأتي التحديات في الداخل أو الخارج. ولضمان سلامة المجتمعات، ستوظف الحكومة 1000 عنصر إضافي من الشرطة الكندية الملكية. ومن خلال نشر أجهزة المسح الضوئي، والطائرات دون طيار، والمروحيات، والأفراد الإضافيين، وفرق الكلاب البوليسية، ستحد الحكومة من تدفق الأسلحة غير المشروعة والمخدرات عبر الحدود.
وختم الملك خطابه بالقول: في ظل هذه الفترة من التغيير الكبير، يتوحد الكنديون خلف ما يجعل كندا فريدة.
وقد اعتبر كثيرون خطاب الملك عرضا قويا لدعم كندا، حيث تحدث عن التحديات التي تواجهها البلاد.
كما أوضح رئيس الوزراء كارني أن "كندا ليست للبيع أبداً"، وعزز الملك، بصفته رئيساً للدولة، قوة هذه الرسالة ورسوخها في زيارة رمزية قوية لدعم سيادة كندا.