الذكاء الاصطناعي... سباق القوة الجديد

تحول جذري

Nash
Nash
تخوض المملكة العربية السعودية واحدا من أكثر التحولات الاقتصادية طموحا في العالم، مدفوعة برؤية 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وبناء مجتمع معرفي مزدهر

الذكاء الاصطناعي... سباق القوة الجديد

على مر العصور، شهدت القوى العالمية تحولات جذرية في تعريف "القوة" ونفوذها. من الجيوش الجرارة إلى القنابل النووية، ومن الاقتصاد الصناعي المنتج إلى السيطرة على أسواق النفط، كانت الدول تبني هيمنتها على أسس مادية وعسكرية. أما اليوم، فالذكاء الاصطناعي يقدم نفسه بوصفه"السلاح" الأكثر فعالية وقوة للسيطرة على الأسواق، وتعزيز النفوذ الإقليمي والدولي خلال العقود المقبلة.

كما أصبح امتلاك مراكز إنتاج الذكاء الاصطناعي، التي تتضمن قدرات متطورة على "التمرين والاستنتاج والتوليد"، مفتاح الريادة الذي يضع الدول في مستوى متقدم، ويؤهلها للتحكم في دفة الابتكار والاقتصاد العالمي.

التقدم في هذه الصناعة الواعدة ليس بالأمر الهين، إذ يتطلب استثمارات ضخمة وخطوات استراتيجية متعددة الأبعاد. على الصعيد الاقتصادي، يتطلب بناء هذه القدرات تخصيص ميزانيات ضخمة للبحث والتطوير. أمنيا، يستلزم الأمر حماية صارمة للملكية الفكرية والبيانات الحساسة، خاصة أن هذه التقنيات تحمل في طياتها تحديات أمنية معقدة. أما بيئيا، فإن تشغيل المعامل ومراكز البيانات الكبرى يتطلب كميات هائلة من الطاقة، مما يفرض تحديات تتعلق بالاستدامة.

الأهم من ذلك، أن هذه الصناعة تقوم على استقطاب خبرات عالمية متنوعة في مجالات علوم البيانات، والتعلم الآلي، والهندسة، بالإضافة إلى الحصول على مكونات أساسية عالية التقنية، أبرزها الرقائق الفائقة التقدم، وهي العصب الذي يغذي أنظمة الذكاء الاصطناعي، وامتلاكها أو القدرة على تصنيعها، والذي يمثل قمة الهرم التكنولوجي.

في هذا السباق العالمي، تبرز دولتان عربيتان بشكل لافت، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. فبعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فُتح الباب أمام الدولتين لتوقيع اتفاقيات استراتيجية مع كبريات الشركات الأميركية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي اتفاقيات لا تمهد الطريق لتحول السعودية والإمارات إلى مجرد مستهلكين للتقنية فحسب، بل إلى دول منتجة للذكاء الاصطناعي.

اللافت في هذه الاتفاقيات هو حصول الدولتين على رقائق فائقة التقدم، وهي رقائق عادة ما تكون خاضعة لرقابة أميركية مشددة، وتُمنع من الخروج خارج السيطرة الأميركية خشية وصولها إلى شركات صينية قد تقوم باستنساخها، وهو ما يعد مؤشرا واضحا الى التقدم الكبير الذي شهدته العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة ودول الخليج، ويعكس ثقة استراتيجية في قدرة هذه الدول على حماية هذه التقنيات وتطويرها.

ستحقق المملكة العربية السعودية أكبر المكاسب من حيث القيمة المطلقة، حيث يُتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بأكثر من 135.2 مليار دولار في اقتصادها بحلول عام 2030، ما يعادل 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي.


ويمثل الحصول على هذه القدرات المتقدمة خطوة عملاقة، ولكنه ليس نهاية المطاف. فالريادة في الذكاء الاصطناعي تتطلب خطوات إضافية متجذرة في واقع المنطقة، من ضمنها استتباب الأمن الإقليمي من خلال تسويات تمنع اندلاع الحروب وتمددها، وهو أمر حيوي لضمان بيئة مستقرة جاذبة للاستثمارات. إذ يسمح الاستقرار بزيادة الاستثمارات الداخلية والخارجية الضرورية لتطوير كل الصناعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، من البنية التحتية الرقمية إلى الكوادر البشرية المؤهلة.

