عرف مفهوم "تسارع التاريخ" الظهور في بعض المجتمعات الغربية أواخر القرن الثامن عشر، مواكبا لفترة الثورة الفرنسية. يرتبط هذا المفهوم إذن بالأفق الثوري، أي "الحدث المفجر" للحداثة السياسية، ذلك الحدث الذي جسد روبسبيير زمنيته السياسية الجديدة عندما صرح لأعضاء المؤتمر الوطني سنة 1793 أن عليهم واجب "تسريع" الثورة.
وهكذا، كانت الثورات، وزيادة وتيرة الحروب والأزمات، تفهم، خلال القرنين الثامن والتاسع عشر على أنها شكل من أشكال "التسريع" الاجتماعي والسياسي، أي الانتقال بقفزات وتحولات فجائية نحو شكل من المجتمع جديد. في هذا المعنى أخذ المفهوم معنى إيجابيا عند ظهوره.
دوران رأس المال
سيجد هذا المفهوم دعامة أخرى على إثر التسارع التقني والاقتصادي الذي بدأ مع الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، تلك الثورة التي تميزت بـتحسن متواصل تحقق في عدد لا يحصى من الإنجازات الجزئية التي توالت في فترات زمنية تزداد قصرا، ابتداء من الآلة البخارية وصولا إلى تقنية الجيل الخامس (5G)، فأدت إلى تسارع تطور وسائل النقل والإنتاج والاتصال، مع ما كان وراءها من اكتشافات علمية متلاحقة.
تمخض عن ذلك أنه على مدار القرنين الماضيين، أصبحت وتيرة دوران رأس المال، التي يجب أن تتسارع باستمرار لزيادة الأرباح، العامل الذي يفرض إيقاعه الذي ما ينفك يتسارع.
بين المفكر الألماني هارتموت روزا بوضوح أنه على عكس المجتمعات التقليدية، التي تتميز بالاستقرار البنيوي، فإن المجتمعات الحديثة غير مستقرة البنيات، ولا يمكنها الاستمرار إلا بثمن التسارع المستمر. لقد أصبحنا نجد صعوبة كبيرة في مواكبة هذا الإيقاع لدرجة أنه قريبا، سنحتاج إلى "زيادة" قدراتنا، أي إلى ما أصبح يدعى الإنسان «ممدد القدرات» L’homme augmenté، ليس لتحسين حياتنا، بل لنتمكن فقط من البقاء.