الإيغور في سوريا... من مقاتلين عابرين للحدود إلى "فصيل عسكري ملتزم"

"الفرقة 84"

رويترز
رويترز
مقاتل من الفصائل المسلحة السورية يقود دراجة نارية في حلب، 30 نوفمبر

الإيغور في سوريا... من مقاتلين عابرين للحدود إلى "فصيل عسكري ملتزم"

شرعت الحكومة السورية بتنفيذ خطة لدمج آلاف المقاتلين الأجانب في وزارة الدفاع السورية ضمن فرقة من المفترض أن تحمل اسم "الفرقة 84"، وذلك بعد أشهر من المفاوضات واللقاءات بين الحكومة السورية ودول عربية وغربية من بينها الولايات المتحدة حول مصير المقاتلين الذين كانوا في مناطق "هيئة تحرير الشام"، والذين أثبتوا انضباطهم والتزامهم بخط "هيئة تحرير الشام" سابقا، والدولة السورية في الوقت الراهن. واشنطن وافقت على خطة الحكومة السورية لدمج هؤلاء المقاتلين، وقال مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى سوريا، توماس باراك، قبل أيام، إن بلاده وافقت على خطة الحكومة السورية فيما يخص هذا الملف، وأضاف لوكالة "رويترز": "أعتقد أن هناك تفاهما وشفافية"، موضحا أن إبقاء هؤلاء المقاتلين ضمن مشروع الدولة أفضل من إقصائهم، وعدّ أنهم "مخلصون للغاية" للحكومة السورية الجديدة.

ملف المقاتلين الأجانب هو ملف شائك ومثير للجدل داخليا وخارجيا، فالحديث عن دمجهم ضمن وزارة الدفاع أثار كثيرا من النقاشات وتفاوت وجهات النظر في أوساط السوريين، بين مؤيد ومشكك في صحة هذه الخطوة. خطة الحكومة المرحلية تتوجه إلى أبرز مكون أجنبي كان عوناً لها، وهم الإيغور المنحدرون من تركستان الشرقية غرب الصين والذين يُعدّون القوة الضاربة داخل "الحزب الإسلامي التركستاني" في سوريا، حيث يشكلون ما يربو على 90 في المئة من قوام هذا الفصيل الذي تمزكز في أصعب وأخطر الأماكن الجغرافية في محافظة إدلب والمناطق المطلّة على الساحل السوري.

معلومات "المجلة" تقول إن الحكومة السورية خاضت مفاوضات طويلة مع واشنطن حيال ملف المقاتلين الأجانب، وقدمت الكثير من التبريرات حول ضرورة التعامل مع هذا الملف بحذر وحكمة كي لا يتحول الملف إلى نار وحديد، كما قدّمت خطة لدمج بعضهم- الموثوق بهم- داخل مؤسسة الجيش وضمان عدم قيامهم بأي تحرك من شأنه زعزعة الاستقرار في سوريا أو التحرك في الظل عبر الحدود خارج الجغرافيا السورية. ومن غير الواضح إن كانت واشنطن قد وافقت على دمج بعضهم ضمن الجيش دون إعطائهم مناصب عليا (وهو طلب سابق لواشنطن) أم إن الخطة التي قدمتها الحكومة السورية بددت شكوك ومخاوف الإدارة الأميركية والدول الإقليمية والغربية.

الحديث اليوم عن ضمّ أكبر مكون أجنبي في سوريا كان ضمن تحالف عسكري مع "هيئة تحرير الشام" في إدلب سابقا، وهم المقاتلون الإيغور، الذين هاجروا من الصين إلى سوريا بدءا من عام 2013، وبدأوا تشكيل فصيل "الحزب الإسلامي التركستاني" في سوريا عامي 2014-2015، وهو الاسم نفسه الذي يحمله فصيل في أفغانستان ويُشكل الإيغور أيضا عصب قوته.

معلومات "المجلة" تقول إن الحكومة السورية خاضت مفاوضات طويلة مع واشنطن حيال ملف المقاتلين الأجانب، وقدمت الكثير من التبريرات حول ضرورة التعامل مع هذا الملف بحذر وحكمة

القبول الأميركي لدمج هؤلاء المقاتلين ضمن الجيش السوري ليس حادثة فريدة من نوعها في سياق تعامل واشنطن مع ملف الإيغور العابرين للحدود، حيث قامت الولايات المتحدة الأميركية بشطب "الحزب الإسلامي التركستاني" في أفغانستان من قوائم الإرهاب في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، وذلك- بحسب المعلومات- بعد تلقي واشنطن تأكيدات صارمة بأن الحزب لن يعترض مصالح الولايات المتحدة في أي جغرافيا، كما أن قرار الإدارة الأميركية فُهمَ حينها على أنه خطوة تأتي في سياق التوترات الأميركية-الصينية.