كما أن التأهيل على استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون جزءا أساسيا من المناهج الدراسية، بدءا من المراحل المبكرة. فبناء جيل قادر على التفاعل مع هذه التقنيات وتطويرها هو الضمان الحقيقي لاستدامة الريادة.

السعودية والتحول

تخوض المملكة العربية السعودية واحدا من أكثر التحولات الاقتصادية طموحا في العالم، مدفوعة بـ"رؤية 2030" التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وبناء مجتمع معرفي مزدهر، يقل اعتماده على النفط ويعزز الابتكار والإنتاجية. وفي قلب هذا التحول، يبرز الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة محورية لا غنى عنها في صوغ ملامح المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للمملكة.

 REUTERS/Zuhair Al-Traifi
لافتة كبيرة تُظهر رؤية السعودية 2030، في افتتاح العديد من مشاريع الطاقة في رأس الخير

التحول إلى إنتاج الذكاء الاصطناعي، لا استهلاكه فحسب، يتيح للسعودية بناء اقتصاد رقمي متنوع، يعزز النمو المستدام ويواكب المتغيرات التقنية العالمية.

يتوقع تقرير PwC أن تشهد دول الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أكبر المكاسب من تبني الذكاء الاصطناعي وتطويره. إذ ستحقق المملكة العربية السعودية أكبر المكاسب من حيث القيمة المطلقة، حيث يُتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بأكثر من 135.2 مليار دولار في اقتصادها بحلول عام 2030، ما يعادل 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي.

أما الإمارات العربية المتحدة، فعلى الرغم من أن مساهمتها المطلقة أقل قليلا عند 96 مليار دولار، إلا أنها ستحقق التأثير الأكبر من حيث النسبة المئوية، حيث يُقدر أن يصل تأثير الذكاء الاصطناعي إلى ما يقرب من 14% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، مما يعكس التزامها القوي واستثماراتها الكثيفة في هذه التقنية.

أما مصر فستحتل المرتبة الثالثة من حيث حجم الاستفادة في المنطقة، حيث يُتوقع أن يضيف الذكاء الاصطناعي نحو 42.7 مليار دولار لاقتصادها بحلول عام 2030. هذا يعكس الإمكانات الكبيرة للسوق المصرية وحجم اقتصادها الذي يمكن أن يستفيد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتنوعة.

يشدد تقرير PwC على أن الذكاء الاصطناعي سيحدث تغييرا كبيرا في الاقتصاد العالمي، وأن الكثير من إمكانات القيمة لم تُستغل بعد. يُقدّر أن 6.6 تريليون دولار من مساهمة الذكاء الاصطناعي العالمية ستأتي من زيادة الإنتاجية عبر أتمتة المهام وتحسين الكفاءة، بينما ستأتي 9.1 تريليون دولار من الفوائد التي تعود على المستهلكين، مثل المنتجات والخدمات الجديدة، وتحسين تجارب العملاء، وتوفير التكاليف.

وتتسع مساهمة الذكاء الاصطناعي عبر قطاعات عديدة، تشمل الصناعة، واللوجستيات، والطاقة المتجددة، والرعاية الصحية، والتكنولوجيا المالية، والتعليم، مما يخلق بيئة خصبة لنمو الصناعات الجديدة، ويوفر وظائف نوعية تتطلب مهارات متقدمة في علوم البيانات، وهندسة البرمجيات، وتعلم الآلة.

بناء مدن مثل نيوم من الصفر، يمثل ميزة تنافسية كبيرة، لأنها تصمم منذ البداية لتكون متكاملة مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يتيح تحقيق أفضل كفاءة ممكنة من الموارد البشرية والطبيعية.

