حيفا- يمكن اعتبار الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي من بين الكتّاب أو الباحثين الأكثر متابعة لمسيرة الحركة الوطنية، في تطوراتها ومآلاتها، بحيث قدم خلال مسيرته الطويلة عددا كبيرا من الكتب والمقالات والمناظرات والمحاضرات واللقاءات الإعلامية، طرح فيها رؤيته النقدية لقضايا عربية وقضايا فلسطينية وأخرى إسرائيلية، كلها ملتزمة بموقف وطني منخرط عضويا فيما اعتبره قضايا هامة، من الماضي، إلا أنها كذلك فاعلة في الحاضر ومركزية في تحديد مستقبل الشعب الفلسطيني.
كيالي العائد إلى دمشق، مؤخرا، يقدم في كتابه الجديد مساهمة كبيرة ومهمة جدا، بصفته كاتبا وناقدا أولا، وكذلك بصفته مثقفا عضويا لا يدخر جهدا للمساهمة في تغيير وتصحيح مسار الشعب الفلسطيني. تضمن الكتاب تحليلا نقديا وشاملا للمسيرة التاريخية للحركة الوطنية الفلسطينية، بدءا من انطلاقتها في منتصف الستينات وحتى "طوفان الأقصى" في عام 2023، بهدف فهم جذور الأزمة الحالية التي تعيشها الحركة، واقتراح استراتيجيات جديدة تتجاوز الإخفاقات الماضية، وتستجيب للتحديات المعاصرة.
المنطلق الأساسي للكتاب هو ضرورة التعاطي بمسؤولية وطنية وأخلاقية وبعقلية نقدية مع التجربة الكفاحية الفلسطينية (والعربية) المتواضعة في هذا الصدد.
يؤكد كيالي على أهمية المراجعة النقدية لتلك التجربة بكل جوانبها، بما في ذلك خطابها وبنيتها وممارساتها وعلاقاتها. ويرى أن النقد البناء هو ضرورة لتصحيح المسار، ولتطوير الحركة الوطنية، وليس ترفا أو مزايدة. وفي ذلك فإنه يحض زملاءه من الكتاب والمثقفين على عدم التنازل أو التفريط في دورهم هذا، الذي لو كان أكثر ومتوفرا بشكل ملائم ودائم، لكان قد ساهم في درء بعض الانزلاقات التي عاشتها الحركة الوطنية في مسيرتها الطويلة. ويهتم كيالي بتذكيرنا بأن تبرّم الفصائل والحركات والقيادات وبعض النخب من ذلك، ما هو إلا محاولة لمنع النقد البناء وتصحيح المسار، وكذلك لأجل حفظ المصالح الضيقة على حساب مصلحة ومستقبل الشعب الفلسطيني.
يتناول الكتاب تاريخ النضال الفلسطيني منذ بداياته في الستينات، مركزا على ظهور حركة "فتح" وفكرة الكفاح المسلح، وتأثير الأحداث العربية والإقليمية في ذلك، ويوضح أن دعم "فتح" وصعود الكفاح المسلح جاء بسبب عوامل متعددة، منها تنافس الأنظمة العربية على توظيف قضية فلسطين، ونتائج هزيمة يونيو/حزيران 1967، التي أنعشت الحاجة للكفاح المسلح كنموذج للمقاومة والتبرير لشرعية الأنظمة.