مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل كل أسبوعين مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي.

الكتاب: سحر محمول – تاريخ الكتب وقرائها

الكاتبة: إيما سميث

المترجمة: د. رشا صادق

الناشر دار المدى - سوريا – العراق

هذا الكتاب لا يتحدث عن محتوى الكتب وطرق القارئ في قراءتها وتفسيرها وتأويلها وما إلى هنالك من طرائق الكتّاب والقراء في إيجاد المعنى، إنما يتحدث، إضافة إلى ذلك، عن مادية الكتب، شكلها وملمسها واستخداماتها خلافا لما أُعدت لأجله، مثل أن يُتخذ الكتاب مكانا لإخفاء مسدس، أو مكانا لنقل ما هو معد لمقاومة السلطة، أو مكانا للتلوث حيث يمكن أن يكون خزانا لأنواع البكتيريا والجراثيم وغير ذلك. تبحث الكاتبة إيما سميث في كتابها "سحر محمول – تاريخ الكتب وقرائها" في الشكل المادي للكتاب وفق ما أطلقت عليه Bookhood وقد ترجمت د. رشا صادق هذه الكلمة بـ "كتابيته". وفق ذلك فإن الكتب لا تؤثر بالإنسان فقط، بل تتأثر فيه أيضا.

تناقش الكاتبة مسألة مهمة أيضا تتعلق بأول من طبع الكتب، وتجادل في أن الصين وكوريا عرفتا الطباعة قبل أوروبا وقبل غوتنبرغ. ومعها يتعرف القارئ الى مفهومين متناقضين يرتبطان بالكتب عبر التاريخ هما Bibliomania وBiblioclasm وتعنيان على التوالي: جنون الكتب، بمعنى هوس جمعها، والثانية تعني تدمير الكتب أو تخريبها، وهذا ما حدث كثيرا وتكرارا.

تروي إيما سميث قصة الكتاب المثيرة والمدهشة عبر الأزمان والأمم والأيديولوجيات والثقافات بطرق لا يمكن التنبؤ بها، وتأخذنا في رحلة لا تقدر بثمن لتستكشف العواقب غير المتوقعة وغير المرئية لعلاقتنا مع الكائنات الورقية، مشيدة بصعود الكتاب الورقي، مستكشفة عادات القراءة لدينا، ومقترحة تعريفات جديدة للكلاسيكية وحتى للكتاب ذاته.

تروي إيما سميث قصة الكتاب المثيرة والمدهشة عبر الأزمان والأمم والأيديولوجيات والثقافات بطرق لا يمكن التنبؤ بها

يضيء هذا الكتاب الطرق التي تكونت بها علاقتنا بالكلمة المكتوبة والتي هي أعقد مما يمكننا تخيله -بحسب الناشر- حيث تقودنا المؤلفة إلى فضاء مليء بالمقتطفات الرائعة والحقائق المدهشة حول تاريخ الأدوات الكتابية ونطاقها الهائل وبذكاء شديد وبنوع من النثر الصريح والمذهل، حتى تصل عبر هذه الرحلة الممتعة إلى الحقائق بصورة حيوية وبأسهل الطرق.

غلاف كتاب "سحر محمول"

عنوان الكتاب "سحر محمول" مأخوذ من وصف الروائي الأميركي ستيفن كينغ للكتب.

الكتاب: الحوار الدرامي في المسرح الشعري السعودي

الكاتب: عبدالله بن حسين العطية

الناشر: الهيئة العربية للمسرح – السعودية

لطالما شغل الحوار في المسرح عموما، وفي المسرح الشعري على وجه خاص اهتمام المسرحيين والباحثين في المسرح على حد سواء، وذلك لدوره المركزي في العملية المسرحية برمتها، فهو ليس مجرد كلام يتبادله الممثلون على الخشبة، بل إنه عنصر لا يقوم المسرح من دونه، فهو الذي يُظهر المسرحية ويعطيها أبعادها إن على مستوى الفرجة أو على مستوى القول الذي تريد نقله. وقد تعاظم دور الحوار الدرامي مع المسرح الشعري بشكل خاص وذلك لاعتماده بالكامل على الشعر، فالقصائد والأبيات الشعرية هي ما تتحاور به وعبره شخصيات المسرحية وممثلوها. وقد بدأ المسرح الشعري في السعودية بريادة المسرحي حسين عبد الله السراج عبر مسرحية: "الظالم نفسه" عام 1932 ثم تلتها مسرحية "جميل بثينة" 1943 ثم "غرام ولّادة" 1952، ثم توالت تجارب أخرى في المسرح الشعري في المملكة، الأمر الذي أسهم في تطوره على نحو رفيع المستوى.