ماذا نعرف عن الإيغور في سوريا؟

الإيغور بدأ توافدهم إلى سوريا لمواجهة النظام السوري ومساعدة القوى السورية المعارضة مطلع عام 2013، ولم يكونوا ضمن فصيل محدد كما لم يشكلوا فصيلا مستقلا حتى عام 2015 حيث أعلنوا تشكيل "الحزب الإسلامي التركستاني". وبحسب إحصائيات غير رسمية فإن عددهم 3500 مقاتل، في حين يشكك البعض في دقة هذا الرقم في الوقت الراهن ويقولون إن العدد أقل من 3000 مقاتل، وذلك بعد أن خسروا مئات المقاتلين على الجبهات خلال السنوات الماضية، مقاتلو الإيغور تجمعوا في مجملهم ضمن محافظة إدلب ومشارف اللاذقية، ومع بدء "هيئة تحرير الشام" خطواتها في تشكيل بنية عسكرية ومدنية في محافظة إدلب، تماشى الفصيل مع سياسة الهيئة ليخلق من نفسه حليفا استراتيجيا للهيئة يتمركز في نقاط ساخنة جدا على جبهات القتال ضد النظام السوري والميليشيات التابعة لإيران، فهم كانوا خط الدفاع الأول في جبهات جسر الشغور وعُرف عنهم صلابتهم في الدفاع والقتال على الجبهات.

أ.ف.ب أ.ف.ب
الرئيس السوري أحمد الشرع يستقبل المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك في دمشق، 29 مايو

وعلى الرغم من الحديث والأنباء عن التنسيق بين الإيغور ضمن فصيل "الحزب الإسلامي التركستاني" في سوريا وقيادة "الحزب الإسلامي التركستاني" في أفغانستان فإن الفصيل الموجود في سوريا نفى أكثر من مرة ارتباطه بأي أجندات خارجية أو بـ"القاعدة"، كما التزم الإيغور في سوريا بسياسات "هيئة تحرير الشام"، وتماشوا معها بشكل واضح، وعاشوا تحولات "هيئة تحرير الشام" السياسية والعسكرية دون اعتراض أو تحركات مضادة. فهم لم يدخلوا في أي صراعات داخلية، ولم يكونوا طرفا في مواجهة أي فصيل سوري معارض، كما أن سلوكهم ضمن الأراضي السورية كان منضبطا بشكل كبير، فنادرا ما كان الناس في إدلب يسمعون عن إشكال سببه أو أحد أطرافه عناصر "الحزب الإسلامي التركستاني".

الفصيل وقف مع أحمد الشرع عندما أعلن انفكاك "جبهة النصرة" عن "القاعدة"، وكان بين صفوف "هيئة تحرير الشام" في حربها ضد خلايا "داعش"، وفي تفكيك فصائل إسلامية متشددة مرتبطة بـ"القاعدة" مثل "حراس الدين"، كما أنه كان رأس حربة في الحفاظ على خطوط التماس بين "هيئة تحرير الشام" والنظام السوري على جبهات جبلي التركمان/الأكراد وضمن مناطق جسر الشغور، وكانت أيضا مشاركته فعالة- بحسب معلومات "المجلة"- على جبهات القتال خلال عملية ردع العدوان، دون أن يخالفوا الخطط أو يتجاوزوا أوامر غرفة ردع العدوان طيلة أيام القتال حتى الوصول إلى دمشق، وبعد سقوط النظام عاد من طلب منه العودة إلى أماكن تمركزهم في محافظة إدلب، وأعلنوا لاحقا عن حلّ فصيلهم والتزامهم بقرارات وزارة الدفاع السورية.

تطور مفاهيم ومنطق الإيغور في سوريا لافت للنظر، وربما يعكس ارتياح واشنطن لفكرة توطينهم في سوريا

تطور مفاهيم ومنطق الإيغور في سوريا لافت للنظر، وربما يعكس ارتياح واشنطن لفكرة توطينهم في سوريا، فهم تحوّلوا من مقاتلين عابرين للحدود إلى فصيل عسكري ملتزم بجغرافيا غريبة عنه فلم يلعب دورا في أي تحرك خارج الحدود السورية، كما لم يكن طرفا في تمكين أي قوة أجنبية أخرى قدمت إلى سوريا. لم يُعلن ولاءه لأي قوة خارجية، وتحول بصمت من فصيل عابر للحدود إلى فصيل وقوة تخدم المسار السوري وتحتكم لأوامر وزارة الدفاع السورية وقرارات الرئيس السوري أحمد الشرع وحكومته، وهو ما يُفسر تقييم المبعوث الأميركي توماس باراك بأنهم "مخلصون جدا" للحكومة السورية.