عمرو عوض الله، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Vectara

قادت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) جهود المملكة في هذا المضمار، عبر الاستراتيجيا الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، التي تهدف إلى تدريب أكثر من 20 ألف متخصص في هذا المجال، وتوفير بنية تحتية متقدمة للبيانات، وتشجيع البحث العلمي والتطوير الصناعي في الذكاء الاصطناعي.

كما تسعى "سدايا" إلى أتمتة المهام الروتينية في القطاعات الحكومية والخاصة، مما يحسن الإنتاجية ويحرر الموارد البشرية للتركيز على المهام الإبداعية والمعقدة، مثل اتخاذ القرار، والابتكار، والتطوير الإداري.

من أبرز تجليات هذا التحول، مشروع نيوم، المدينة الذكية المستقبلية، التي توظف الذكاء الاصطناعي منذ مراحل التخطيط الأولى، لتقديم نماذج حضرية جديدة تعتمد على الأنظمة الذكية في إدارة الطاقة، النقل، التخطيط العمراني، الأمن، والبيئة.

ويرى الدكتور عمرو عوض الله، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Vectara، أن بناء مدن مثل نيوم من الصفر يمثل ميزة تنافسية كبيرة، لأنها تصمم منذ البداية لتكون متكاملة مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يتيح تحقيق أفضل كفاءة ممكنة من الموارد البشرية والطبيعية.

قرار استراتيجي

يشجع التحول إلى إنتاج الذكاء الاصطناعي على البحث والتطوير، ويدعم نمو الشركات الناشئة والمبتكرين، مما يعزز مناخ الابتكار المحلي، ويحفز تقديم حلول تقنية لتحديات وطنية في مجالات مثل المياه، الطاقة، الأمن الغذائي، والتغير المناخي.

Getty Images
عمرو عوض الله، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Vectara

كذلك، يساهم الذكاء الاصطناعي في توفير وظائف نوعية وجديدة، تمثل نقلة في طبيعة سوق العمل السعودية. فبدلا من استبدال البشر بالآلات، يتيح الذكاء الاصطناعي إعادة توزيع العمل نحو مهام ذات قيمة مضافة أعلى، ويقلل الأعمال المملة أو المتكررة.

مع تزايد الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتنامي الشراكات مع شركات التكنولوجيا العالمية مثل "أمازون"، "إنفيديا"، و"غوغل"، و"مايكروسوفت"، تتحول المملكة تدريجيا إلى مركز إقليمي وعالمي للذكاء الاصطناعي، مما يعزز مكانتها بين الاقتصادات الرائدة، ويجعلها بيئة جاذبة لرؤوس الأموال، والموهوبين، ومشاريع البحث العلمي.

التحول إلى إنتاج الذكاء الاصطناعي ليس خيارا تقنيا فحسب، بل هو قرار استراتيجي يعكس وعي السعودية بأهمية المستقبل الرقمي. ومن خلال الاستثمار الذكي في البيانات، والعقول، والبنية التحتية، تمضي المملكة بخطى واثقة نحو الريادة العالمية في الاقتصاد الرقمي، واضعة الذكاء الاصطناعي في صميم تجربتها التنموية.

تُعدّ الكهرباء ركيزة أساسية في عصر الذكاء الاصطناعي، إذ لا يمكن تشغيل مراكز البيانات العملاقة أو تدريب النماذج اللغوية المتقدمة دون توفر طاقة كهربائية ضخمة ومستقرة. فالذكاء الاصطناعي ليس فقط خوارزميات وأكوادا، بل هو أيضا منظومة مادية تتطلب موارد هائلة لتشغيل الخوادم، وتبريد المعدات، وتوفير بيئة رقمية متكاملة تعمل على مدار الساعة.

الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى ارتفاع سنوي في استهلاك الكهرباء يتراوح بين 3% و6%، وهي نسبة كبيرة تستلزم التخطيط الدقيق لتوسيع شبكة الطاقة الوطنية.


