الكاتب الكندي مايكل كرومي لـ"المجلة": كلّ رواية تحدّد أسلوبها وصوتها

روايته "الخصم" فازت بجائزة دبلن

الكاتب الكندي مايكل كرومي

الكاتب الكندي مايكل كرومي لـ"المجلة": كلّ رواية تحدّد أسلوبها وصوتها

ولد الروائي والشاعر الكندي مايكل كرومي في بوكانز، نيوفاوندلاند، عام 1965. اشتهر برواياته التي تجسد تاريخ نيوفاوندلاند ومناظرها الطبيعية وثقافتها الشعبية، بأسلوب نثري يمزج بين الخيال التاريخي والواقعية السحرية، المستوحى من التقاليد الشفهية وواقع الحياة في المجتمعات المعزولة. من أبرز أعماله "لصوص النهر" 2001، "الحطام" 2005، "سويتلاند" 2014، بالإضافة إلى مجموعات شعرية مثل "جدالات مع الجاذبية" 1996 و"ضوء قوي" 1998، ومجموعة قصص قصيرة بعنوان "لحم ودم" 1998.

حصدت أعمال كرومي العديد من الجوائز، مثل جائزة كتّاب الكومنولث عن روايته "وفرة" وجائزة توماس هيد رادال عن روايته "لصوص النهر"، كما فازت روايته الأحدث، "الخصم"، إلبجائزة دبلن الأدبية المرموقة 2025. هنا حوار معه.

ناقشت في روايتك "الخصم" مواضيع القوة والتنافس والبقاء في نيوفاوندلاند في القرن التاسع عشر. ما الذي ألهمك هذا العمل؟

أعتقد أن حالة العالم آنذاك كانت مصدر الإلهام الرئيس لي. لكنني كنت أرغب أيضا في كتابة رواية تكون نقيضا تماما لروايتي السابقة "الأبرياء"، التي تدور حول أخ وأخت يتيمين يستمدان إلهامهما من حبّ واحدهما للآخر. على النقيض من ذلك، تدور رواية "الخصم" حول أخ وأخت يحتقر واحدهما الآخر، ويسعى جاهدا لإيذائه. أعتقد أن الروايتين محاولة لإظهار الطبيعتين المتناقضتين للنفس البشرية. "الأبرياء" هي قصة آدم وحواء، لكن بصياغة أدبية مختلفة. أما "الخصم" فهي إعادة صياغة لقصة قابيل وهابيل.

عالم قديم

تصويرك لنيوفاوندلاند مليء بالمناظر الطبيعية القاسية والواقع الصعب. كيف أثر البحث التاريخي على كتابتك لهذا المشهد؟

كل ما كتبته دارت أحداثه في نيوفاوندلاند، موطني ونشأتي. إنه المكان الذي صنعني. ولطالما بذلت قصارى جهدي لتقديم المكان وسكانه بأصالة تامة، وهو ما تطلب مني البحث في الأرشيفات، وقراءة تاريخ المجتمع المحلي، والصحف والمجلات والمذكرات القديمة. أريد أن أمنح القارئ لمحة عن شكل ذلك العالم ورائحته وشعوره، وأن أعرض التفاصيل الدقيقة للعمل الدؤوب والأخطار التي كانت جزءا من الحياة اليومية لمعظم هؤلاء الناس.

كل ما كتبته دارت أحداثه في نيوفاوندلاند، موطني ونشأتي. إنه المكان الذي صنعني. ولطالما بذلت قصارى جهدي لتقديم المكان وسكانه بأصالة تامة

نيوفاوندلاند جزيرة في شمال المحيط الأطلسي، ولطالما شعرتُ بمناظرها الطبيعية ومناخها كشيءٍ من العهد القديم: بدائي، غير متوقع، ولا يرحم. ومنذ بداية الاستيطان الأوروبي هنا، بدءا من أواخر القرن السادس عشر، كان العيش فيها صعبا للغاية. لطالما سعيت إلى إظهار ذلك العالم كما كان. مع ذلك، في رواية "الخصم"، يبدو المشهد والمناخ خبيثين تقريبا، وكأنهما يعملان ضد السكان عمدا. كان هذا خياري الفني، كوسيلة لرفع مستوى الأخطار في عالم الحياة والموت الذي تجد الشخصيات نفسها فيه.