كما أن التطور الذي شهده الإيغور في سوريا لم يكن من الناحية الأيديولوجية والعسكرية فحسب، بل تعدى ذلك إلى سياق الاندماج في النسيج السوري، فقد تعلّموا اللغة العربية، وتعايشوا مع المزاج المدني والمحلي في مناطق انتشارهم، حتى إن بعضهم قرر ترك صفوف القتال والتحول إلى الحالة المدنية، فعملوا في الزراعة والتجارة وامتهنوا حرفا يدوية، وباتوا يفكرون بالاستقرار في جغرفيا صديقة بالنسبة لهم على حدّ قولهم، خصوصا أن العودة إلى غرب الصين يعني بالضرورة الموت أو الاعتقال أو التعرض للعنصرية، بحسب ما قال أحد المدنيين في إدلب والذي تربطه علاقات صداقة مع كثير من الإيغور الذين يعملون بالتجارة والزراعة.

كيف سيتم دمجهم في الجيش السوري

نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، قام الرئيس السوري أحمد الشرع بترفيع عبدالعزيز داود خدابردي (المعروف باسم أبو محمد تركستان) إلى رتبة عميد في الجيش السوري، خدابردي كان يقود الجناح العسكري في "الحزب الإسلامي التركستاني"، وتم ترفيعه إلى رتبة عميد دون منحه الجنسية السورية، وهي خطوة أثارت كثيرا من الأسئلة عن قانونية القرار وأهدافه. ومن المرجح أن الشرع أراد أن يُطمئن الإيغور بأنه لن يكون عدوا لهم ولن ينسى تحالفه معهم والخدمات التي قدّموها لـ"هيئة تحرير الشام" وغرفة ردع العدوان.

اليوم يتم الحديث عن توجه وزارة الدفاع لاستحداث فرقة في الجيش السوري، تستوعب المقاتلين الإيغور الذين يرغبون في البقاء ضمن صفوف الجيش السوري- خصوصا أن بعض المقاتلين الإيغور تركوا القتال في أوقات سابقة والتفتوا إلى الحياة المدنية والعمل في التجارة والزراعة- والعمل في صفوفه، وعلى الرغم من أن اسم الفرقة لم يتم تحديده رسميا فإن المعلومات تقول إنها ستحمل اسم "الفرقة 84"، وسيكون نطاق عملها بحسب المعلومات في الشمال السوري. المعلومات تقول إن العدد الكلي للفرقة لم يتم تحديده بعد، وأن نقاشات ما زالت تتم حول البنية البشرية للفرقة، بحيث تكون الفرقة مشكلة ببنية لا تثير كثيرا من الجدل، بمعنى أن الحكومة السورية لا تفكر- وفق المعلومات- بأن تكون الفرقة في كلّيتها من الإيغور، لأن ذلك سيفتح أبوابا تحاول الحكومة السورية إغلاقها في سياق تفاوضها مع "قسد" والقوى العسكرية في السويداء، كون الطرفين يطالبان الحكومة السورية بدخولهم إلى الجيش ككتلة واحدة وأن يكون عملهم في جغرافيا محددة، وهو أمر تراه الحكومة السورية تهديدا لفكرة المركزية ووحدة الأراضي السورية.

مصادر "المجلة" تقول أيضا إن قرار اسم الفرقة، وتعداد عناصرها، وتكوينها البشري، ونطاق عملها الجغرافي ما زال قيد النقاش

مصادر "المجلة" تقول أيضا إن قرار اسم الفرقة، وتعداد عناصرها، وتكوينها البشري، ونطاق عملها الجغرافي، ما زال قيد النقاش، ليس لكون الفرقة ستحتوي على مكون غير سوري- في الوقت الراهن لأن خطوة دمجهم في الجيش تعني أنهم اقتربوا من الحصول على الجنسية السورية- فحسب، بل لأن وزارة الدفاع ما زالت تدرس هيكلية الجيش، وبنيته التنظيمية، وطبيعة انتشار الفرق ونطاق عملها.

من الواضح أن الحكومة السورية تُفكر مليّا في الخطوات التي ستتخذها في إطار دمج المقاتلين الأجانب وذلك لعدّة اعتبارات، الأول هو الحفاظ على خطوط التفاهمات مع الولايات المتحدة الأميركية ومسار تطمين الدول الإقليمية والغربية، والثاني عدم الخروج عن السياق التفاوضي الذي انتهجته الدولة مع مكونات عسكرية سورية مثل "قسد"، وفصائل السويداء، وفصائل رئيسة كانت في درعا. والثالث هو عدم فتح أبواب الأمل أمام كل مقاتل أجنبي على الأراضي السورية، خصوصا عناصر الفصائل المتشددة التي بذلت "هيئة تحرير الشام" جهودا كبيرة في تفكيكها داخل محافظة إدلب كـ"حراس الدين"، أما الرابع فهو تطمين السوريين بأن الجيش السوري الجديد لن يكون قوامه كانتونات تحكمها تمايزات عرقية أو جنسيات معينة.

font change