"الملك لير" يعيد يحيى الفخراني إلى خشبة المسرح

إبهار بصري وأداء استثنائي

"الملك لير" يعيد يحيى الفخراني إلى خشبة المسرح

"الملك لير" يعيد يحيى الفخراني إلى خشبة المسرح

قبل ثلاث سنوات، وخلال جلسة حوارية بعنوان "المخرج والنص المسرحي" ضمن البرنامج الفكري للدورة الخامسة عشرة من مهرجان المسرح القومي، تحدث المخرج شادي سرور عن مسيرته المسرحية، مشيرا إلى عدد من الأعمال والأسماء التي أثرت في مفهومه لعملية الإخراج، وعزوفه عن تقديم النصوص الأجنبية، إذ كان يفضل النصوص العربية والمصرية، خصوصا الحديثة منها، التي لا يزال مؤلفوها على قيد الحياة حتى يمكن التواصل معهم إذا لزم الأمر، كما حدث في تجربته مع مسرحية "على جناح التبريزي" لألفرد فرج، حين أراد تعديل النهاية، الأمر الذي تجسد لاحقا في أعمال مثل "العيال فهمت"، التي عُرضت العام الماضي.

لكن يبدو أن سرور علّق قناعاته مؤقتا أو تخلى عنها كليا، حين اختار هذه المرة نصا يعود إلى القرن السادس عشر، لمؤلف رحل منذ أكثر من أربعة قرون، هو وليام شكسبير، عميد الدراما الإنكليزية، ليقدم واحدة من أشهر كلاسيكياته، "الملك لير"، المعروضة حاليا على خشبة المسرح القومي، بالقاهرة. أما عن سبب هذا التراجع أو التحول، فلم يكن سرا، بل تلخص في اسم يحيى الفخراني، بطل العمل وأحد أعمدة الدراما المصرية. فحين يتصدر الفخراني خشبة المسرح، تتسع المساحة لما هو أكبر من التصنيفات، وتغدو الكلاسيكيات لوحة عصرية، وهو ما تجلى بوضوح على أرض الواقع.

حلم ليلة صيف

ثلاث مرات أدى فيها يحيى الفخراني شخصية "الملك لير"، المرة الأولى كانت الأصعب، كما يقول، فلم يكن الزمن أثقل جسده، مما اضطره إلى بذل جهد جسدي ونفسي مضاعف ليتماهى مع شيخ في الثمانين من عمره. اليوم، وقد التقت سنواته بسنوات الملك، لم يعد بحاجة إلى اصطناع الضعف أو تجسيده، بل صار يحمله معه ويلازمه كما تلازمه عكازته التي باتت رفيقة سنواته الأخيرة، يقول ببساطة: "أنا الآن في العمر المناسب للشخصية".

حين يتصدر الفخراني خشبة المسرح، تتسع المساحة لما هو أكبر من التصنيفات، وتغدو الكلاسيكيات لوحة عصرية

قُدمت المسرحية لأول مرة على خشبة المسرح القومي عام 2001 بإخراج أحمد عبد الحليم، وشارك في بطولتها أشرف عبد الغفور. استمر العرض قرابة تسع سنوات، في واحدة من أطول التجارب المسرحية عمرا على الخشبة. ثم عادت إلى الحياة مجددا في عرض ثانٍ عام 2019 من إخراج تامر كرم، وحلّ الفنان فاروق الفيشاوي محل عبد الغفور، قبل أن يستكمل الدور لاحقا الفنان أحمد فؤاد سليم، بعد رحيل الفيشاوي. وربما كانت هذه واحدة من الحالات النادرة التي يخوض فيها القطاع الخاص مغامرة تقديم عمل من هذا النوع. كذلك سبق وقدم الفخراني الثيمة الشكسبيرية نفسها، ولكن في أجواء صعيدية من خلال مسلسل "دهشة" المذاع في رمضان 2014، تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج شادي الفخراني. 

Flickr
المسرح القومي المصري، القاهرة

في مشهد لا يتكرر كثيرا، وبينما يزداد لهيب يوليو/ تموز اشتعالا، غدت مشاهدة "الملك لير" على المسرح القومي حلما جماعيا يراود كثيرين، وحالة نادرة من الترقب لم يشهدها المسرح منذ سنوات. فمنذ انطلاق المسرحية في الثامن من الشهر الجاري، كان يمكن تلمس دهشة في جنبات المسرح العريق، بدءا من إشراقة الفخراني الذي لم يفقد بريقه وتوهجه، أو يُنتقص منهما شيء رغم زحف السنين، بدليل الإقبال الجماهيري اللافت الذي قد يكون الأول من نوعه، خصوصا مع عرض كلاسيكي ناطق بالفصحى. كان من الصعب تخيل أن التذاكر ستنفد بالكامل فور طرحها. زاد من تعقيد المشهد، استحداث البيت الفني للمسرح لنظام حجز إلكتروني لم يصمد أمام اندفاع الجمهور، كما اقتصر التطبيق على أنواع معينة من الهواتف، مما أدى إلى حالة من الفوضى، بشهادة الغالبية العظمى من المتابعين، سواء من الجمهور أو المتخصصين، كان لكلٍ منهم حكايته الخاصة في السعي المحموم وراء تذكرة لـ"الملك لير".

