يشير إعلان الولايات المتحدة استعدادها لإعادة الموظفين غير الأساسيين وعائلاتهم من سفاراتها في الشرق الأوسط إلى أن محاولات إدارة ترمب للتفاوض على اتفاق جديد مع طهران بلغت مرحلة حرجة.
وفي ظل تصاعد القلق من احتمال تخطيط إيران لهجمات تستهدف قواعد أميركية ومقار دبلوماسية في المنطقة، أصدرت واشنطن توجيهات إلى سفارتها في بغداد ببدء عمليات "إجلاء منظم". كما طالبت بعثات أخرى تقع ضمن مدى الصواريخ الإيرانية بإجراء تقييمات دقيقة للمخاطر الأمنية.
وجاءت هذه الإجراءات الأمنية المشددة بالتزامن مع تحذير صادر عن منظمة التجارة البحرية في المملكة المتحدة، دعت فيه السفن العابرة لمياه الخليج العربي وخليج عُمان ومضيق هرمز إلى اتخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر، خشية تعرضها لهجمات محتملة من قبل إيران قد تستهدف حركة الملاحة الدولية.
وتأتي هذه التطورات في أعقاب إعلان مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المكوّن من 35 دولة، أن إيران انتهكت التزاماتها بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي، وذلك للمرة الأولى منذ قرابة عشرين عاما، ما يعدّ تصعيدا خطيرا في النزاع القائم منذ سنوات بين الهيئة الأممية وطهران بشأن أنشطتها النووية.
وقد أثار هذا التقييم الصارم مخاوف متزايدة من إمكانية إقدام إسرائيل على توجيه ضربات عسكرية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية، في حال أخفقت جهود إدارة ترمب في التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران.
وصدر القرار عن أعضاء المجلس خلال اجتماعهم في فيينا هذا الأسبوع، استنادا إلى تقرير شديد اللهجة أصدرته الوكالة، سلّط الضوء على ما وصفه بـ"غياب التعاون" من جانب إيران، وأعرب عن قلق بالغ إزاء أنشطة سرية ومواد نووية لم تُعلن طهران عنها رسميا.
وجاء في بيان الوكالة أن "المجلس خلص إلى أن إخفاقات إيران العديدة منذ عام 2019 في الوفاء بالتزاماتها بتقديم التعاون الكامل وفي الوقت المناسب للوكالة في ما يتعلق بالمواد والأنشطة النووية غير المعلنة في مواقع متعددة غير معلنة في إيران... يشكل عدم امتثال لالتزاماتها بموجب اتفاق الضمانات مع الوكالة".
هناك مؤشرات على نفاد صبر ترمب حيال طهران بدأت تلوح هذا الأسبوع، عندما صرّح في إحدى المقابلات بأنه بات "أقل ثقة" بإمكانية التوصل إلى اتفاق، موجها الاتهام لإيران بتبني موقف متشدد
وطالب المجلس إيران بتقديم تفسيرات "دون تأخير" في التحقيق المستمر منذ سنوات حول آثار اليورانيوم التي عُثر عليها في مواقع لم تُدرجها طهران ضمن منشآتها النووية. وكانت الوكالة قد كشفت سابقا عن ثلاث منشآت غير معلنة جرى اكتشاف آثار يورانيوم غير مفسرة داخلها.
وتفاقمت حدة التوتر بين الوكالة وطهران خلال الأشهر الأخيرة، نتيجة عجز إيران عن تقديم تفسيرات مقنعة لتلك الآثار، رغم التحقيقات المطولة التي أجرتها الوكالة في هذا الصدد.
وقد كثّفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من رقابتها على الأنشطة النووية الإيرانية في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع مساعي إدارة ترمب لاستئناف المحادثات مع طهران بهدف التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن في عام 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي توصل إليه سلفه باراك أوباما، ما ترتب عليه إعادة فرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران.
وفي محاولة لتجاوز حالة الجمود السياسي، بعث ترمب مطلع هذا العام رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، أعرب فيها عن استعداده للدخول في محادثات مباشرة تهدف إلى تسوية الأزمة. وعلى الرغم من تأكيده المتكرر أنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، تصاعدت في الأسابيع الأخيرة داخل واشنطن المخاوف من أن يكون ترمب مستعدا للقبول باتفاق "مرن" مع طهران، في محاولة لإغلاق هذا الملف الشائك بصورة نهائية.
وترافقت هذه التطورات مع تسريبات تشير إلى أن واشنطن وطهران باتتا على مشارف التوصل إلى صيغة اتفاق تتضمن بنودا تتعلق بتخصيب اليورانيوم، وهو ما ترفضه إسرائيل– التي تطالب بتفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني– رفضا قاطعا.
غير أن مؤشرات على نفاد صبر ترمب حيال طهران بدأت تلوح هذا الأسبوع، عندما صرّح في إحدى المقابلات بأنه بات "أقل ثقة" بإمكانية التوصل إلى اتفاق، موجها الاتهام لإيران بتبني موقف متشدد.
وازدادت حدة التوتر بشكل ملحوظ بعد أن ردّت طهران على تقرير الوكالة الدولية بإعلان نيتها زيادة إنتاجها من اليورانيوم المخصب "بشكل كبير"، عبر تدشين موقع تخصيب جديد "في مكان آمن".
وفي إشارة إلى أجهزة الطرد المركزي المتقدمة القادرة على إنتاج يورانيوم بمستويات مخصصة للأسلحة، صرّح متحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية قائلا: "نعمل حاليا على استبدال جميع أجهزة الطرد من الجيل الأول بأجهزة الجيل السادس المتطورة، وذلك في منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم الواقعة جنوب طهران". وأضاف: "هذا يعني أن إنتاجنا من المواد المخصبة سيشهد زيادة كبيرة".
ويُعتقد أن إيران قد خصبت اليورانيوم بنسبة لا تقل عن 60 في المئة، ما يضعها على بعد خطوات قليلة من إمكانية إنتاج سلاح نووي. وتشير أحدث تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن طهران تمتلك كميات كافية من اليورانيوم المخصب لصنع عشرة رؤوس نووية.
ويتزايد القلق بين المسؤولين الأمنيين الغربيين من احتمال إقدام إسرائيل على شنّ هجوم عسكري أحادي ضد إيران، سواء بدعم أميركي أو من دونه، في حال تعثرت المحادثات النووية ولم تُحرز أي تقدم يُذكر.
وقد يُفضي هذا السيناريو إلى اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط، خصوصا أن طهران تؤكد استعدادها الكامل للرد على أي هجوم إسرائيلي يستهدف منشآتها النووية، وفق ما نقله مسؤول إيراني بارز لصحيفة "نيويورك تايمز".
وأوضح المسؤول أن الرد الإيراني المحتمل سيكون على غرار الهجوم الذي نفذته طهران ضد إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، والذي تضمن إطلاق 200 صاروخ باليستي.
وقد جرى اعتراض الغالبية العظمى من تلك الصواريخ بمساعدة أنظمة دفاعية أميركية، ولم تُسجّل أضرار كبيرة تُذكر.
ولا شك في أن الأزمة المتفاقمة تضع الرئيس دونالد ترمب في موقف بالغ الصعوبة. فبعد إعلانه الصريح بأنه لا يجوز السماح لإيران بتطوير أسلحة نووية، لم يعد بإمكانه الوقوف متفرجا فيما يواصل الإيرانيون تطوير مواد مخصبة يؤكد الخبراء الغربيون أنها تُستخدم حصريا في إنتاج الرؤوس الحربية النووية.