ماذا تبقى من تنظيم "القاعدة"؟

التشابه بينه وبين "داعش" كبير جدا

أ ف ب
أ ف ب
رجل في واشنطن ينظر إلى صحف أميركية صبيحة اليوم الذي أعقب قتل زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن في 2 مايو2011

ماذا تبقى من تنظيم "القاعدة"؟

في مثل هذه الأيام سنة 2011 قُتل زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن في باكستان، وخلفه فورا الطبيب المصري أيمن الظواهري، الذي قُتل في أفغانستان شهر يوليو/تموز عام 2002، ليحل مكانه الزعيم الحالي للتنظيم محمد صلاح زيدان، المعروف باسمه الحركي سيف العدل. بقي اسمه مغمورا حتى اليوم، ولم يكن له بالأساس أية سيرة مهمة، فهو مصري الجنسية، درس التجارة في جامعة القاهرة، وغادرها للالتحاق بتنظيم "القاعدة" سنة 1989.

تعرف زيدان إلى بن لادن باكرا، وكان مرافقا له في السودان والصومال وأفغانستان، وقد نصب نفسه زعيما منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. اسمه معروف جيدا بالنسبة للمحللين وخبراء الإرهاب الدولي، ولكن الرجل أضعف بكثير مما يتخيله بعضهم، وقد وصف بالمتردد، عديم الثقافة والفاقد لأي كاريزما. عمره اليوم 63 سنة، أي إن الجيل الجديد من الإرهابيين لا يعرفه، وهنا تجب الإشارة إلى أن "القاعدة" كانت قد فقدت منذ سنة 2001 قدرتها على تجنيد الشباب، وتنفيذ عمليات معقدة كما كانت عليه في الماضي، ناهيك عن تراجع نفوذها في المجتمع الإرهابي الدولي بسبب ظهور منافسين لها مثل "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام)، وتنظيم "داعش"، وغيرهما.

المقارنة بتنظيم "داعش"

نظريا، فإن التشابه بين "القاعدة" و"داعش" كبير جدا، فقد ولدت الثانية من رحم الأولى قبل أن يقع الانشقاق الكبير بينهما، رغم التطابق في برنامجهما الإرهابي. كلا التنظيمين يعاني اليوم من حالة كبيرة من التراجع- قد تصل إلى موت سريري في حالة "القاعدة"- وكلاهما أخفق في إيجاد زعامة تجمعه كزعامة بن لادن وأبو بكر البغدادي الذي قتل سنة 2019.

تعد "القاعدة" التنظيم الأم لكل الجماعات الإرهابية، وتعد "داعش" فرعا ضالا من العائلة الجهادية، ما كان له أن يقوم أصلا لولا الدعم المالي واللوجستي الذي كان يتلقاه من زعيمها في العراق أبو مصعب الزرقاوي بعد الغزو الأميركي للعراق سنة 2003. وفي حين أن "القاعدة" تتوقع من الحلفاء والأنصار تزويدها بالمال بعد أن فقدت اليوم ثقلها المالي منذ مقتل بن لادن، فإن "داعش" لها طرق خاصة في جمع المال، وليست بحاجة لأحد، كالخطف والمتاجرة بالسلاح والبشر والنفط.

سيف العدل غير قادر على منافسة "داعش" من حيث أخذ الشرعية من "الخلافة" المزعومة

أصبح تنظيم "القاعدة" موضة قديمة، إن صح التعبير، والفرق الثاني بينه وبين "داعش" أنه لا يسعى لإحكام سيطرته على رقعة جغرافية واحدة كما فعل "داعش" في الرقة ودير الزور والموصل وتكريت، فهذا غير مجدٍ وغير مستدام في نظره، وسيكلفه الكثير من المال والجهد والرجال. إضافة إلى أن "القاعدة" ليس له هدف إقامة دولة إسلامية في المنظور القريب، عكس "داعش" الذي كان يقدم الخدمات الحكومية لرعاياه، ويساوي نفسه بالحكومة، فيأخذ منهم الضرائب مقابل إنشاء الوزارات وفرق الشرطة والدواوين الحكومية وتشغيلها، مع متابعة خاصة من وسائل إعلام إلكترونية مسموعة ومقروءة ومرئية.

وكان تنظيم "القاعدة" قد ولد من رحم الأزمة السوفياتية في أفغانستان، وكان منذ بدايته تنظيما دوليا مع أتباع في العالم الإسلامي كله، ليس فيه ما يسمى "مقاتلون أجانب" لأنه قائم على إرهابيين من كل الجنسيات والأعراق وينظر إليهم على أساس أنهم مسلمون فقط. بينما ولد تنظيم "داعش" من الحروب العراقية والسورية، مع فارق كبير من حيث نسبة المقاتلين العرب والأجانب، فقد بقي إلى حد بعيد تنظيما محليا على الرغم من محاولة توسعه أفقيا وعموديا في زمن البغدادي.