في المقابل، أفضت أسعار التذاكر الزهيدة (110، 80، و60 جنيها– بما لا يتجاوز دولارين) إلى مزاعم كانت أقرب إلى الحقيقة، عن سوق سوداء موازية بأضعاف الثمن، هذا بخلاف عدد من المزايدات الفردية وصلت إلى حد الهوس في بعض الأحيان للحصول على مقعد، وربما اغتنامه، حيث لم يتمكن الكثيرون من حضور العرض، وآخرون، كنت منهم، عانوا الانتظار لأكثر من أسبوعين لنيل تذكرة وسط دوامة من المحاولات غير الموفقة، وصلت حد مخاطبة المكتب الإعلامي بطلب مشاهدة العرض ولو واقفا، دون جدوى. ولا تزال إدارة المسرح القومي ترفع لافتة "كامل العدد" حتى نهاية الشهر، في مشهد نادر يعكس مكانة الفخراني العميقة لدى محبيه من كبار السن والشباب، ومن أسر تنتمي إلى طبقات اجتماعية وثقافية مختلفة.

Shutterstock
يحيى الفخراني من مواليد 7 ابريل 1945 في القاهرة، مصر. ممثل ومنتج معروف بأعمال مثل "خرج ولم يعد" (1984)، و"عباس الأبيض في اليوم الأسود" (2004)، و"زيزينيا" (1997)

عرش لا يسقط بالتقادم

لم يكن تكريم المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) ليحيى الفخراني بلقب "رمز الثقافة العربية"، منذ شهور، إلا تتويجا طبيعيا لمسيرته الفارقة و"تقديرا لمساهماته البارزة في إثراء الساحة الفنية والثقافية العربية لعقود متتالية"، كما ورد في حيثيات التكريم، الذي تزامن مع احتفالات اليوم العربي للشعر في دورته الحادية عشرة ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط. أمام هذا التاريخ الثري، تحتم على وزارة الثقافة تجاوز قيودها الإنتاجية المعتادة، بأن تستجيب لطلب الفخراني بميزانية "مفتوحة" لمسرحيته الجديدة، كما أعلن بنفسه في المؤتمر الصحافي السابق للعرض، وهو ما أكده مدير المسرح أيمن الشيوي، مشيرا إلى أن الميزانية المخصصة للعمل تُعد الأعلى في تاريخ البيت الفني للمسرح.

غدت مشاهدة "الملك لير" على المسرح القومي حلما جماعيا يراود كثيرين، وحالة نادرة من الترقب لم يشهدها المسرح منذ سنوات

بعيدا من الأرقام التي لم يفصح عنها في خصوص أجور العاملين وفريق التمثيل، بمن فيهم الفخراني، يمكن تبين سخاء الإنتاج في مختلف تفاصيل العرض، إذ جاء الإبهار البصري أحد أبرز رهانات المخرج شادي سرور من خلال الاعتماد الكثيف على السينوغرافيا الرقمية والغرافيك، والتي مكنت مهندس الديكور حمدي عطية من التنقل البصري بسلاسة بين عوالم متعددة، بداية من بهو القصر الملكي أو الأماكن المفتوحة في الخارج. كما لعبت تقنية البروجيكتور دورا مهما في مناظر المعارك الحية والمبارزات، وصولا إلى مشهد العاصفة الشهير الذي جرى تقديمه بمعالجة بصرية طموحة، كذلك نجح سرور في إدارة أكثر من أربعين مشاركا من المجاميع، ممثلين وراقصين، بمشاركة لا تقل طموحا من مصمم الاستعراضات ضياء شفيق، مما منح العمل طاقة ديناميكية لا تخطئها العين.