حول هذا البعد الحيوي في المسرح الشعري يدور "الحوار الدرامي في المسرح الشعري السعودي" للكاتب عبدالله بن حسين العيطة، حيث يتتبع الكتاب الحوار الشعري في المسرح السعودي منذ تأسيسه على يد حسين سراج مرورا بأطواره المختلفة.

غلاف كتاب "الحوار الدرامي"

يقول الباحث: "تقوم فكرة الدراسة على مجمل النصوص المسرحية الشعرية المنتخبة من قبل الكاتب المسرحي السعودي التي اتخذت من الشعر وسيطا لحواراتها بهدف تقصي الوظائف الدرامية التي يؤديها عنصر الحوار، عطفا على أهمية هذه المسرحيات الشعرية التي شكلت الولادات الأولى للنص المسرحي السعودي في انطلاقته عام 1932 على يد حسين عبد الله السراج، فضلا عما لعنصر الحوار من أصالة في صناعة النص المسرحي حيث نشأ به وتطور به ومعه تنوعت صيغه وأساليبه، الأمر الذي يسوغ دراستها وتقصيها".

يتتبع الكتاب الحوار الشعري في المسرح السعودي منذ تأسيسه على يد حسين سراج مرورا بأطواره المختلفة

يبحث الكاتب في أهمية الحوار المسرحي وخصائصه ودوره في طرح مقولات النص وعرض الأحداث ومعالجة الأفكار والمواضيع المرتبطة بها. ويرى أن الحوار المسرحي يؤثر على الحبكة والشخصيات والصراع، وأنه كلما بدا الحوار قويا ظهرت الشخصيات والحبكة وباقي عناصر المسرحية أكثر قوة وجلاء وتأثيرا، وكأن لا مسرح بلا حوار درامي.

حلل الباحث العديد من المسرحيات الشعرية ليُظهر أهمية ودور الحوار الشعري فيها وأثره على باقي العناصر، ليس من ناحية ما يريد العرض طرحه من قضايا فحسب، بل ركز على الأهمية الجمالية لهذا العنصر الرئيس في المسرح.

تسهيلا للقراء والباحثين عرض الكاتب في النهاية ملحقا ثبت فيه النصوص المسرحية السعودية، ولخص كلا منها على نحو يمكن القارئ أن يلم إلماما عاما بها.

الكتاب: اليد العليا

الكاتبة: إيمان جبل

الناشر: منشورات المتوسط - إيطاليا

ما إن تبدأ الرواية، سيلاحظ القارئ أن ثمة خطأ ما حدث، إذ أن الشخصية الرئيسة فيها تتحدث بصيغة المذكر، وبعد قليل تتحدث هي ذاتها بصيغة المؤنث، دون ملاحظة أي سبب واضح، لكن -لاحقا- سيكتشف أن لا خطأ، فالأنثى هي ذاتها الذكر في رواية "اليد العليا" للكاتبة إيمان جبل، دون أن يراوده شك ما في عملية تحول جنسي أو ما شابه، فالأمر ببساطة أن الشخصية الرئيسة فاني هي أنثى، إنما عاملتها أمها طيلة الوقت بصفتها ذكرا، موسى، لأسباب مرتبطة بفقدانها ابنها الذكر.

غلاف كتاب "اليد العليا"

لكن هذه المعاملة القاسية والغربية لم تمر في حياة الأم وابنتها ومحيطهما الصغير إلا عبر بوابات أشبه ببوابات الجحيم، حيث تستدعى فاني للتحقيق من"جهة عليا"، التي سرعان ما تهددها بين خيارين: "النفي، وبين تخليق فضيحة محكمة من أجلكِ تتضمن تسريب كافة معلوماتكِ وأسراركِ الشخصية، وإطلاقها على السوشال ميديا بالإضافة إلى إتلاف الأفلام الخمسة"، إذ أن فاني صانعة أفلام.

هي قصة حياتنا المكشوفة لسلطة لا تنفك عن ربطها بخيوط تتلاعب بها وتتحكم بمصيرها دون أدنى مقاومة

تبدا الرواية بهذا المقطع: "قبل ثلاثة أشهر كنت في شقتي أجرب لباسا داخليا جديدا بتوقيع خوليو، مضافا إليه الحرف الأول من اسمي F بميل طفيف إلى جهة اليسار، حينما رن جرس الباب مرتين متباعدتين. كان من يقف على الباب مرسَلا من جهة عليا استدعتني إليها من أجل التحقيق". وتنتهي بهذا المقطع: "في يوم وبينما أنا في يوم عمل عادي، جاءتني وحدة من القيادة لتخبرني بكل بساطة أنه قد تم إطلاق سراحي، وأن بإمكاني تجهيز نفسي والعودة غدا إلى الوطن، مع العفو عن أفلامي والسماح بممارسة مهنتي مرة ثانية". وبين المقطعين، بين بداية الرواية ونهايتها تمر فاني بعملية معقدة من تحليل بياناتها الشخصية لتقتنع أنها موسى وتواصل حياتها على هذا النحو. يدخل القارئ في هذه الأثناء عبر تجارب أشبه بالخيال العلمي، لكن من شدة صدقيتها في الرواية لا يميز أي نوع من الخيال هو.

