قبل عدة أسابيع، وفيما أقيمت احتفالات "عيد النوروز" بشكل سلس في ثلاث دول إقليمية، العراق وتركيا وسوريا، وباعتراف ومشاركة رسمية متفاوتة وهي الدول التي كانت تشهد صدمات بين أجهزة الأمن والمحتفلين الأكراد على الدوام خلال السنوات والعقود الماضية، بسبب حساسية الملف الكردي داخلها، فإن الاحتفال بالمناسبة بين أكراد إيران شهد توترات بالغة، استثنائية. إذ اعتُقل عشرات الشُبان الأكراد في مدينة مهاباد ذات الأغلبية الكردية غرب البلاد، بينهم ستة أطفال، حسب منظمة "هنغاو" لحقوق الإنسان، وفرقت أجهزة الأمن الاحتفالات في مُدن سردست وسقز وسنندج وكرمانشاه "الكردية"، فيما حرض رجل الدين الموالي للنظام في المناطق الكردية، مصطفى شيرزاي، تشكيلات "قوى الشرف الديني"، وهي ميليشيات شبه نظامية تابعة لأجهزة الأمن، على مهاجمة المشاركين في هذه الاحتفالات.
تحولات ومسارات
يشكل ذلك المعطى استعارة سياسية لتبدلات رئيسة تشهدها المنطقة، تحديدا فيما يتعلق بالمسألة الكردية، في الدول الإقليمية الأربع.
فبينما كانت إيران تقليديا تُعتبر دولة "منفتحة" وإن نسبيا، على أكرادها، تحديدا على المستوى الثقافي، بسبب المشتركات التاريخية والفنية واللغوية بين القوميتين الفارسية والكردية، حتى إن محافظة كاملة في إيران اسمها "كردستان"، واللغة الكردية مسموح بها في بعض الممارسات الثقافية والفنية، مثل الموسيقى والمسرح، لكنها راهنا صارت أكثر انغلاقا وحذرا من أكرادها في الداخل، تزيد من وتيرة تعاملها الأمني مع الملف الكردي، تفاديا لأي انفتاح سياسي عليهم.
على العكس من ذلك تماما، فإن الدول الثلاث الأخرى، العراق الذي كان يمارس مضايقات أمنية وعسكرية وثقافية ضد الكُرد، وسوريا وتركيا اللتين لم تكونا تعترفان بوجود الكُرد فيهما أساسا، وتمنعهم من ممارسة ثقافتهم أو حقوقهم السياسية، صارت في دواخلها تحولات سياسية تجاه المسألة الكردية، مبنية، على مسارات سياسية ذات أفق، تسمح لأكراد هذه البلدان بمعرفة بعض ملامح "مستقبلهم السياسي" ضمن هذه الدول.
منذ عام 2005، وبعد إقرار الدستور العراقي الجديد للفيدرالية كـ"حل" للقضية الكردية، غدا الأكراد العراقيون جزءا من المسار السياسي الحيوي في البلاد. بعدهم بسنوات قليلة، ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، شارك الأكراد السوريون في المشهد العام للبلاد، وتمكنت "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبية الكردية من السيطرة على مناطق واسعة شمال البلاد، وشيدوا علاقات واسعة مع القوى الدولية، ويفاوضون راهنا على شكل النظام السياسي في سوريا. الأمر نفسه ينطبق على تركيا، حيث كانت المسألة الكردية بالغة التعقيد والعنف داخلها. لكن "حزب العمال الكردستاني" قرر إنهاء مرحلة الكفاح المسلح وحلّ نفسه، فيما تعِدُ الأوساط السياسية والبرلمانية التركية باتخاذ قرارات وسياسات وتشريعات أكثر انفتاحا على الأكراد.