تروي الفيلسوفة والمتصوفة الفرنسية سيمون ڤايل، طرفة هندوسية، تذكر فيها أن ناسكا عاد بعد أربعة عشر عاما من الخلوة ليرى عائلته، فسأله أخوه: ماذا اكتسبت؟ فاصطحبه الناسك إلى النهر وقطعه سيرا على قدميه أمام عيني أخيه! فنادى الأخ من بعيد صاحب قارب يعبر فيه الناس النهر بين ضفتيه، وطلب منه أن ينقله بقاربه إلى الضفة الأخرى ودفع له فلسا، ثم قال للناسك: هل يستحق هذا الأمر البسيط (عبور النهر مشيا) قضاء أربع عشرة سنة من الجهد لاكتساب ما أستطيع الحصول عليه مقابل فلس واحد؟
بعيدا من التناول الصوفي، فما يهمنا من هذه الحكاية، هو الإشارة إلى صورة "الأنا" الطبيعية لدى البشر، مقابل الأنا الاصطناعية التي يخلقونها، ثم يرتبكون عندما تفزعهم النتيجة والمآل. فمنذ قدم التاريخ، وعندما استشعر الإنسان بعض التفوق على الطبيعة، وضع نفسه في محور الكون، وادعى السيادة عليه. ذلك قبل أن تؤدي نظرية كوبرنيكوس التي تنفي مركزية الأرض، إلى تلاشي بعض ذلك الغرور. وبعد الثورة الصناعية في الغرب، استشعر الإنسان محدودية نطاق الفعل البشري مقابل إنجاز الأداة أو الآلة. تقبل يومها التكنولوجيا باعتبارها، وفي مفهومها الأداتي، امتدادا لجسده، وتطويرا وظيفيا لأعضائه. فكلاهما - الآلة والجسد - يصبحان مجرد وسيط بين الإرادة البشرية والتأثير على الأشياء، كما رأى ذلك التناظر جان بودريار. وفي هذا المعنى، أصبح إنسان الأمس من خلال العمل على خط التجميع، مجرد "آلة". أما اليوم، وكما يقول دانيال كوهين، مع وجود الذكاء الاصطناعي، "الآلة هي التي تصبح إنسانية، حيث يمكنها أن تزيد قدراتنا المعرفية أو الميكانيكية، ويمكنها كذلك - في بعض الأحيان - أن تؤدي إلى الاستغناء عنا".