رواية "الخصم"

تطرح الرواية موضوعات الظلم والانتقام، كانعكاس للتوترات السياسية المعاصرة. هل كان هذا مقصودا، وهل ترى أوجه تشابه بين الصراعات التاريخية في "الخصم" والمجتمع المعاصر؟

بالتأكيد. تدور أحداث الرواية في الماضي، لكنني كنت أكتب عن العالم الذي أعيش فيه الآن. سعيت إلى كتابة قصة يحتل فيها أسوأ ما فينا كبشر معظم مواقع السلطة، وما هي عواقب ذلك. ويبدو لي أن هذا هو الحال بشكل متزايد في دول حول العالم. مع العلم أنني لا أعتقد أن القارئ بحاجة إلى معرفة ذلك أو رؤية أي نوع من التشابه مع العالم المعاصر عند قراءة الرواية. أردت أن تكون الرواية كتابا قائما بذاته، كقصة لا تعتمد على أي نوع من المعاني المجازية لتنجح. سيرى بعض القراء، العالم المعاصر في القصة، ولن يراه آخرون. على أي حال، آمل أن يجد الكتاب ضالته لديهم.

القبح والجمال

حظيت الرواية بإشادة نقدية كبيرة بفضل لغتها الغنية والشاعرية ولغة التهكم اللاذعة. كيف وازنت بين جمال اللغة وقسوة عالم أبطال روايتك؟

أحيانا يكون هناك جمال بالتوازي مع قبح العالم ووحشتيه، فظاعة قد تلهم شيئا يقارب الرهبة والرعب الدينيين. أعتقد أن هذا جزء من الأمر. لكن في رواية مثل "الخصم"، أردت أيضا أن تكون لغة السرد نفسها ملاذا للقراء، مكانا يحيا فيه الجمال والفرح والوقاحة في الكلمات نفسها المستخدمة لسرد القصة، على الرغم من رغبة الموت الملحة في قلب السرد. لغة الرواية، بالطبع، نتاج للعالم الذي تصفه، لكنها أيضا منفصلة عنه أو متفوقة عليه بطريقة ما. لست متأكدا من أن هذا منطقي، لكن هذا ما أشعر به حيالها حاليا.

تتناول أعمالك غالبا تاريخ نيوفاوندلاند وعزلتها. ما الذي يجذبك إلى هذه الموضوعات، وهل تشعر بمسؤولية الحفاظ على الثقافة الشعبية من خلال الأدب؟

استوطن الصيادون الإنكليز والإيرلنديون والفرنسيون نيوفاوندلاند لأول مرة في أواخر القرن السادس عشر، واستمر الاستعمار الإنكليزي الكامل خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. حتى جيل والدي، كانت ثقافة نيوفاوندلاند شفهية في المقام الأول.

الكاتب الكندي مايكل كرومي

كان التعليم شحيحا، وكان معظم الناس أميين. وقد خلقت عزلة مجتمعات الصيد الصغيرة تلك على مدى أجيال عديدة طابعا وثقافة فريدين هنا. اختفى ذلك العالم، العزلة شبه الكاملة، وانعدام التعليم تماما على مدار الخمسين عاما الماضية، إلا أن الطابع والثقافة لا يزالان قائمين بطرق عديدة. ولديّ رغبة قوية في الحفاظ على بعض الظروف التي خلقت هذه الثقافة في كتاباتي.

لغة الرواية، بالطبع، نتاج للعالم الذي تصفه، لكنها أيضا منفصلة عنه أو متفوقة عليه بطريقة ما

بل أكثر من ذلك، أجد نفسي منجذبا إلى ذلك العالم لأنه يبدو لي أن هؤلاء الناس لم يكونوا يتمتعون برفاهية أوهامنا المعاصرة حول مدى سيطرتنا على حياتنا. بالنسبة إلى سكان نيوفاوندلاند قبل الجيلين الأخيرين، لم يكن هناك مجال لإخفاء حقيقة أننا تحت رحمة قوى خارجية، وأنه في أي لحظة يمكن أن يسلب منا كل ما نملك. ثمة عري يحيط بمكانتهم في العالم، وهو أمر من المرجح ألا ندركه أو نعترف به هذه الأيام باعتباره جوهريا وحاضرا دائما في التجربة الإنسانية.

واقعية سحرية

رواية "وفرة" تتضمن عناصر من الواقعية السحرية، بينما رواية "سويتلاند" ذات طابع نفسي عميق. كيف تختار أسلوب السرد لكل كتاب؟

كل رواية تحدد أسلوبها وصوتها الخاص. وكقاعدة عامة، أقول إنني لا أتخذ قرارات واعية في شأن هذه الأمور. كانت رواية "وفرة" محاولة لإعادة كتابة رواية "مئة عام من العزلة" لغابرييل غارثيا ماركيز، تدور أحداثها في ميناء خارجي بنيوفاوندلاند، لذا لعبت الواقعية السحرية وهي التي تعد سمة أساسية في ثقافتنا، دورا محوريا في هذه الرواية.

