ليس من السهل نقل كلمة bêtise الفرنسية إلى اللغة العربية لأنها، حتى في أصلها الفرنسي، تعني أكثر من دلالة. فعندما تدل على تصرف أخرق أو غير عقلاني كأن نقول: Il a commis des bêtises، (To do something stupid ) قد يصح نقلها بـ "حماقات"، فنقول: ارتكب حماقات (Foolishness). وإذا كانت تحيل إلى غباء أو قصور فهم، كأن نتعجب: Quelle bêtise! ، فقد تنقل بـ"غباء(Stupidity )، "فنقول: يا له من غباء! وعندما تقال عن كلام لا معنى له، أو فعل غير جاد كقولنا: dire des bêtises To talk nonsense، تنقل بـ قول هراء أو فعل أخرق. كما أنها تترجم أحيانا مجازيا، بحسب التوظيف الأدبي أو الفلسفي، حيث تنقل بـ"بلاهة"، "عبث"، "فراغ فكري"، خصوصا إن كانت تستعمل بشكل ساخر أو نقدي.
وبصفة عامة، يمكن أن نقول: كان ينظر إلى البلاهة في الفلسفة الكلاسيكية على أنها علامة على نقص عقل أو وعي، لذا ظلت تشير إلى نوع من التبلد، وتعني مجرد غياب للمعارف، وهو غياب كان ينظر إليه على أنه يمكن أن يتدارك من طريق التربية والتكوين. إلا أنها تطورت مع الحداثة لتغدو شيئا مركزيا وتعتبر مفارقة من مفارقات العقل الأداتي.
سنحاول أن نتساءل في ما يلي عما إذا كان يمكن اعتبار البلاهة شكلا من أشكال غياب التفكير رغم توفر أدواته في مقابل العمق والتأمل والكثافة، أم أنها شكل من أشكال الخفة الوجودية؟
سمة بورجوازية
كان فلوبير يقول: "كلما أمعنت في التفكير، بدا لي البشر أكثر بلاهة". في "بوفار وپيكوشيه"، أو حتى في مشروعه غير المكتمل عن "قاموس الأفكار الجاهزة"، ذلك المشروع الذي عمد فيه إلى جمع الكليشيهات و"الأفكار المعلبة" والعبارات الجاهزة التي كان الناس في محيطه يتفوهون بها كي يظهروا بمظهر العارفين بمجريات الأمور، كان يرمي إلى أن يجعل من "البلاهة" سمة مركزية للذهنية البورجوازية. فليست البلاهة عنده مجرد جهل، وإنما هي جهل واثق من نفسه، جهل مكرس يكرر الكليشيهات دون وعي. إنها شكل من أشكال المعرفة الزائفة التي تستقر في الخطاب الشائع، وتبني العالم بلغة مبتذلة.