أدى الاحتلال الأميركي للعراق، ونشوء سلطات عراقية جديدة ومتنازعة على أنقاض نظام صدام حسين، ونشوب حروب أهلية بين المكونات العراقية (2003 - 2014) وسيطرة تنظيم "داعش" على أجزاء واسعة من سوريا والعراق (2014 - 2017)، إلى تدمير الشطر الأكبر من تراث مدينة الموصل العمراني والمعماري العريق في شمال العراق الغربي، وإلى تهجير معظم مسيحييها منها.
وفي أبريل/نيسان 2025 أصدر الكاتب والناشط الموصلي سامر إلياس سعيد كتابا عنوانه "أسرار وحقائق استهداف مسيحيي الموصل". طبع الكتاب ونشر بمبادرة خاصة من الكاتب، وبمساعدة "اتحاد الأدباء والكتاب السريان". وهو يتقصى ويوثق وقائع ما أصاب مسيحيي المدينة العراقية الثانية في أهميتها بعد العاصمة بغداد.
تحولات سكانية
كانت نسبة المسيحيين من سكان محافظة نينوى وعاصمتها الموصل في بدايات القرن العشرين، تتراوح بين 25 و30 في المئة، موزعين على كنائس عدة: كلدان كاثوليك، سريان أرثوذوكس، سريان كاثوليك، إنجيليون، أرمن أرثوذوكس، وآشوريون. وقدرت استطلاعات وتقارير عدد مسيحيي العراق، قبيل أن تغزوه الولايات المتحدة الأميركية، بنحو مليون و500 ألف نسمة. أما اليوم (سنة 2025) فهبط عددهم إلى 250-300 ألف نسمة. هذا فيما عاش مسيحيو الموصل ونينوى (35 ألف عائلة، منها 5 آلاف في الموصل) أوضاعا صعبة، انتهت بتهجير أغلبيتهم الساحقة. وغداة الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، بدأ تبدل صورة المسيحيين لدى من شاعت تسميتهم "العرب السنة" الذين شكلوا منذ التاريخ الوسيط معظم سكان مدينة الموصل. وإلى جانب المسيحيين ضمت المدينة أقليات عرقية ودينية وإثنية: الكرد، الشبك، الأيزيديون، والتركمان. أما يهود الموصل والعراق عموما فقد هاجروا في موجات متلاحقة منذ نهايات الأربعينات.
وجراء حرب العراق المدمرة - مع إيران (1980 - 1988)، والحرب الدولية عليه منذ غزوه الكويت وتحريرها في العام 1990، وحصاره حصارا اقتصاديا قاسيا، ومن ثم إقدام أميركا على احتلاله في العام 2003 - غرق العراق في الفقر والفوضى، بعد عقود من غرقه في ديكتاتورية ماحقة. وبعد احتلاله شرعت القوات الأميركية للعراقيين باب العمل موظفين مدنيين لديها في مجال الخدمات والترجمة، مقابل رواتب بالدولار. وفي الموصل كانت القاعدة العسكرية الأميركية بمنطقة الغزلاني والقصور الرئاسية في المدينة، مقار تلك الأعمال التي اعتبرها كثيرون فرصة لا تعوض. وكان معظم العاملين في تلك الوظائف من المسيحيين، على خلاف مسلمي الموصل السنة الذين عزفوا عن الانخراط فيها.