شكل سقوط نظام الأسد ضربة قاسية للمشروع الإيراني الذي عملت على تحقيقه سنوات طويلة بهدف وصل إيران بالبحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، وما يزيد فداحة الخسارة الإيرانية هو تحول العجلة السورية في مرحلة ما بعد الأسد إلى المظلة العربية في مواجهة المشروع الإيراني، الأمر الذي لم يكن ليحصل لو أن الأسد ما زال في كرسيه بدمشق. فالرئيس السوري أحمد الشرع منذ وصوله إلى دمشق في الثامن من ديسمبر/كانون الأول وفي أول كلمة له في الجامع الأموي بعد هروب الأسد أكد أن العدو الحقيقي هو إيران والكبتاغون، في رسالة مباشرة إلى أن سوريا تتجه نحو المظلة العربية، وجاهزة للتعاون مع "المحور العربي" والدول الغربية لإرساء الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
خطوات فعلية اتخذتها الحكومة السورية منذ هروب الأسد، وتفكيك مكثف لمعامل الكبتاغون في دمشق، والجنوب السوري، وشرق سوريا، إضافة إلى عمليات متتالية على الحدود السورية اللبنانية والسورية العراقية لمنع التهريب، والعمل على إنهاء نفوذ ما تبقى من بقايا الميليشيات الإيرانية في سوريا. كما عملت الحكومة السورية على فتح أبوابها للتنسيق مع الأردن ودول الخليج العربي لمحاربة تجارة المخدرات وتعميق التنسيق مع سوريا. بشار الأسد وخلال سنوات حكمه جعل سوريا منصة إيرانية لتهديد الأمن العربي والإقليمي، وحولها لاستثمار جيوسياسي إيراني يُحقق مكاسب لطهران على مستوى أوراق التفاوض الإقليمي والدولي. ورغم المحاولات العربية لاستعادة سوريا إلى مكانتها العربية زمن النظام، إلا أن الأسد استخدم هذه المحاولات كعامل سياسي يبقيه بالقرب من الدول العربية دون أن يُقدم شيئا يُذكر على مستوى تحسين العلاقات معها.
لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع مؤخرا، يوم 14 مايو/أيار، يُشكل ضربة جديدة في قلب مستقبل المشروع الإيراني، سيما أن إيران باتت تدرك اليوم أن سوريا حسمت أمورها من الناحية السياسية والاستراتيجية، وأن الأرض التي كانت تعدها طهران امتدادا لنفوذها باتت تشكل عقبة أمام مشروعها وطموحاتها الجيوسياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، وأن مشروع إيران- الذي بذلت عليه أثمانا باهظة خلال السنوات الماضية- بوصل طهران بالمتوسط بات في عداد الموتى.