نوع من القسوة غريب، لكن غرابته واقعية للغاية. قد تكون مجازا عن فقدان جيل في عصرنا لهويته. وقد تكون مجازا عن قوة السلطة والتحكم بحياة الناس، حيث تهدد بفضح خصوصياتها الموجودة كلها على وسائل التواصل الاجتماعي، وبما هو حميمي لكن سطت عليه السلطة كورقة تهديد متواصل لحيواتنا. هي قصة حياتنا المكشوفة لسلطة لا تنفك عن ربطها بخيوط تتلاعب بها وتتحكم بمصيرها دون أدنى مقاومة. إلا أن اختيار فاني لمهنتها كصانعة أفلام قد تكون هي المقاومة الوحيدة هنا، المقاومة الأكثر مضاء.

غلاف كتاب "الأديان الافريقية والفلسفة"

الكتاب: الأديان الأفريقية والفلسفة

الكاتب: جون إس مبيتي

ترجمة: إيناس طه

الناشر: المركز القومي للترجمة - مصر

تذهب هذه الدراسة إلى معرفة العلاقة بين الدين والفلسفة، تلك العلاقة التي لطالما كانت إشكالية. الكاتب جون إس مبيتي يبحث هذه العلاقة عبر ما يسميه "الأديان الأفريقية" معتبرا أن أفريقيا هي "مستودع للديانات"، تضم أديانا تقليدية وهي المرتبطة بالقبلية والإثنية والتنوع الكبير في تلك القارة، والأديان السماوية. ويرى أن الأديان التقليدية تمأسست على نحو كبير، الأمر الذي جعلها مسيطرة على حياة الإنسان بمراحلها كافة، وهذا ما جعله غير قادر على التحكم والسيطرة إزاء التغيرات الجذرية التي طرأت على المجتمع الأفريقي، لذلك يدعو الأفارقة إلى تشكيل وعي ذاتي جديد ثقافيا وسياسيا يمكنه من ربط الموروث مع الحداثة وعدم البقاء في أسر الأديات التقليدة. لكنه يعترف في الوقت نفسه بأن الأديان التقليدية هذه لم يعد لها الكثير من الأنصار يدافعون عنها ويطورونها لتلائم المتغيرات الحدثية، ومع هذا يدعو إلى أن يهتم الدين بحياة الإنسان وكرامته، وهذا ما يشي بضرورة الأديان في حياة الإنسان فهي تسنده وتربطه روحيا بالحياة  كما يرى.

إذا كان الدين يتم تمييزه في الطقوس والشعائر والمعتقدات والكهنوت، فإن الفلسفة لا يمكن تمييزها ببساطة

يجادل الكاتب في كتابه "الأديان الأفريقية والفلسفة" بترجمة إيناس طه، أن الفلسفة لم تكن واضحة مثل الدين الأفريقي، لكنها تتقدم بطرائق شتى خاصة في الجامعات، ويرى أنه إذا كان الدين يتم تمييزه في الطقوس والشعائر والمعتقدات والكهنوت، فإن الفلسفة لا يمكن تمييزها ببساطة.

يقوم الكتاب على نوع من الدراسة المقارنة بين الأديان الأفريقية كي تعطي، كما يقول "صورة حول الوضع الإجمالي في أفريقيا، ولكن نظرا إلى أنه لا توجد نظم فلسفية موازية يمكن رصدها في تعبيرات محددة مشابهة، سوف نستخدم المفرد، "فلسفة"، لنشير إلى الفهم الفلسفي للجماعات الأفريقية في ما يخص القضايا المختلفة للحياة، حيث من خلال الكلمة والفعل، قد يكون بإمكاننا تمييز الفلسفة الكامنة خلفها".

