الجزائر وإيران... التأييد للقانون الدولي أولا

لعبت الجزائر دورا هاما في مجال الوساطة من أجل تسوية الأزمات

أ.ب
أ.ب
مبنى مجلس الأمة الجزائري، أو البرلمان، في الجزائر العاصمة

الجزائر وإيران... التأييد للقانون الدولي أولا

في خضم التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، نشرت معلومات خاطئة عن موقف الجزائر تستهدف ضرب صورتها الدبلوماسية وأمنها القومي، من خلال الترويج لأنباء تفيد بوجود جزائريين في ساحات نزاع متعددة أو دعم السلطة لجهة دون أخرى.

فمنذ اليوم الأول للصراع المسلح الذي بدأ في فجر يوم 13 يونيو/حزيران 2025 وما تلاه من قصف على إيران، بدا الموقف الجزائري السياسي واضحا من حيث مطالبته أولا بوقف "النظام الخاص" الذي تتمتع به إسرائيل، والعودة إلى النهج السياسي السلمي، باعتباره الأسلم والأكثر نجاعة، بل والأقل تكلفة، وهو النهج القائم على احترام أحكام الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة. لكن كيف يقرأ هذا الموقف اليوم؟ ولماذا رجحت الجزائر الكفة نحو طهران في المواجهة؟

خلال الفترة الممتدة بين 13 و23 يونيو، أصدرت الخارجية الجزائرية ثلاثة بيانات أدانت واستنكرت من خلالها "العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، كما خصص وزير خارجيتها أحمد عطاف حيزا هاما من الكلمة التي ألقاها خلال الاجتماع الحادي والخمسين لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي الذي انعقد في مدينة إسطنبول التركية للحديث عن العدوان ووصفه بـ"حرب مفتوحة على كافة الاحتمالات التي تهدد المنطقة بكوارث متعددة الأنواع والأبعاد غير محسوبة العواقب"، وقدم أيضا مندوبها في مجلس الأمن عمار بن جامع ثلاث مداخلات تدين بشدة قصف إيران والسعي لحرمانها من برنامجها النووي في مقابل إفلات البرنامج النووي الإسرائيلي من رقابة الهيئات الدولية ذات الصلة.

كذلك لم تتأخر القوى السياسية في البلاد عن مساندة إيران في حربها ضد إسرائيل وحلفائها، إذ أصدرت حركتا "مجتمع السلم" (أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر) و"البناء الوطني"، بيانات مؤيدة لطهران، كما أكد "حزب العمال اليساري" دعمه المطلق وغير المشروط لها.

لعبت الجزائر دورا هاما في مجال الوساطة من أجل تسوية الأزمات والنزاعات معتمدة في هذا على عدد من الأسس والمبادئ التي تشكل سياستها الخارجية

احترام "سيادة الشعوب"

كل تلك التصريحات الرسمية والسياسية ذات السقف العالي تتعين قراءتها في سياق واضح: "رفض أي عدوان على سيادة الدول". وللتدليل على هذا المعطى يشرح محمد زناسني، وهو باحث جزائري متخصص في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، الموضوع قائلا: "الموقف الجزائري من الأزمة الأخيرة لا يدعم إيران بالتحديد وإنما انطلاقا مما تعتبره الجزائر من ثوابتها الدبلوماسية وأسس سياستها الخارجية والمتمثلة في: احترام سيادة الدول والشعوب على أراضيها وحلحلة النزاعات بطرق سلمية".

وقد لعبت الجزائر دورا هاما في مجال الوساطة من أجل تسوية الأزمات والنزاعات معتمدة في هذا على عدد من الأسس والمبادئ التي تشكل مبدأ السياسة الخارجية للبلاد، ويذكر الباحث الجزائري على سبيل المثال: وساطة الجزائر في أزمة الرهائن الأميركيين في طهران، إذ نجحت الجزائر في حل الأزمة بعد مضي 444 يوما مع تحرير الدبلوماسيين الرهائن (أي خلال الفترة الممتدة بين 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979 و20 يناير/كانون الثاني 1981)، إذ تم الاتفاق على تسليم السلطات الإيرانية الدبلوماسيين إلى الجانب الجزائري الذي نجح في نقلهم على متن الخطوط الجوية الجزائرية (شركة طيران الناقل الوطني للجزائر)، وسلموا بعدها إلى وزير الخارجية الأميركي الأسبق  سايروس فانس.

ويمكن أيضا الإشارة إلى الوساطة التي قادتها الجزائر بين طهران وبغداد والتي أفضت إلى توقيع اتفاق في السادس من مارس/آذار 1975 بمبادرة من الرئيس الجزائري هواري بومدين. وتمت بموجب الاتفاق تسوية النزاعات الحدودية المشتركة بين البلدين على غرار النزاع على شط العرب.