ياسر الرميان محافظ صندوق الاستثمارات العامة

في مناخ مثل مناخ الخليج، الذي يتميز بدرجات حرارة مرتفعة على مدار معظم أشهر العام، تصبح إدارة استهلاك الطاقة وتوفير حلول تبريد فعالة أحد التحديات الكبرى لمراكز البيانات. وتدرك السعودية هذا التحدي جيدا، وتسعى من خلال مشاريعها الطموحة إلى تهيئة بنية تحتية رقمية قادرة على تلبية متطلبات الذكاء الاصطناعي دون الإضرار بالبيئة أو الاقتصاد.

تعمل شركة "هيوماين" السعودية، بالشراكة مع شركتي "إنفيديا" و"AMD"، على تنفيذ خطة طموحة لإنشاء بنية تحتية ضخمة لأجهزة الذكاء الاصطناعي بقدرة تصل إلى 500 ميغاواط خلال السنوات الخمس المقبلة، مما يعكس إيمان المملكة بضرورة امتلاك أدوات الإنتاج التكنولوجي لا استهلاكها فقط.

وفقا لتصريحات محافظ صندوق الاستثمارات العامة، ياسر الرميان، فإن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى ارتفاع سنوي في استهلاك الكهرباء يتراوح بين 3% و6%، وهي نسبة كبيرة تستلزم التخطيط الدقيق لتوسيع شبكة الطاقة الوطنية.

لا تقتصر الحاجة إلى الطاقة على تشغيل الخوادم، بل تتطلب أنظمة تبريد معقدة وفعالة، لا سيما في ظل الحرارة العالية، وتتم دراسة حلول تقنية مثل التبريد بالغمر واحتواء الممرات الساخنة والباردة لتقليل الاستهلاك وتحسين الكفاءة.

طاقة نووية

لمواجهة هذا الطلب المتنامي، تسعى السعودية إلى تنويع مصادر الطاقة، من خلال تسريع مشاريع الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية والرياح، بهدف الوصول إلى توليد 50% من الكهرباء من مصادر نظيفة بحلول عام 2030، ضمن خطط رؤية المملكة الطموحة.

ويرى الدكتور عمرو عوض الله أن من بين أبرز الحلول المستدامة لضمان إمدادات طاقة طويلة الأمد هي الطاقة الشمسية وطاقة باطن الأرض (الحرارية الجوفية)، موضحا أنها، رغم تكلفة التأسيس، تعتبر أرخص وأكفأ على المدى البعيد، مقارنة بالاعتماد على الوقود الأحفوري أو غيره من المصادر المكلفة بيئيا واقتصاديا.

في ظل التوسع في تشغيل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، تتجه السعودية أيضا إلى النظر في الطاقة النووية السلمية كمصدر موثوق به للكهرباء، نظرا الى قدرتها على توفير تيار ثابت ومستقر من الطاقة لا يتأثر بالتقلبات الجوية، على عكس مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح.

يؤكد عوض الله أن الطاقة النووية، رغم ما يثار حولها من جدل، تُعدّ مصدرا ثانويا مثاليا ضمن مزيج الطاقة، خاصة خلال فترات ضعف إنتاج الطاقة الشمسية، مشيرا إلى أن دولا كبرى مثل فرنسا والمملكة المتحدة تعتمد عليها بشكل أساس أو تستثمر في مفاعلات جديدة لتلبية الطلب المتزايد.

ورغم أن الطاقة النووية تنتج بعض النفايات المشعة، فإنها لا تقارَن بمستويات انبعاثات الكربون الناتجة من الفحم والنفط، مما يجعلها خيارا أفضل بيئيا من المصادر التقليدية، خاصة إذا جرت إدارتها وفق معايير السلامة العالمية.

من جهتها، وضعت الإمارات العربية المتحدة خطة طموحة للريادة في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031، عبر إستراتيجيا وطنية متكاملة تستهدف دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الحيوية مثل الحكومة، التعليم، الصحة، الفضاء، الطاقة، والبيئة.

وكانت الإمارات أول دولة في العالم تعين وزيرا للذكاء الاصطناعي في عام 2017، وأطلقت أول جامعة متخصصة في الدراسات العليا للذكاء الاصطناعي، بهدف إعداد الكوادر القادرة على قيادة الثورة الرقمية، ودعم البحث العلمي والتطبيقات العملية.