يقترح ما يسميه "الدين المخترِق"، ويعني أنه يخترق الإنسان بقيمه ووعيه وأخلاقه وسلوكه، ويعتبر أن هذا الدين لا يحتاج إلى طقوس ولا مؤسسات ولا كهنة ولا رجال دين، ذلك أنه "كامن في المثل والتعاليم والمعايير والمبادئ والأخلاق وتجارب الأديان المؤسسة: اليهودية، والمسيحية، والإسلام، والهندوسية... إنه لا يستبعد أولئك الذين يكرسون النظم الدينية الرسمية. هذا هو التخلل الديني الذي أرى أن تتحرك الشعوب الأفريقية في اتجاهه".

كتاب غني بالمعلومات والتحليل والمستوى النقدي.

غلاف كتاب "هذه الذات ليست لك"

الكتاب: هذه الذات ليست لك – صدوع ديكولونيالية

الكاتب: فتحي المسكيني

الناشر: دار الأمينة للنشر والتوزيع - تونس

هذا الكتاب هو نشيد حب فلسفي لفلسطين، جال فيه الكاتب فتحي المسكيني وصال ليفكك مفاهيم الغرب والاستعمار والحداثة ومدونة حقوق الإنسان... ليكشف عن الجانب المظلم في تلك المفاهيم من خلال نظرتها إلى الشعوب غير الغربية، والمثال الأبرز لذلك هو النظرة إلى فلسطين والفلسطينيين. منطلقا في ذلك كله من أن "الكارثة في غزة، بعد أن تحولت إلى إبادة ما بعد حديثة لرهط مهمل من النوع البشري، هي ليست حدثا فلسطينيا محليا: إن الجغرافيا هنا تهمة. إن ما يباد هناك ليس "نحن" معينة، بل الوضع البشري بوصفه تهمة. وهنا يصبح الآني مجرد مقطع من كارثة، أي من حدث إمبراطوري يمتد من ديكارت إلى الاستعمار ومنه إلى العولمة. ويبدو لي أن ما يحدث في غزة من إبادة ليس مشکلا يهوديا يمكن فهمه بمدونة دينية، بل هو مشكل كولونيالي شديد الارتباط بالوجه المظلم من آلة الحداثة". وفي هذا السبيل ينقد بشدة فلاسفة ومفكرين غربيين يهودا في ما قالوه عن إسرائيل معتبرا أنه يشكل "فضيحة فلسفية"، ويطلق عليهم تعبير "دعاة النظرية النقدية" مثل أدورنو وهوركهايمر وماركوز وحنة أرندت، أو حتى ما قاله كتاب مسيحيون مثل سارتر وفوكو وهابرماس...

كتاب فلسفي يناقش الآراء والمفاهيم والأفكار ليس بوصفها متعالية كما درج النقاش الفلسفي عامة، بل في أرض الواقع الدموي

وفي معرض تساؤله حول ما يمكن أن تقدمه الفلسفة لفلسطين، يرى أن "الفلسفة التقليدية، أي تاريخ الميتافيزيقا الغربية من أفلاطون إلى هيغل، لا تستطيع أن تفعل شيئا للقضية الفلسطينية، "فـ "إسرائيل" هي صنيعة فلسفية أوروبية، استولى اليهودي التائه الخارج من الغيتو على مقولة الآخر، وحولها إلى امتياز أخلاقي داخل هوية الأنا الأوروبي، حتى أقنعه بضرورة اختراع وطن قومي سردي ثم كولونيالي له. أما الفلسطيني فهو لا يستطيع أن يؤدي دور الآخر في سردية الأوروبي، لذلك هو بالتحديد غير موجود وذلك بشكل قانوني، وبالتالي فإن الفلسفة الأوروبية -فلسفة القانون الدولي- لا تستطيع أن تقدم له شيئا سوى لا وجوده السردي والقانوني. ومن ثم لا وجوده الأخلاقي".

في الفصل السابع، الاخير من كتابه هذا، يفرق الكاتب بين أورشليم والقدس، ويرى أن لا وجود لما يسمى أورشليم، هي مجاز أدبي توراتي انتقل إلى الغرب ثم بدا له حقيقيا بوصفه مدينة القدس ذاتها، ويرى أنه حتى عشرينات القرن العشرين تم النظر إلى أورشليم بوصفها فكرة أدبية رومانسية، إلى أن حل عالم 1948 (عام النكبة) فتحولت الى مدينة. وكان دائما في الوثائق أن هناك أورشليم السماوية وأورشليم الأرضية، وأنهم لا يفعلون سوى انتظار أورشليم السماوية التي لن تأتي إلا بوصفها "آخرة".

كتاب فلسفي يناقش الآراء والمفاهيم والأفكار ليس بوصفها متعالية كما درج النقاش الفلسفي عامة، بل في أرض الواقع الدموي، في أرض فلسطين، وفي أرض غزة.

font change