اتخذت الجزائر الخيار الصحيح بعدم قبول الأمر الواقع أو الانحياز إلى الأقوى، وقامت بتحديد المسؤولين عن التصعيد الأخير ودعت إلى تفضيل القنوات الدبلوماسية في حل الأزمات

وتلتقي الجزائر وإيران في كثير من النقاط مثل: دعم المقاومة في فلسطين ومقاومة مسار التطبيع مع إسرائيل. ويشرح محمد زناسني هذه التقاطعات قائلا إنه "مع اندلاع معركة "طوفان الأقصى" ووقوف محور المقاومة بقيادة إيران مع المقاومة الفلسطينية وانخراطه في المعركة ضد إسرائيل تقاطعت المصالح الإيرانية الجزائرية خصوصا بعد جرائم إسرائيل في قطاع غزة المحاصر والذي تزامن مع عضوية الجزائر غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي مما جعلها توصل صوت القضية الفلسطينية مع التأكيد على سيادة الدول الداعمة للقضية وتجريم الاعتداء عليها وعلى رأسها إيران"، ويمكن أيضا تسليط الضوء على التعاون الثنائي بين البلدين في إطار منظمة "أوبك". ويقول المتحدث إن "طهران تعتبر سندا مهما للجزائر في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لضبط توازن سوق الطاقة العالمية رغم أن حجم التبادل الاقتصادي البيني لا يتجاوز 40 مليون دولار حسب المعهد الدولي للدراسات الإيرانية".

أ.ف.ب.
دخان الحريق يغطي منطقة شمال غرب العاصمة الإيرانية طهران جراء القصف الإسرائيلي، 15 يونيو 2025

ورغم هذا التقارب، فإن العلاقات الجزائرية-الإيرانية عرفت إحدى أسوأ الأزمات في مطلع التسعينات. ففي عام 1992 ومباشرة بعد توقيف المسار الانتخابي في الجزائر والذي تصدرت فيه "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" (حلت في 1992 بناء على تهمة الإرهاب) انتخابات ديسمبر/كانون الأول 1991، أبدت طهران رفضها لوقف ما أسمته "المسار الديمقراطي" وهو الأمر الذي لم تستسغه حكومة رئيس الوزراء الجزائري آنذاك، الراحل رضا مالك، واتهمتها بتقديم الدعم السياسي والإعلامي للجبهة وقطعت علاقاتها الدبلوماسية معها، وطلبت من السفير الإيراني مغادرة البلاد بطريقة مستعجلة.

رفض الانحياز إلى الأقوى

كان هذا الموقف "المتوقع" و"الأنسب" بالنسبة للوزير والدبلوماسي الجزائري الأسبق عبد العزيز رحابي، وقال في قراءة سياسية له حول المواجهة بين إيران وإسرائيل إنه "وفي ظل نظام أممي يتسم بتوافقات غير مستقرة وغطرسة الأقوياء في مجلس الأمن الدولي، اتخذت الجزائر الخيار الصحيح بعدم قبول الأمر الواقع أو الانحياز إلى الأقوى، فقد قامت بتحديد المسؤولين عن التصعيد ودعت إلى تفضيل القنوات الدبلوماسية في حل الأزمات، وبذلك تكون قد احتفظت بكامل قدرتها على تمثيل مصالحها الاستراتيجية في سياق يتسم بجنوب عالمي (Global South) ناشئ ومنقسم في القضايا الدبلوماسية وشمال قديم يريد فرض سلامه بالقوة المطلقة"، وبتعبيره فإن "الجزائر محقة تماما بتأكيدها في كل مناسبة على مركزية التسوية النهائية والعادلة لقضية فلسطين التي من دونها لا يمكن تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط".

شهد محور الجزائر-إيران زخما بارزا في الأشهر الأخيرة وزيارات متبادلة رفيعة المستوى أهمها زيارة رئيس البرلمان الجزائري إبراهيم بوغالي

واستقر البروفيسور نور الصباح عكنوش أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بكسرة على الرأي نفسه، وفقا لما يقول، فإنه "يمكن قراءة الموقف الجزائري في إطار موضوعي يتماهى مع قواعد القانون الدولي وقيم العيش المشترك التي تحكم العلاقات الدولية وما حدث من عدوان همجي على دولة مستقلة وذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة تهديد ليس لإيران نفسها بل للاستقرار والسلم في العالم، وهو ما تحرص الجزائر على التحذير من مخاطره على المنتظم الدولي الهش أصلا والذي لا يحتمل أي سلوكيات حربية لا تستند لمبادئ موضوعية في تسوية النزاعات وحل الإشكاليات من جهة وإلى ميكانيزمات حوكمة راشدة للأزمات والخلافات، من جهة ثانية".

وحاليا يسعى كل بلد لفتح منافذ أوسع للتنفيس عن نفسه، فالجزائر مثلا تسعى للتقارب مع دول جنوب شرق آسيا وستنضم قريبا إلى رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) وترى في إيران بوابة استراتيجية لاختراق المنطقة بينما تبحث إيران عن فضاءات جديدة في شمال أفريقيا لكسر العزلة الاقتصادية وتخطى العقوبات الغربية المفروضة عليها والتي تجاوزت سقف 5 آلاف عقوبة على خلفية عدة قضايا من بينها البرنامج النووي.

وقد شهد محور الجزائر-إيران زخما بارزا في الأشهر الأخيرة وزيارات متبادلة رفيعة المستوى أهمها زيارة رئيس البرلمان الجزائري إبراهيم بوغالي والزيارة التي قام بها وزير الخارجية أحمد عطاف في يوليو/تموز 2023، يضاف إلى ذلك انعقاد لجنة الصداقة البرلمانية في طهران وأخيرا الزيارة التي أجراها الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي إلى الجزائر في إطار مشاركته في القمة السابعة للدول المصدرة للغاز الطبيعي والتي أسفرت عن توقيع خمس مذكرات للتعاون بين البلدين في قطاعات من بينها الطاقة والإعلام والرياضة.

font change

مقالات ذات صلة