الفنان العراقي رؤوف العطار الذي دخل موسوعة "غينيس" بعمل مفاهيمي

يستلهم رموز الحضارة العراقية في أعماله

رؤوف العطار

الفنان العراقي رؤوف العطار الذي دخل موسوعة "غينيس" بعمل مفاهيمي

يتميز الفنان التشكيلي العراقي عبد الرؤوف العطار بتفرد تجربته من حيث المواضيع والأسلوب والأدوات. فالعطار الحاصل على ماجستير في الفنون من إيطاليا، ودكتوراه في العلوم الإنسانية، شارك خلال مسيرته في العديد من المعارض الفردية والجماعية. يستعد العطار لإصدار كتاب جديد عن تعلم فن الرسم، بما فيه فن الرسم الهندسي إضافة الى الفن التشكيلي والمعالم الاحترافية للرسم، كما يستعد لإقامة معرض جديد. هنا حوار معه.

قبل فترة قصيرة سُجل عملك "ذاكرة الدخان" في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، فما طبيعة هذا العمل؟

سجل "ذاكرة الدخان" كأول عمل مفاهيمي يُنجز بأعقاب السكائر، وهو توثيقي يجسد اللحظات غير المرئية في حياة الفنان حيث يتحول ما يُعتبر بقايا أو ضررا صحيا إلى نصب ناطق بزمن الإبداع والانفعال والتعب، فكل عقب في هذا العمل هو لحظة انتظار أو اندفاع لخط أو لون.

رموز تاريخية

تستحضر في أعمالك حضارة بلاد الرافدين القديمة، فلماذا هذا الحضور، وما التغيير الذي تقوم به عندما تستمد كفنان مواضيعك من تاريخ بلادك؟

تجربتي تجلت في إدخال الرموز الحضارية الآشورية والسومرية وغيرهما، التي لم تكون مطروقة كثيرا. فالكل يعرف أن الحضارة العراقية يُرمز اليها بالثور المجنح، بينما الحضارة مليئة بالرموز التي لم تستخدم في الفن، وقد أستخدمتها في أعمالي بعد دراسة، وهي رموز لها علاقة بالمعابد وبالمدارس التي انتقلت إلى المدن وخرائطها في تلك الفترة.

هل للفلسفة التي نلت فيها شهادة الدكتوراه تأثير في اتجاهاتك الفنية؟

لا. لقد كانت أطروحة الدكتوراه عن الطاقة ومفاهيم الطاقة في الديانات. هي إضافة جميلة لي بغض النظر عن الفن والتصميم. لكن الثقافة في العموم هي صقل للفنان الذي يجب أن يكون مطلعا على الرموز الدينية والمعالم، ويجب عليه احترامها.

جداريات

لديك جداريات مثل جدارية مطار بغداد الدولي والقدس، وبلاد ما بين النهرين، وشمس الحرية، وملكة الإناء الفوار وغيرها. فما خصوصية الأعمال الجدارية واختلافها عن غيرها من الأعمال؟

أنا مختص بموضوع الجداريات، وعندما أرسم جدارية أعتمد فيها على الدمج والتسلسل التاريخي، وألا تكون مجرد ترتيب رموز وكأنها عمل "فوتوشوب"، بل هي عبارة عن دمج كامل متسلسل للمعالم الحضارية والحقبة الحضارية، كما أعتمد على الرموز التي أرسمها بالأبيض والأسود مع ماء الذهب وغير ذلك.

الجدارية هي بمثابة الأطروحة أو الدراسة الكاملة ويجب أن يتم التعامل معها بكل دقة وحرفية وتمكين، وأن تكون مليئة وخالية من أي خلل فني

الجدارية مسؤولية كبيرة جدا للفنان، فالسيطرة على لوحة بحجم أكثر من ثلاثة أمتار أمر ليس بالسهل، وإنجاز لوحة فيها توازن وتناظر وتناسق، بغض النظر عن الموضوع، مسؤولية فنية كبيرة، خاصة عندما تحتوي مساحة كهذه على رموز تاريخية وتمثل بانوراما أو حقبة كاملة أو حضارة ما، مثل جدارية "تاريخ الخطوط الجوية العراقية". فمن ضمن الرموز التي استخدمتها، بغداد القديمة والمدرسة المستنصرية، وفيها أيضا أول طائرة عند الخطوط الجوية العراقية إلى الطائرة الحالية، وفي توزيعها والهدف منها تكمن المسؤولية. فالجدارية هي بمثابة الأطروحة أو الدراسة الكاملة ويجب أن يتم التعامل معها بدقة وحرفية وتمكين، وأن تكون مليئة وخالية من أي خلل فني. 

