الحرب، لا "نعملها"، بل هي التي تعمل عملها فينا – جان بول سارتر.
هل هناك حروب غير ظالمة؟ هذا السؤال تكرر في محطات تاريخية حاسمة، مثلما لاحظناه أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث رأى كثيرون أن إعلان الحرب على هتلر لم يكن من الظلم في شيء، وإنما كان دفاعا عن القيم الإنسانية ضد النازية. على هذا النحو تكرر الجواب نفسه في كثير من المناسبات التي زُعم فيها أن الحرب ليست غير ظالمة فحسب، وإنما قد تخاض من أجل الوقوف ضد شكل من أشكال الظلم، كوقف عدوان على سبيل المثل.
غير أن تقدير العدوان وتحديده يطرح إشكالات عدة كما نعلم، فهل من الضرورة أن يتعلق الأمر بعدوان فعلي، أم يكفي فقط أن تكون هناك نية عدوان، عدوان مفترض؟ هذا العدوان المفترض هو ما سمح بكثير من الحروب التي سمت نفسها "حروبا استباقية"، وقد دلت كثير من التجارب التاريخية، وخصوصا المعاصرة منها، أنها كانت مجرد ذريعة لشن حروب تكون أبعد ما يمكن عن أي مفهوم عن العدالة والوقوف في وجه الظلم. ذلك أن الذرائع تقوم على افتراضات وتنبؤات وتأويلات كثيرا ما تكذبها الوقائع في غالبية الأحيان، هذا إن لم تتأسس على مصالح تتخفى وراء ذرائع. وقد كان المنظّر الحقوقي غروتيوس في ثلاثيته "في الحق في الحرب والسلم" (1625) قد قام ضد هذا النوع من الحروب "الاستباقية"، التي شاهدنا غير مرة ما تخلفه من ويلات تهز دولا، وتفكك أنظمة، وتشتت مجتمعات، فكتب: "ينبغي ألا نعترف بأي شكل من الأشكال بما يعلمه بعض المؤلفين من أنه يجوز حمل السلاح لإضعاف أمير أو دولة تتزايد قوتها يوما بعد يوم، بدعوى أننا، إذا تركناها ترتقي وتتزايد قوتها، فقد يجعلها ذلك في وضع يمكنها من إلحاق الأذى بنا وقتما حانت الفرصة".