REUTERS/Amr Alfiky
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يحضر منتدى للأعمال في قصر الوطن خلال المحطة الأخيرة من زيارته الخليجية، في أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة

تستخدم الإمارات حاليا تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة المدن، من حركة المرور إلى الأمن، من إدارة النفايات إلى خدمات الصحة، وتتبنى الحكومة الإماراتية نهجا قائما على الأتمتة وتقديم الخدمات الذكية للمواطنين والمقيمين، بما يشمل المساعدات الافتراضية ومنصات الخدمة الرقمية.

كما تعمل الدولة على تنويع مصادر الطاقة، وتطوير حلول تبريد مبتكرة، إلى جانب إنشاء أطر قانونية وتشريعية لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول للتقنيات الحديثة.

رغم أن إنشاء معامل ومراكز إنتاج الذكاء الاصطناعي يُعدّ استثمارا ضخما، خصوصا في المراحل الأولى من تنظيم البنية التحتية، إلا أن هذه المشروعات تتحول بسرعة إلى أصول استراتيجية تدر أرباحا ضخمة

من المتوقع خلال العقد المقبل أن تتحول السعودية والإمارات إلى مركزين عالميين للذكاء الاصطناعي، يجتذبان الشركات الناشئة، والاستثمارات العالمية، والمواهب من مختلف أنحاء العالم. ويشمل هذا التحول تطوير نماذج لغوية عربية تعكس الثقافة المحلية، وتساهم في تعزيز المحتوى الرقمي العربي.

ستقود استثمارات الذكاء الاصطناعي إلى خلق عشرات الآلاف من الوظائف النوعية، في مجالات مثل علوم البيانات، الأمن السيبراني، التعليم الرقمي، والرعاية الصحية الذكية. وستتحول مدن مثل نيوم ودبي إلى مدن ذكية بالكامل، تستخدم الذكاء الاصطناعي في تحسين نوعية الحياة، من خلال إدارة الموارد بكفاءة، وتقديم خدمات رقمية متكاملة.

يرى عوض الله أن امتلاك بنية تحتية قوية في مجال الذكاء الاصطناعي سيضع المنطقة في قلب الاقتصاد الرقمي العالمي، ويجعلها شريكا لا غنى عنه للدول الكبرى، مما يعزز مكانتها الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية.

لن تقتصر ثمار التحول على السعودية والإمارات فحسب، بل سيمتد تأثيره إلى بقية الدول العربية، من خلال نقل الخبرات، بناء شراكات تدريبية، وتأسيس مراكز ابتكار إقليمية. ويمكن توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لمواجهة تحديات عربية مشتركة مثل الأمن الغذائي، ندرة المياه، وتحسين سلاسل التوريد عبر الحدود.

ويرى عوض الله أن هذا التحول المعرفي لن يخلق فجوة رقمية جديدة، بل سيكون محفزا لوصول باقي الدول إلى مستوى متقدم من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، موضحا أن القدرة الحاسوبية الهائلة التي يتم بناؤها في السعودية والإمارات يمكن أن تُستخدَم أيضا لصالح الدول المجاورة، وحتى بعض الدول الآسيوية.

كما سيساهم التحول الرقمي في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في العالم العربي، بما يضمن مستقبلا أكثر توازنا ونموا.

رغم أن إنشاء معامل ومراكز إنتاج الذكاء الاصطناعي يُعدّ استثمارًا ضخما، خصوصا في المراحل الأولى من تنظيم البنية التحتية، إلا أن هذه المشروعات تتحول بسرعة إلى أصول استراتيجية تدر أرباحا ضخمة من خلال بيع البرمجيات والخدمات وتوفير الحوسبة السحابية.

ويُعدّ التنظيم القانوني ضرورة ملحة في المرحلة المقبلة، مع الحاجة إلى سنّ تشريعات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي وتمنع إساءة استغلاله في الاحتيال أو التلاعب أو الابتزاز الرقمي، بما يضمن بيئة رقمية آمنة ومستدامة للجميع.

font change