جدارية الخطوط الجوية العراقية

قصة حضارة

ما أبرز الخلاصات التي توصلت إليها في كتابك "لوحات المدن العربية والإسلامية – كما رسمها الرحالة الأجانب"؟

هذا الكتاب كان سببا في إقامة معرض شخصي، احتوى على أربعين لوحة أخذت مصادرها من الرحالة الذين رسموا المعالم الحضارية في بغداد والعديد من المدن العراقية عند مرورهم فيها. فخلال الفتوحات والاحتلالات كانوا حين يمرون في العراق أو حتى في سوريا ولبنان وغيرها، يصطحبون معهم رسامين لرسم المدن، فقمت برسم تلك اللوحات بالحبر مع احترام المعالم الحضارية، أي لم أقم بأي تغيير، بل مجرد تجديد وإضافة لمسة فنية خاصة بي.

جمعت اللوحات في كتاب أظهر الكثير من المدن التي اندثرت ولم تعد موجودة حاليا، وكانت في بغداد والبصرة والموصل وغيرها. هذه الصور التاريخية تعود الى بداية عام 1800 وإلى نهاية القرن التاسع عشر، وهي نادرة جدا وغير معروفة حتى للجيل الحالي، وقد أعدت رسم المدن من خلال هذه الصور وأظهرتها في معرض "قصة حضارة" للكثير من الناس والمثقفين الذين لم يكونوا يعرفونها، بأسوارها واتجاهاتها والتصاميم المعمارية والمزارع والأشجار والكنائس والجوامع والكثير من الأمور التي لم تكن معروفة حاليا. وقد وضعت في الكتاب شرحا كاملا عن الرحلة وعن هذه المدن، وعن الرحالة الذين مروا بها والرسامين الذين رسموها. وبغض النظر عن احتلال المدن، فإن الرسام كان يرصد كل مدينة وكل مَعلم فيها، ويرسمه كتخطيط سريع لكن دقيق في الوقت نفسه. ولهذا اعتبر أن تحويل أعمالهم إلى لوحات هو استثمار ناجح للفكرة الثقافية.

العطار في أحد معارضه

تستخدم خامات مختلفة مثل المعادن وغيرها، فمتى تقرر استخدام خامات غير الألوان؟

تعمق اختصاصي في الألوان المعدنية ودمجها مع الأحبار، منذ نحو تسع سنوات، وهي غير الألوان المتعارف عليها، فيها البرونزي والنحاسي والفضي والذهبي وماء اللؤلؤ، أي الألوان التي تعبر عن المعادن وتمتاز بجودتها العالية وعدم تأثرها بعوامل الزمن. أحضر هذه الألوان من المواد الخام واستخدمها في الأعمال الفنية، وهذا يشكل طرحا جديدا. 

اشتغلت على كيفية التعامل مع الطلاسم والأحلام لأخرج منها لوحة تشكيلية

لا أرسم بهذه الألوان على كرتون أو كانفس إنما على جلد اصطناعي، وخصوصا عندما أريد رسم جدارية بحجم أربعة أمتار بحيث يوفر لي الجلد هذه المساحة. 

خيالات فنية

عناوين أعمالك لافتة وتدعو الى التأمل مثل "عبر الزمن" و"تأثير الكواكب"، فكيف تختار هذه العناوين؟

ما هو دوري عند إقامة المعرض؟ هل هو بيع اللوحة أو النجاح الفني والإعلامي؟ بالتأكيد لا. فالمعرض الشخصي تثقيف للمتلقي.  قبل معرض أقمته في قطر، نصحني البعض بأن أرسم مشاهد من الحياة الصحراوية، لكني عملت على تقديم جانب من حضارتي لا يعرفه الجمهور القطري. اختيار الموضوع والعنوان هو جزء من صوغ اللوحة.

