نذر مواجهة كبرى

نذر مواجهة كبرى

استمع إلى المقال دقيقة

يثير الكشف عن منح الرئيس الأميركي دونالد ترمب تفويضا خاصا للجيش الأميركي لتنفيذ ضربات ضد إيران احتمالا مقلقا بأن يتصاعد النزاع القائم بين إسرائيل وإيران إلى مستوى جديد تماما، قد يكون كارثيا.

خلال الأشهر الأخيرة من ولايته الرئاسية، استثمر ترمب قدرا كبيرا من رأسماله السياسي في محاولة لحل أزمة الملف النووي الإيراني، وشارك مسؤولون أميركيون في عدة جولات من المفاوضات في سلطنة عمان.

ورغم إعلانه المتكرر عن تفضيله التوصل إلى اتفاق تفاوضي نهائي لحل النزاع المستمر منذ سنوات حول البرنامج النووي الإيراني، فقد أكد بوضوح أنه لا يعتزم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية.

وإذا صحت التقارير الإعلامية الأميركية بشأن منح ترمب موافقته الشخصية على إعداد الجيش الأميركي لخطط تستهدف البنية التحتية النووية الإيرانية، فإن ذلك يعود إلى قناعته الراسخة بأن إيران ستتمكن من تحقيق طموحها القديم في تطوير أسلحة نووية ما لم تُواجَه بعمل عسكري حاسم.

انطلقت شرارة المواجهة بين إسرائيل وإيران إثر صدور تقرير جديد بتكليف من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الهيئة التابعة للأمم المتحدة والمكلفة بمراقبة الأنشطة النووية الإيرانية، خلُص إلى أن طهران أنتجت كميات كافية من اليورانيوم المخصب تتيح لها تصنيع ما لا يقل عن عشر رؤوس نووية.

إذا صحت التقارير الإعلامية الأميركية بشأن منح ترمب موافقته الشخصية على إعداد الجيش الأميركي لخطط تستهدف البنية التحتية النووية الإيرانية، فإن ذلك يعود إلى قناعته الراسخة بأن إيران ستتمكن من تحقيق طموحها القديم

وفي أعقاب ذلك، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية على مواقع إيرانية، بعدما ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن لدى بلاده أدلة تثبت سعي النظام الإيراني لاستخدام المواد المخصبة في إنتاج أول رأس نووي.

ورغم أن أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة وأوروبا شككت في صحة هذه المزاعم، فقد استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية عناصر محورية في البنية التحتية النووية الإيرانية، بما في ذلك منشأة نطنز الرئيسة لتخصيب اليورانيوم.

لكن، وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي أثبت قدرته على استهداف وتدمير معظم المنشآت النووية والعسكرية الرئيسة في إيران، فإن الشكوك لا تزال قائمة بشأن امتلاكه القدرة النارية الكافية لتدمير أحد أكثر المواقع النووية تحصينا، وهو مجمع فوردو الواقع في أعماق الجبال وتحت سطح الأرض.

شُيّد مجمع فوردو في سرية تامة من قبل النظام الإيراني، قبل أن تكشفه أجهزة الاستخبارات الغربية عام 2009. ويقع المجمع على بُعد نحو 60 ميلا جنوب العاصمة طهران، في منطقة جبلية قريبة من مدينة قم المقدسة، ويُستخدم لتخصيب اليورانيوم. وتعتقد الاستخبارات الغربية أن هذا هو الموقع الأرجح الذي ستُجمّع فيه إيران أول رأس نووي، إذا قررت المضي في هذا المسار.

مع إصرار الطرفين على مواقفهما وغياب أي مؤشرات على الاستعداد لتقديم تنازلات، تشير جميع الدلائل إلى أن النزاع القائم بين إيران وإسرائيل مرشّح لأن يتطور إلى أكبر صراع تشهده منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات طويلة

ويُعتقد أن الجيش الأميركي وحده يمتلك القنبلة القادرة على اختراق هذا الموقع، وهي قنبلة الاختراق الضخمة (إم أو بي)، التي تُعد الذخيرة الوحيدة المعروفة بقدرتها على اختراق منشأة فوردو المحصنة.

لذا، فإن التقارير التي تفيد بأن ترمب يدرس بجدية إشراك الولايات المتحدة في الهجوم العسكري الإسرائيلي ضد إيران، تستند إلى قناعة بأن الوسيلة الوحيدة المضمونة لمنع طهران من إنتاج رؤوس نووية تكمن في استخدام القوة العسكرية الأميركية المتفوقة لتدمير منشأة فوردو.

وكما جرت العادة مع ترمب، تبقى نواياه الحقيقية محل شك. فرغم صدور تقارير تشير إلى موافقة البيت الأبيض على خطة لمهاجمة إيران، أكد ترمب أنه لم يحسم قراره بعد.

وقال: "لدي أفكار عما ينبغي فعله، لكنني لم أحسم أمري بعد.. أحب أن أتخذ القرار النهائي قبل التنفيذ بلحظة واحدة فقط".

ومع ذلك، فإن استراتيجية ترمب التي تجمع بين عرض محادثات السلام من جهة، ورفع احتمالات التدخل العسكري الأميركي من جهة أخرى، تنطوي على مخاطر جسيمة، لا سيما أن خامنئي، الذي رفض عرض ترمب لإجراء محادثات بشكل صريح، حذّر من أن الولايات المتحدة ستتكبد "أضرارا لا يمكن إصلاحها" إذا أقدمت على عمل عسكري ضد إيران.

ومع إصرار الطرفين على مواقفهما وغياب أي مؤشرات على الاستعداد لتقديم تنازلات، تشير جميع الدلائل إلى أن النزاع القائم بين إيران وإسرائيل مرشّح لأن يتطور إلى أكبر صراع تشهده منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات طويلة.

font change