ظهر لافتا في السنوات الأخيرة عودة عدد من الكتاب والروائيين العرب إلى روايات الأجيال الملحمية الكبيرة الحجم التي لا تتناول سيرة وحكاية شخصية واحدة أو عدد من الأشخاص، وإنما تعمد إلى توثيق تاريخ جيل كامل وربما عدد من الأجيال المتتالية ورصد تحولات الزمان والمكان بالأمم والشعوب، وما يحدث من تقلبات وتغيرات خلال فترة زمنية طويلة تتجاوز المائة عام .
"دلشاد" من سيرة الجوع إلى حياة الذهب
من سلطنة عمان تكتب بشرى خلفان روايتها عن حياة الناس هناك، بداية من الربع الأول من القرن العشرين، متنقلة بين الأزمنة والأمكنة، حتى تصل إلى العصر الحالي، وذلك عبر جزءين كبيرين من الرواية (الأول "دلشاد سيرة الجوع والشبع"، والثاني "سيرة الدم والذهب").
عبر ثلاث مناطق مختلفة في مسقط، تنتقل بنا الرواية بين "لوغان" و"ولجات" و"حارة الشمال"، لنتعرف الى أحوال عمان في تلك الفترة الزمنية، وكيف كان أثر الحرب العالمية على العمانيين وكذلك الحماية البريطانية لأراضيهم، تبدأ الرواية من حكاية تخص بطل الرواية وعالمه، دلشاد، ذلك الاسم الفارسي الذي منحته أم البطل له وتعني "الضاحك"، أملا في أن يواجه بهذا الاسم قسوة الحياة، فيما جاءت حياته مليئة بالمآسي والصعوبات التي جعلته يضحك عليها من حزنه أيضا، ولكنها سرعان ما تنتقل لتكون معبرة عن أحوال الكثير من البسطاء الذين يحيطون بدلشاد ويملؤون عالمه.
يتزوج دلشاد امرأة من البلوش سرعان ما توافيها المنية بعد ولادتها لابنتها مريم، ويتولى هو مسؤولية تربية البنت والقيام على مصالحها حتى يشتد عودها، فيضطر إلى تركها في أحد بيوت "ولجات" حيث يمكنها أن تجد قوت يومها وتحظى بمكانة لا تقلل شأنها في "بيت لوماه"، وهناك يقع في غرامها سيد البيت، عبد اللطيف، فتنتقل حياتها نقلة نوعية إلى حياة الدعة والرخاء، إلا أن الأمر لا يستقر لا بمريم ولا بدلشاد أو عبد اللطيف، فسرعان ما تتقلب بهم الأحوال وتتغير، فبينما يهاجر دلشاد مسقط كلها بحثا عن لقمة العيش، سرعان ما تفكك الحرب أوصال "بيت لوماه"، لتخرج مريم وابنتها فريدة باحثتين عن فرصة أخرى للحياة في حارة الشمال.
بين فصول الرواية القصيرة، التي عمدت الكاتبة إلى جعلها من خلال أصوات الرواة، نتعرف الى جوانب مختلفة من حياة أهل عمان في تلك الفترة العصيبة من التاريخ، والتي تبدو مجهولة للكثيرين، حيث نتعرف الى طبقات المجتمع العماني المختلفة من الفقراء إلى التجار الأغنياء، وطبيعة الحياة والعلاقات بينهم في تلك الظروف العصيبة، كما نتعرف الى عدد من عادات أهل تلك البلاد وتقاليدهم سواء في أفراحهم أو احتفالاتهم أو ما يؤمنون به من معتقدات وأساطير، وكيف يحضر الحب في كل مرة بين ثنايا تلك المآسي والصعاب الكبرى.