الفنان رؤوف العطار

أحرص على الدقة الشديدة، وعلى هذا الأساس أتعامل مع الحبر ونظافة العمل وأدق التفاصيل من الإطار إلى العنوان. فعندما أحضر لمعرضي، أتعايش مع الدراسة والقراءة والاطلاع على الصور ومصادرها، بحيث يكون العنوان قطعة مني. ولأني استخدم كما هائلا من الرموز في كل لوحة، فإن الخيال الذي يخصني هو الاسم الذي أطلقه عليها، وعند التدقيق في تفاصيلها سيعرف المشاهد أنها عبارة عن قصة، على غرار معرض أقمته قبل سنوات يتحدث عن رموز قراءة فنجان القهوة، فالناس عندما يرون سمكة يفسرونها رزقا وهكذا. ولأن اختصاصي الرموز، فقد اشتغلت على كيفية التعامل مع الطلاسم والأحلام لأخرج منها بلوحة تشكيلية، فاللوحة تربط بالرموز وبالتسمية التي أطلقتها عليها.

الأسلوب الخاص يأتي من تراكم سنوات الخبرة والدراسة والتجارب، ولهذا تكون اللوحات المنتجة بالبرامج أو الذكاء الاصطناعي بمستوى اللوحة التجارية

أنت غزير الإنتاج فما الذي يقف وراء ذلك؟

أنا متفرغ الآن بشكل كامل للعمل الفني، وكنت قبل ذلك أستاذا في الجامعة إلى  استقلت من التدريس. المسألة ليست مسألة غزارة، لكن أقدر أن أقول إن كل وقتي مكرس لأعمالي كوني أشتغل أكثر من عشر ساعات في اليوم. في المقابل، هناك فنان يرسم لوحة كل أربعة أشهر، ويقول إنه مقل، لكن هذا لا يؤخذ من باب الإقلال بقدر التمكن. من جهتي، أتمكن من الفكرة، وأرسم حولها أربعين لوحة غير متشابهة، وأعيش مراحل دراسة كاملة لكل منها، وهنا لا تتشابه اللوحات في المعرض. فأربعون لوحة تعني أربعين قصة.

من أعمال رؤوف العطار

الأعمال الرقمية

قلت في أحد الحوارات إن "الأعمال الرقمية ليست فنا تشكيليا" فلماذا، وما الذي يمكن أن تقوله عن إنتاج الفن بالذكاء الاصطناعي، وهل ينتهك حقوق الفنانين من مختلف العصور؟

في استخدام البرامج والذكاء الاصطناعي، يمكن الهاوي أن يلتحق بدورة لشهرين يتقن خلالها أيقونات العمل لكن بدون أن يمتلك خبرة الفنان. فالفرق هنا هو سيرة الفنان، وهذا الأمر لا يحدث عبر استخدام أيقونات الذكاء الاصطناعي والبرامج التي تستثمر كخدمة. خبرة الفنان تحتاج إلى وقت. فإلى أن يصل إلى أسلوب متفرد، يحتاج ربما إلى عشر سنوات، والأسلوب الذي أقصده يقال عنه بصمة، فعندما يرى المشاهد لوحة يعرف من هو الفنان الذي رسمها من دون أن ينظر إلى التوقيع. هذا الأسلوب الخاص يأتي من تراكم سنوات الخبرة والدراسة والتجارب، ولهذا تكون اللوحات المنتجة بالبرامج أو الذكاء الاصطناعي في مستوى اللوحة التجارية.

أصدرت أخيرا مذكرات والدك الراحل "عماد عبد السلام العطار شيخ المؤرخين والمحققين البغداديين المعاصرين"، هل لك أن تحدثنا على هذا الكتاب؟

كان إصداري للكتاب نوعا من تنفيذ وصية للوالد رحمه الله، فهو كتب الكثير من المذكرات للكثير من الشخصيات العراقية من علماء ومسؤولين قدماء، وكنت أطلب منه بشكل شخصي وضع مذكراته، وبالفعل استمر لسنين وهو يكتبها، وقبل وفاته بأقل من شهرين كان قد أكملها وأرسلها إليّ ومعها وصيته لنشرها بعد وفاته. وبالفعل أصبحت مسؤولا عن نشرها ونشر كتبه ومؤلفاته.

يتضمن الكتاب الكثير من الأسرار والتجارب مع مؤسسات الدولة وأشخاص واكتشافات أثرية. إنها رحلته الكاملة، وخصوصا أن الوالد أصدر أكثر من 160 كتابا، وشغل مناصب مهمة في الدولة، فجاءت كل هذه التجارب في المذكرات التي تعتبر مرجعا لفترة كاملة، إضافة الى حديثه عن خفايا وأسرار الكتب التي حدثت قبل نشرها. 

font change