وكان أسامة بن لادن يحاول الظهور بطريقة قريبة من الإعلام، وقد اشتهر عنه لقاء الصحافي البريطاني روبرت فيسك في أفغانستان، ولكن زعماء "القاعدة" اليوم يحتجبون تماما عن الإعلام، مثل زعماء "داعش". وأخيرا فإن سيف العدل غير قادر على منافسة "داعش" من حيث أخذ الشرعية المزعومة من "الخلافة الإسلامية"، فلا هو من آل البيت، ولا هو من قريش ليدعي أنه أمير للمؤمنين وخليفة للمسلمين كما فعل أبو بكر البغدادي سنة 2014.

مرحلة سيف العدل منذ سنة 2023

يدرك سيف العدل كل هذه الخلافات مع "داعش"، التي تفقده الكثير من المرونة، ولعل أكبر تحد يعاني منه هو تقدمه في السن، على حين أن معظم الكوادر الإرهابية اليوم من فئة الشباب في العشرينات من عمرهم. وهو بعيد عنهم عمريا وفيزيائيا، يعيش في عزلة تامة، ولا يلتقي بهم، ولا يعرف شيئا عن مشاكلهم. وهو ضعيف من الناحية الفقهية والعلمية، وكونه عمل مرافقا لأسامة بن لادن وعاصر الجيل المؤسس من التنظيم لم يعد كافيا لإعطائه الشرعية المطلوبة لدى فئة الشباب. إنه لا يملك سطوة بن لادن أو ماله، ولا معرفة الظواهري وعلمه.

يعتمد تنظيم "القاعدة" اليوم على تبرعات دورية من الأنصار، وتحديدا من شبكة حقاني في أفغانستان، وهذه الأموال لا تكفي إلا للبقاء على قيد الحياة

ومن القضايا التي واجهها سيف العدل منذ تسلمه المنصب أنه مصري، بينما باتت كوادر التنظيم متنوعة من العالم الإسلامي كله، والمصريون بينهم قلة. وفي مجلس قيادة التنظيم إدارة للشؤون السياسية، وأخرى للشؤون العسكرية والمالية والأمنية والإعلامية، لا نعرف منهم إلا اسما واحدا فقط وهو أبو أيمن المصري، المسؤول عن الجناح الأمني، أما بقية الأشخاص الذين يجري تداول أسمائهم في الإعلام، فجميعهم ماتوا في السنوات القليلة الماضية، ويتكون المجلس اليوم من سبعة أشخاص، أربعة منهم على الأقل مصريون. وهناك مجموعة كبيرة من الجهاديين العراقيين والسوريين واليمنيين ليست ممثلة في قيادة التنظيم، ولا يرضيها تنصيب أمير آخر من مصر، بعد أيمن الظواهري.

تركة الظواهري

في عهد الظواهري جرت عملية تفكيك لا مركزية داخل التنظيم، عملية عشوائية وغير منظمة جاءت نتيجة الشح في الموارد بسبب التشديد الدولي في مكافحة الإرهاب إبان ظهور تنظيم "داعش". سمح الظواهري للتنظيمات الإرهابية العالمية برفع راية "القاعدة" واستخدام اسمها دون أن يكون لها أية علاقة بالتنظيم، لا من الناحية الإدارية ولا العسكرية. لم تعطهم "القاعدة" أي سلاح أو تدريب، فكانت عملياتهم بدائية وفي كثير من الأحيان فاشلة، أضرت بسمعة التنظيم الأم. الاستثناء الوحيد الذي ظل يمول من التنظيم الأم كان فرع "القاعدة" في اليمن، نظرا للعلاقة الطيبة جدا بين الظواهري وزعيمه في حينها، ناصر الوحيشي (أبو بشير). كان الوحيشي من تلامذة الجيل المؤسس في "القاعدة"، وكانت له صداقة متينة بهم، أما بقية الأفرع فقد كانت مرتبطة بـ"القاعدة" بالاسم فقط.

أ ف ب
رجال شرطة باكستانيون يقومون بدورية بجانب أعمال الهدم في المجمع الذي قُتل فيه زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن في مدينة أبوت آباد شمال غرب البلاد

عجز الظواهري بعد مقتل بن لادن عن تمويل أفرع التنظيم العالمية، بسبب التضييق الدولي، وتقدمه في السن والتفاته إلى الأمور الفقهية أكثر من العملياتية. والأهم أنه لم يعلن خليفة له، ما فتح الباب أمام سيف العدل لتولي المنصب، علما أن بعض التقارير تفيد بأن الظواهري كان يرغب في تعيين الوحيشي أميرا، ولكنه قُتل قبله في يوليو 2015.

