أصبح سجن "أبو غريب" في العراق موضع اهتمام الرأي العام العالمي ابتداء من 28 أبريل/ نيسان 2004، بعد عام من الغزو الأميركي للعراق، وذلك عندما بثت شبكة "سي بي إس" الأميركية أولى الصور التي تُظهر جنودا أميركيين يسيئون معاملة معتقلين تحت حراستهم.
أظهرت الصور سجينا (عرف لاحقا بأنه علي شلال القيسي) مغطى الرأس يقف فوق صندوق وموصولا بأسلاك كهربائية، ومعتقلين عراة مكدسين بعضهم فوق بعض، يُجرون بواسطة طوق أو يُجبرون على محاكاة أفعال جنسية، بينما يظهر الجنود وهم يبتسمون ويلتقطون صورا إلى جانبهم رافعين علامة النصر.
تشبه فضيحة سجن "أبو غريب" فضيحة سجن "سدي تيمان" الإسرائيلي، ولكن ما سرب من هذا الأخير لم يكن صورا فوتوغرافية فحسب، بل مقطع فيديو أخذ من كاميرا مراقبة. ففي 7 أغسطس/ آب 2024 ضجت منصات التواصل الاجتماعي بمقطع نشرته القناة 12 الإسرائيلية لمشهد يوثق اعتداء جنود إسرائيليين على أسير فلسطيني في معسكر "سدي تيمان" في صحراء النقب. وقالت القناة الإسرائيلية إن الأسير تعرض للتعذيب والاعتداء الجنسي من قبل الجنود الذين حاولوا إخفاء وجوههم لعلمهم بوجود كاميرات مراقبة، فيما بثت "سي إن إن"، المقطع المسرب والذي يُظهر جنودا إسرائيليين يعتدون جنسيا على معتقل.
دائرة الفضيحة
في أعقاب فضيحة سجن "أبو غريب"، صرح الرئيس الأميركي جورج بوش لقناة "العربية" قائلا: "يجب على الناس في العراق أن يفهموا أنني أرى تلك الممارسات بغيضة." وأضاف: "يجب أن يفهموا أيضا أن ما حدث في ذلك السجن لا يُمثل أميركا التي أعرفها". من خلال هذا التوضيح الذي أدلى به الرئيس الأميركي، كان يسعى لإخراج دائرته من هذه الفضيحة، بكونها لا تمثل القيم الأميركية. يشرح الباحث بول جون في دراسة نشرت في دورية "جورنال الثقافة الدينية والشعبية" (2001) أن مسؤولي إدارة بوش استخدموا أدوات فنية وتواصلية مختلفة لإقناع الجمهور بالتركيز على الصور – اللافتات الفاقعة للفضيحة – وليس على الفضيحة ذاتها. بمعنى آخر، أُعيد توظيف صور "أبو غريب" من قبل المسؤولين الحكوميين لتصوير الانتهاكات على أنها أفعال ارتكبها عدد من "التفاح الفاسد" – أي أفراد تصرفوا على نحو مستقل دون موافقة الحكومة، أو دون أن تعكس تصرفاتهم سياسة حكومية ممنهجة، علما أن أولئك المسؤولين أنفسهم أعربوا، سواء في ما يتعلق بسجن "غوانتانامو" أو "أبو غريب" أن من يساقون إلى السجن هناك لا تنطبق عليهم المعاهدات الدولية المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب.