"ملاحظات في الألوان" للمفكر النمساوي لودفيغ فتغنشتاين (ترجمة مروان محمود، عن دار "روافد" 2024)، هي المخطوطة الأخيرة له، وقد واظب على إنجازها في الـ 18 شهرا الأخيرة من حياته، وتتفرد بميزة عن بقية كتبه الأخرى، هي رهانها على مشكلة فلسفية أحادية، بالنظر إلى اشتغاله المركزي على علاقة اللغة بالألوان.
الألوان كلعبة لغوية
يتوزع "ملاحظات في الألوان"، على ثلاثة أجزاء، تضم 88 شذرة في الألوان بوصفها لعبة لغوية. في الجزء الأول، يفصل فتغنشتاين بدقة، بين القضايا التجريبية والقضايا المنطقية، ففي القضايا المنطقية وهي لا زمنية، يفرد ملاحظاته للطابع الفيزيائي أو الفينومينولوجي للألوان الذي نعرفه من خلال التجربة، مدافعا عن استقلال المعنى عن الفينومينولوجيا، بمبرر أن لا شيء تعلمنا إياه الظاهرتية عن مفاهيم الألوان.
تستفيض الشذرات ذات الإيقاع اليومي، في تحليل منطق اللغة ذات الاشتباك مع تجربة الألوان، عبر صوغ إشكالي، يتمثله السؤال الأساس: كيف نتحدث عن الألوان؟ وماذا يعني أن يكون لشيء لون معين؟
يلغي فتغنشتاين أو يستبعد القول الذي يزاوج بين لونين، كأن ننعت شيئا بالأحمر، والأخضر في بقعة ما، في آن. زد على ذلك: هل يمكن لشيء أن يكون شفافا وأبيض في الوقت نفسه؟ ما المعنى إن قلت إن الأبيض أنقى من الرمادي؟ هل هو معنى بصري؟ أم استعارة؟
إن إدراك اللون هنا، يستند إلى معطيات فيزيائية، كما يندرج ضمن لعبة لغوية، ذات نظام من القواعد التي تحدد الخطاب، وإذن فالحديث عن الألوان ليس محض تقرير عن واقع تجريبي، بل بنية لغوية منتظمة.
في هذا المنحى يفصل فتغنشتاين بين اللون الفيزيائي كالضوء والموجات وبين اللون كما نعيشه وندركه، موجها انتقادا للنزعة الطبيعية الاختزالية، التي تحصر تفسير الألوان من منطلق فيزيائي صرف، في حين ثمة طريقة أخرى، لها علاقة باستعمال مفردات اللون في سياقات الحياة اليومية.