الكاتب الكندي مايكل كرومي

بينما تدور معظم أحداث "سويتلاند" حول رجل يعيش وحيدا تماما على جزيرة نائية، لذا كان لا بد من أن يكون العمل ذا طابع نفسي. فلم يكن لدي الكثير لأعمل عليه هناك. جميع هذه القرارات غالبا ما تمليها علي القصة التي أحاول سردها.

توصف كتاباتك بأنها ذات لغة شعرية لكنها جريئة. حدثنا أكثر عن استخدامك للغة في النص السردي؟

أعتقد أن مصطلح "شعري" عند تطبيقها على الرواية عادة ما يوحي بنوع من عدم التحديد، ومحاولة من الكاتب للارتقاء بتفاصيل العالم بشكل مصطنع بلغة شعرية أو منمقة عمدا. آمل بصدق ألا يكون هذا ما أفعله. بالنسبة إلي، اللغة يجب أن تكون محددة وملموسة في شأن تفاصيل العالم المادي أو الحالة العاطفية، واستخدام الاستعارة كوسيلة لجعل هذه الأشياء تبدو حقيقية وحاضرة لدى القارئ. لذا فإن عملية وصف إجهاض عنيف أو مشاجرة جسدية هي نفسها عملية وصف شجار أو حب بين زوجين. أحاول أن أجعلها تبدو حقيقية، وأن أجعل القارئ يتمثلها كأنه يختبرها بنفسه.

تقاليد شفوية

غالبا ما يجسد شعرك إيقاعات تقاليد السرد الشفوي في نيوفاوندلاند. كيف توازن بين الأصالة التاريخية والشعرية في أعمالك؟

مرة أخرى، لست متأكدا من وجود عملية واعية كبيرة تجري هنا. من المؤكد أن هناك طريقة خاصة للتحدث وسرد القصص في نيوفاوندلاند، تتميز بتعبيرها الأصيل وغنائية معينة في أسلوبها، وفي اعتمادها على الاستعارة، وفي حسها الفكاهي الذي لا يقاوم. لطالما بحثت عن صوت يجسد بعضا من تلك الشخصية ويترجمها على الورق.

ساعدني الشعر في تطوير أسلوبي، وفي اكتشاف كيفية سرد قصة، ووصف تفاصيل أو لحظات أو مشاعر معينة ما كنت لأتمكن من وصفها لولا ذلك

في مجموعاتك الشعرية مثل "ركاب" و"ضوء قوي"، تستكشف موضوعات مثل الفقدان والصمود والبقاء. هل ترى أن الشعر وسيلة للحفاظ على أصوات وتجارب ماضي وطنك؟

كما ذكرت، انتقلت نيوفاوندلاند أخيرا من ثقافة شفهية إلى ثقافة مكتوبة. ولطالما شعرت أن القصائد والقصص التي أكتبها، على الأقل جزئيا، هي محاولة لتدوين بعض من تلك الثقافة الشفهية قبل أن تتلاشى تماما. إنه وهم بالطبع. 

رواية "الخصم"

فالغالبية العظمى من ذلك العالم القديم، وأسلوب الحياة، وتجارب هؤلاء الناس اليومية، تفلت من بين أيدينا وتختفي. لكنني أعتقد أن هذا ينطبق على جميع الناس، في جميع العصور والثقافات. لا مفر من أن يختفي 99% من العالم المعيش في النهاية دون أن يترك أثرا. وهذا، في رأيي، يجعل القليل الذي نستطيع استعادته وتخليده أجمل وأهم.

كتبت الشعر ثم القصة القصيرة والرواية. كيف أثرت خلفيتك الشعرية في كتاباتك السردية؟

لست متأكدا. أعتقد أن الشعر الذي كتبته في العشرين والثلاثين من عمري كان يحمل طابعا سرديا قويا، ومن هذا المنطلق، أشعر أنه مرتبط بالرواية بطريقة ما. ساعدني الشعر في تطوير أسلوبي، وفي اكتشاف كيفية سرد قصة، ووصف تفاصيل أو لحظات أو مشاعر معينة ما كنت لأتمكن من وصفها لولا ذلك.

font change

مقالات ذات صلة