البحرين والمملكة المتحدة... آفاق جديدة لشراكة استراتيجية

تشمل مجالات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا والطاقة والدفاع

المجلة
المجلة

البحرين والمملكة المتحدة... آفاق جديدة لشراكة استراتيجية

أظهرت زيارة ولي عهد البحرين رئيس مجلس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، إلى لندن الشهر المنصرم، عزم البحرين على توطيد علاقاتها مع المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، في حين تعيد تأكيد القيمة الاستراتيجية التي يوليها البلدان لعلاقتهما التاريخية. وفي ظل تغير التحالفات العالمية وحالة عدم اليقين الإقليمي، أكدت الزيارة عمق العلاقات البريطانية البحرينية وعززت الرؤية المشتركة للمرونة والازدهار في المستقبل. وأظهرت الزيارة التي التقى خلالها ولي العهد، رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، سعي الجانبين لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات التجارة والاستثمار والدفاع والتعليم.

تتكيف البحرين والمملكة المتحدة مع الظروف الجيوسياسية والاقتصادية المتغيرة في أوروبا والشرق الأوسط، وسيمكّن تعميق الشراكة بينهما تعزيز المرونة الاقتصادية، وتحسين إدارة التحول في مجال الطاقة، ودعم مبادرات الأمن الإقليمي، مع الاستفادة من التاريخ الطويل من العلاقة الديبلوماسية بينهما. فقد بدأت بريطانيا علاقاتها مع البحرين في عام 1820 بتوقيع "المعاهدة البحرية العامة"، وتوطدت تلك العلاقات في عام 1861 بتوقيع "الهدنة الدائمة للسلام والصداقة".

التجارة والاستثمار

تركزت الزيارة على إطلاق "الشراكة الاستراتيجية للاستثمار والتعاون"، التي من المنتظر أن يضخ القطاع الخاص البحريني بموجبها استثمارات بقيمة ملياري جنيه إسترليني (2,7 مليار دولار أميركي) في القطاعات الاقتصادية البريطانية التالية: الطاقة النظيفة، التصنيع المتقدم، الخدمات المالية، والتكنولوجيا. وقد وصفت وزيرة الخزانة البريطانية، راشيل ريفز، الاتفاق بأنه "دليل واضح على متانة العلاقة بين المملكة المتحدة والبحرين وثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد البريطاني".

تركزت الزيارة على إطلاق "الشراكة الاستراتيجية للاستثمار والتعاون"، التي من المنتظر أن يضخ القطاع الخاص البحريني بموجبها استثمارات بقيمة ملياري جنيه إسترليني في القطاعات الاقتصادية البريطانية

يأتي إطلاق "الشراكة الاستراتيجية للاستثمار والتعاون" في سياق النمو المطرد في حجم التبادل التجاري بين المنامة ولندن. ففي عام 2024، بلغت التجارة الإجمالية بين المملكة المتحدة والبحرين حتى الفصل الرابع 967 مليون جنيه إسترليني (1,23 مليار دولار أميركي)، وشهدت الصادرات البريطانية ارتفاعا بنسبة 17,2 في المئة لتصل إلى 750 مليون جنيه إسترليني (953 مليون دولار أميركي) مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023. ويشير ذلك النمو إلى التعافي والنمو الكبيرين، مقارنة بمستويات ما قبل جائحة "كوفيد-19" في عام 2019، عندما بلغت التجارة الإجمالية بين المملكة المتحدة والبحرين 560 مليون جنيه إسترليني (717 مليون دولار أميركي). وازدهرت العلاقات التجارية في الخدمات المالية، والدفاع والفضاء الجوي، والتعليم، وتقنيات الطاقة المتجددة. وقد استجابت الشركات البريطانية للطلب القوي في اقتصاد البحرين المتنوع.

أ.ف.ب.
من اليمين رئيس الحكومة البريطاني كير ستارمر، يستقبل ولي العهد البحريني ورئيس مجلس الوزراء سلمان بن حمد آل خليفة، في لندن 19 يوليو 2025

في الوقت نفسه، من المنتظر أن يشهد الاستثمار البحريني المباشر في المملكة المتحدة، الذي بلغ 54 مليون جنيه إسترليني (67 مليون دولار) في نهاية عام 2023، ارتفاعا ملحوظا في أعقاب إطلاق "الشراكة الاستراتيجية للاستثمار والتعاون".  ويأتي استثمار البحرين في حين تسعى المملكة المتحدة إلى إعادة التموضع عالميا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتسعى البحرين لتسريع وتيرة تنويع اقتصادها في إطار "رؤية 2030".

