في طليعة المأثور من الشذرات حول المكتبة، من يجللها ارتقاء في استعارة "الجنة" كما يتخيلها بورخيس، أو يجعلها تتطابق مع السيرة الذاتية كما عند كارلوس ماريا دومينغيز، فيما لا روح لمن لا مكتبة له كما يراها على نحو وجودي وصوفي في آن أمبرتو إيكو، بينما يجد راي برادبري غيابها بمقام لا شيء نملكه كبشر، لا ماض، ولا مستقبل بدون مكتبات، وفي المكتبة يمكن أن نلفي ذواتنا المبحوث عنها كقارئين وفق مارسيل بروست، وإن كان الكتاب حدثا في حياة الشخص، فالمكتبة هي أرشيف الأحداث الكبرى بحسب سيسيل دي لويس، والمكتبة العمومية بالذات هي بوابة سحرية لأمكنة لا متناهية زمنا، مكانا، وخيالا، بحسب نيل غيمان.
أما الأزمنة المظلمة للحضارة بالنسبة الى إسحاق عظيموف، فهي إهمال المكتبات. في المقابل، السحر الذي يمكن الظفر به وحمله شخصيا هو الكتب، والمكتبات استنادا إلى ذلك، هي مساكن السحر ذاته وفق ستيفن كينغ، ولمن يبحث عن مخرج طوارئ، وقارب نجاة، فالمكتبة هي الملاذ في قلب المجتمع وفق مارغريت آتوود. وتتفرد الكتب المستعملة بتوحشها بلا مأوى اجتمعت في أسراب تكتنز سحرا تفتقر إليه الكتب المروضة، المهجنة، في المكتبات حسب فيرجينيا وولف، وإيتالو كالفينو يحتكم في مقولته الشهيرة إلى الكتاب الكلاسيكي الذي لم ينته قط من قول ما لديه، وما المكتبة إلا صداه الأبدي، ويسمو بها أوكتافيو باث ليجعلها حوار الحضارات لكن في صمت. ومجمل الأثر، ما نبغ فيه المتنبي، حينما أفصح على نحو لاذع: خير جليس في الأنام كتاب. فماذا إن قسنا ذلك على المكتبة، مجلس الأنام الأثير قاطبة، المكتبة بجلالة قدرها.
قطعا، ثمة فرق بين مكتبة شخصية، خاصة بكاتب أو قارئ، تنتصب في منزله كنجمة القطب، كحيز سحري لا تستقيم حياة البيت بدونه، وبين مكتبة عمومية، في قلب مدينة، لا يمكن الحاضرة أن تتنفس برئة إضافية من دونها، وهذا حال المدن التاريخية، الروحية، عواصم أكانت أم أمصارا تلازم اسمها بعلامات مكتباتها الموشومة، بغداد، البصرة، فاس، الرباط، الإسكندرية، القاهرة، بيروت، دمشق.
في القصة القصيرة والرواية والشعر
مثلما استأثرت المكتبات بالحيز المقدس في بيوت الكتاب والشعراء والفنانين، هي أيضا استأثرت بنصوصهم، وفي المقدمة من وشمها في قصة قصيرة باتت مرجعا أيقونيا: بورخيس ومكتبة بابل السحرية، ونافذة المكتبة لمارغريت أوليفانت، وأمين المكتبة الأخير لإدواردو ألبيناتي، والمكتبة لإسحاق باشيفيس سينجر، والكتاب لزوران جيفكوفيتش، وسر المكتبة لأليخاندرو هيرنانديز فون إكشتاين، ولغز في المكتبة لبيدرو بابلو ساكريستان، والمكتبة لأحمد بوزفور.