شهدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل مزيدا من التدهور في أعقاب إطاحة قوى معارضة تقودها "هيئة تحرير الشام" ببشار الأسد في سوريا. وفيما يُنظر إلى الرئيس رجب طيب أردوغان و"حزب العدالة والتنمية" وقاعدتهما الشعبية على نطاق واسع كمؤيدين للقضية الفلسطينية ومنتقدين لإسرائيل من الناحية الأيديولوجية، فإن اختزال التوترات الثنائية في هذا الموقف تحديدا تبسيط مخل. وعلى الرغم من التقلبات الناجمة عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والحروب العربية-الإسرائيلية الأوسع، شهدت العلاقات التركية-الإسرائيلية نموا ملحوظا، ولا سيما في عقد التسعينات. وبوصول تانسو تشيلر إلى سدّة الحكم في تركيا، قامت بسابقة تاريخية حين زارت إسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 1994، فكانت أول زعيم تركي يقوم بزيارة رسمية لإسرائيل على هذا المستوى. وبحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، برزت تركيا كواحدة من أكثر الوجهات السياحية شعبية لدى الإسرائيليين، حيث ارتفع عدد الزوار من 100748 في عام 1993 إلى 310604 في عام 2001، وسجّل رقما قياسيا بلغ ذروته عند 580000 في 2008، قبل أن يتراجع بحدة.
في فبراير/شباط، وأغسطس/آب من عام 1996، وقّع البلدان اتفاقيات تعاون دفاعي أثارت قلقا واسعا في العالم العربي، ما دفع الدبلوماسيين الأتراك إلى طمأنة الحكومات العربية بأن تلك الاتفاقيات لا تستهدفها، مؤكدين أن العلاقات القوية مع إسرائيل قد تخدم القضية الفلسطينية في نهاية المطاف.
وعند تولي حزب "العدالة والتنمية" السلطة عام 2002، أظهر وعيا بتأثير إسرائيل والشتات اليهودي العالمي في مجالات المال والسياسة والإعلام، وسعى إلى بناء علاقات بناءة. وتُوّج هذا التوجه بمنح رئيس الوزراء آنئذ رجب طيب أردوغان "جائزة الشجاعة في الرعاية" من رابطة مكافحة التشهير في نيويورك في يونيو/حزيران 2005، وهي جائزة تُمنح للقادة الذين قدموا دعما لليهود خلال "الهولوكوست". وخلال الحفل، ندد أردوغان بمعاداة السامية واصفا إياها بـ"المرض العقلي المخزي"، كما وصف "الهولوكوست" بأنه "أكبر جريمة ضد الإنسانية في التاريخ".
غير أن أول انتقاد علني كبير من أردوغان لإسرائيل كان في مارس/آذار 2004، عقب اغتيال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة "حماس" حيث اتهم إسرائيل بممارسة "إرهاب الدولة". ومع ذلك، فضّلت حكومة "العدالة والتنمية" عدم تصعيد الموقف، وحرصت على الحفاظ على قنوات التواصل الدبلوماسي. وسرعان ما استؤنفت العلاقات عبر زيارات رفيعة المستوى، فزار وزير الخارجية عبد الله غُل إسرائيل في يناير/كانون الثاني 2005، تبعه أردوغان في مايو/أيار من العام ذاته.
وكان عام 2008 عاما مفصليا عندما بادرت تركيا إلى التوسط في محادثات سلام غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل بشأن مرتفعات الجولان. وعلى الرغم من أن المفاوضات أظهرت وعودا إيجابية، فإنها سرعان ما انهارت في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته عقب شن إسرائيل عملية "الرصاص المصبوب" ضد غزة. وقد شعر رجب طيب أردوغان بخيانة شخصية من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، الذي كان قد زار أنقرة قبل أيام من الهجوم، وخدعه- كما رأى أردوغان- بشأن نوايا إسرائيل.
وقع شرخ آخر خلال "المنتدى الاقتصادي العالمي" في دافوس عام 2009، حين شارك أردوغان في حلقة نقاش مع الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريز، وصرّح غاضبا: "عندما يتعلق الأمر بالقتل، فإنكم تعرفون جيدا كيف تقتلون"، قبل أن يغادر المنصة في حركة درامية تركت أثرا بالغا في المنطقة، وشكلت نقطة تحول حاسمة في العلاقات التركية-الإسرائيلية.