التعاون الدفاعي المشترك

تواجه البحرين والمملكة المتحدة بيئات إقليمية مثيرة للتحديات، إذ تسعى المملكة المتحدة لرسم مسارها العالمي في أعقاب الخروج من الاتحاد الأوروبي وتقوم بدور ديبلوماسي بارز في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، في حين تشق البحرين طريقها بحذر عبر النزاعات بين إسرائيل والدول المجاورة الأخرى. وفي هذا السياق، تلتزم كل من المنامة ولندن تعزيز العلاقات مع الشركاء الموثوق بهم والذين يعوّل عليهم. لذا لم يكن من المستغرب أن تشهد الزيارة توقيع "اتفاقية التعاون الدفاعي"، التي تحدد خططا لتدريبات بحرية مكثفة، ودوريات مشتركة منسقة، وتعزيز المراقبة البحرية بمشاركة قوة دفاع البحرين والقوات المسلحة البريطانية.

وقد أشار وزير الدفاع البريطاني جون هيلي إلى أن "هذه الاتفاقية تستفيد من علاقاتنا الدفاعية التاريخية وتضمن تحسين استعداد قواتنا لمواجهة التحديات المشتركة داخل المنطقة وخارجها". وتشمل الاتفاقية أيضا انضمام المملكة المتحدة إلى "اتفاقية الأمن والازدهار الشامل". وبالانضمام إلى تلك الاتفاقية، إلى جانب البحرين والولايات المتحدة، تعزز لندن علاقتها الثنائية مع المنامة في إطار أمني إقليمي، مما يمكن المملكة المتحدة من تحقيق استراتيجيتها للانخراط العالمي.

تواجه البحرين والمملكة المتحدة بيئات إقليمية مثيرة للتحديات، إذ تسعى المملكة المتحدة لرسم مسارها العالمي في أعقاب الخروج من الاتحاد الأوروبي، في حين تشق البحرين طريقها بحذر عبر النزاعات في المنطقة

في طبيعة الحال، توفر استضافة البحرين لـ"قاعدة الجفير البحرية البريطانية" منصة حيوية للعمليات البريطانية في منطقة الخليج. وقد افتتحت القاعدة رسميا في أبريل/نيسان 2018، وكانت أول قاعدة عسكرية بريطانية دائمة في "شرق السويس" منذ عام 1971، واعتبرت عودة استراتيجية إلى الخليج. وقد رحب الجانبان في ذلك الوقت، بالقاعدة بوصفها رمزا للشراكة الدائمة ومنصة لتعزيز الأمن البحري وإبراز القوة البريطانية في المنطقة.

التعليم والبحث الأكاديمي

على الرغم من أن زيارة ولي العهد لم تتطرق إلى التعليم والتبادل الثقافي، فإنهما يظلان ركيزتين أساسيتين للشراكة البحرينية-البريطانية. ويتعاون "المجلس الثقافي البريطاني" في البحرين مع المؤسسات المحلية والبريطانية لتعزيز التعليم العالي من خلال برنامجه "تدويل التعليم العالي"، الذي يركز على تحسين ضمان الجودة، والبحث الأكاديمي، وقابلية التوظيف، والقيادة داخل الجامعات البحرينية. ويسهل البرنامج، بإقامة شراكة مع "مجلس التعليم العالي" و"هيئة جودة التعليم والتدريب"، اطلاع الموظفين والطلاب البحرينيين على الممارسات التعليمية في المملكة المتحدة، ويدعم المؤهلات القائمة على المهارات، ويعزز الشبكات المهنية لتحسين تبادل المعرفة وتطوير السياسات. كما يجمع "المجلس الثقافي البريطاني" باحثين من المؤسسات البحرينية والبريطانية لتعزيز تشارك المعرفة وتبادل الأفكار حول التحديات والفرص العالمية.

Wikimedia Commons
ثيقة تاريخي للتعاون بين البلدين تعود إلى عام 1820

ويركز هذا التعاون بشكل خاص على تخصصات "العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات" والابتكار الرقمي، مما يعكس أهداف تنويع الاقتصاد في البحرين ونقاط قوة المملكة المتحدة في البحث والتعليم. وبالاستفادة من العلاقات القوية بين الجامعات البريطانية ونظيراتها في البحرين، افتتحت جامعة "ستراثكلايد" في سبتمبر/أيلول 2024 مركزا للابتكار والبحث والتعليم في البحرين، يركز على البحوث التطبيقية والشراكات التكنولوجية. ووقعت جامعة البحرين مذكرة تفاهم في مارس/آذار 2024 مع جامعة "لانكستر" البريطانية لتقديم شهادات مزدوجة وتسهيل تبادل أعضاء هيئة التدريس والطلاب.

وسط التحولات التي تشهدها التحالفات الإقليمية والديناميكيات العالمية، تسعى المملكة المتحدة والبحرين لتعزيز أسس شراكة استراتيجية قائمة على المصالح المتبادلة. وقد أبرزت زيارة يونيو/حزيران الالتزام المشترك بالمرونة الاقتصادية، والتعاون الدفاعي، والتبادل التعليمي، مما يدل على أن العلاقة الثنائية ليست متينة فحسب، وإنما تتطور أيضا لتلبية متطلبات نظام دولي يتسم بتزايد التنافسية والترابط.

font change

مقالات ذات صلة