يعتمد التنظيم اليوم على تبرعات دورية من الأنصار، وتحديدا من شبكة حقاني في أفغانستان، وهذا الأموال لا تكفي إلا لبقاء "القاعدة" على قيد الحياة، دون السماح لها بأن تنمو وتزدهر. حاول سيف العدل الحصول على دعم مالي من تنظيم "الشباب" في الصومال، ومن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في الساحل، نظرا لغناهما واكتفائهما ذاتيا، ولكنهما أبديا تحفظا على دعم "القاعدة" بعد رحيل الظواهري، وقد فضلا استثمار الأموال في تجنيد المقاتلين في دولهم، وشن العمليات الإرهابية في مجتمعاتهم.

طموح سيف العدل وحلمه هو الوصول إلى خزان المال الموجود حاليا في شمال أفريقيا، وإذا وصل إلى ما يريد يمكنه أن يولد من جديد

بذلك يكون سيف العدل أميرا على مجموعة مفلسة، تحمل اسم "القاعدة"، ولا تشبه التنظيم الدولي الذي أرعب العالم لعقود طويلة. وقد خسرت "القاعدة" معسكراتها القديمة وشبابها، وهي اليوم تعيش في حالة من الغموض الكامل حول مستقبلها. لا يملك سيف العدل مقرا دائما لعمله، وهناك جناح معارض داخل البيت الواحد، يقوده محمد أباطاي (عبد الرحمن المغربي) صهر أيمن الظواهري الذي يعد نفسه أقدر على تولي الزعامة من سيف العدل. ولكنه قبل به لأن الأخير كان أقدم منه تنظيميا، وهو بانتظار الفرصة للإطاحة به، ويرغب في مراجعة شاملة لعقيدة "القاعدة"، ووضع مفهوم نظري وعملي جديد للتنظيم، أكثر تماشيا مع متطلبات العصر. سيف العدل يرفض ذلك، ويريد الاستمرار في الخطاب الكلاسيكي نفسه الذي بدأ به عبد الرحمن عزام في زمن الاجتياح السوفياتي لأفغانستان. وبينما المغربي قليل الثقة في حركة طالبان، ودعا لاستقلال "القاعدة" عنها، يرى سيف العدل أن هذا الأمر سيقضي على ما تبقى من "القاعدة"، ويريد تعزيز التعاون مع طالبان. أما الجناح المعارض الآخر فيقوده يوسف العنابي (أبو عبيدة)، زعيم التنظيم في المغرب، المعارض لسيف العدل وعبد الرحمن المغربي معا. وهناك جناح ثالث بقيادة أحمد الديري، زعيم الشباب في الصومال، ورابع يقوده سراج الدين حقاني في أفغانستان، الذي يطمح إلى دمج ما تبقى من التنظيم من كوادر في تنظيمه العسكري. مع معارضة شديدة لسيف العدل من الجناح اليمني للتنظيم، وتحديدا من رشيد الصنعائي ومحمد ريمي، نجل الزعيم محمد ريمي، أحد حلفاء أيمن الظواهري السابقين.

"الأمل" الوحيد

ومع كل ذلك، يبقى في يد سيف العدل سلاح واحد يمكن له الاستثمار فيه للنهوض: عقيدة "القاعدة" الإرهابية. وهي عقيدة ثابتة عابرة للزمان والمكان، وله مريدون في العالم الإسلامي كله، ويمكنه عن طريقها، في حال توفر له المال المطلوب، استخدامها لتجنيد مقاتلين جدد في أفريقيا والشرق الأوسط، وتحديدا في مخيم الهول في المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية داخل سوريا، وصولا إلى شرق الفلبين. الأمل الوحيد بالنسبة له هو نسج علاقة طيبة، إما مع فرع التنظيم في المغرب- وهذا يقتضي تحالفا مع عبد الرحمن المغربي- أو مع جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في الساحل، المنتشرة اليوم في أفريقيا مع الانسحابات الفرنسية من القارة السمراء. فهو يدرك جيدا أن إمكانية العودة إلى المسرح السوري أو العراقي باتت ضعيفة جدا بسبب تغلغل "داعش" في العراق، وهيئة تحرير الشام في سوريا. طموح سيف العدل وحلمه هو الوصول إلى خزان المال الموجود حاليا في شمال أفريقيا، وإذا وصل إلى ما يريد يمكنه أن يولد من جديد، مستفيدا من الحدود الفضفاضة هناك التي ستمكنه من تهريب السلاح وتجنيد الرجال إلى أي مكان في العالم.

font change

مقالات ذات صلة