"الملك لير" يعيد يحيى الفخراني إلى خشبة المسرح

في السياق نفسه، لا يمكن إغفال التنوع اللوني والدرامي لعلا علي في تصميم الملابس والأزياء، كما ساهمت أعمال النحت التي نفذها مصطفى التهامي ومصطفى فكري، إلى جانب إضاءة محمود الحسيني (كاجو)، في تعميق الإحساس الدرامي بالفضاء المسرحي، سواء من حيث تحولات الزمان والمكان أو من خلال التوتر التصاعدي في الحكاية، التي غلب عليها الطابع السينمائي في حس تجريبي اتبعه المخرج، سواء في روايتها وفي طرق التشكيل التي اتبعها في تكوينات عدة داخل العرض، حتى في لحظة التحية الختامية التي امتدت لما يقارب عشر دقائق، حيث ظهرت صور المشاركين في الخلفية مع خروجهم في مشهد أشبه لأجواء المهرجانات. أما موسيقى أحمد الناصر، فكانت في المجمل متناغمة مع إيقاع العرض ومزاجه العام، رغم بعض التفاوت في توازنها الصوتي، الذي تسبب أحيانا في طمس مساحات من الجمل الحوارية، خصوصا في المشاهد المشحونة عاطفيا أو ذات الدراما الصارخة مثل مشهد اقتلاع عين "غلوستر" (طارق دسوقي) الرجل الثاني في المملكة.

من قلب هذا الاحتفال الكرنفالي، قاد شادي سرور العرض بثقة مخرج يتقن أدواته، موزعا رهاناته بين عناصر النص والفرجة، غير أن الرهان الأكبر، والحقيقي، كان معقودا على حضور تجاوز توقعات يحيى الفخراني. فعلى الرغم من المتاعب الصحية الواضحة، لم يتوانَ الرجل، بلغة المسرح، عن "شيل" العمل بكامله تقريبا عبر مشاهده ومناظره، وبدلا من إخفاء آثار المرض أو التحايل على التقدم في العمر، جرى توظيف ذلك بذكاء ورهافة داخل البناء الدرامي. فكل لحظة اتكاء أو استراحة جسدية بدت منسجمة تماما مع تطوّر شخصية الملك الشيخ، بالتنقل بين مستويات التعبير النفسي والجسدي والصوتي، وتطويع التفاصيل لصالح حضور داخلي لا تشوبه الشيخوخة، بل يكتسب منها بعدا جديدا مغلفا بالمرارة والسخرية في الوقت ذاته.

جاء الإبهار البصري أحد أبرز رهانات المخرج شادي سرور من خلال الاعتماد الكثيف على السينوغرافيا الرقمية والغرافيك

يُذكر أن الفخراني اعتمد منذ النسخة الأولى للمسرحية على ترجمة د. فاطمة موسى، بعد رحلة بحث ومفاضلة دامت ستة أشهر، استقر خلالها على الترجمة التي ظل يلتزمها في جميع العروض دون أن يغير فيها حرفا، كما يؤكد. وبالرغم من وفائه للنص الأصلي، لم يكن من الممكن تجاهل ضرورة التكيّف مع متطلبات المسرح الحديث، فاختصرت فصول شكسبير الخمسة إلى جزءين مع الحفاظ على الروح الأساسية للعمل، الذي تميز أيضا بلمسات الفخراني الخاصة. في واحدة منها، نتابع الملك لير يولول على الطريقة المصرية وهو يلعن ابنته العاقة، بينما لا تكف الجمل الشعرية في النص عن التجدد، مثل قوله "الويل لمن يؤخر التوبة حتى فوات الأوان"، أو اعترافه "أما أنا فقد خفّت ذنوبي بما ارتكبوا في حقي من خطايا"، وفي المقابل تصدح حكمة البهلول الساخرة "إذا لم تعرف كيف تميل مع اتجاه الريح، أصابتك ضربة البرد". بين التحولات النفسية من الخطاب الملكي الرصين إلى الهذيان، بقي الجمهور مأخوذا بعزف الفخراني طوال مدة العرض حتى انفلتت الهتافات من القاعة في النهاية "بنحبك يا أستاذ".

في محبة الأستاذ

أثناء حوار سابق لمفيد فوزي مع الفنان يحيى الفخراني، لخّص الإعلامي سر تعلقه بفنه في عبارة موجزة تكشف الكثير، "أنا بصدقك". هذه الجملة، رغم بساطتها الظاهرة، تصلح مفتاحا حقيقيا لفهم تجربة الفخراني، التي تنبع من صدق داخلي وإنسانية متأصلة في جوهر الشخصية. في أعماله، لا يبدو الفخراني ممثلا يتقمص شخصية أو يعيد تشكيلها ونحتها كما يفعل كثيرون، بل ينفخ فيها من روحه، فيتماهى معها تماهيا يصعب فصله، ومن ثم، يبقى طيفه الشخصي حاضرا بقوة خلف كل دور يؤديه. يحركه حب التشخيص قبل احترافه، لذلك حرص على الانوجاد في موقع التصوير قبل الجميع. في إحدى المرات، كما تروي زوجته الكاتبة لميس جابر، وصل إلى الأستوديو قبل أن يُفتح أصلا.

AFP
الممثل المصري يحيى الفخراني يحضر مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي في دورته الثامنة، 3 يونيو 2015. تنافس في المهرجان 38 فيلما من 17 دولة عربية وغربية

وما يزيد ثقل تجربة الفخراني ويمنحها بعدا استثنائيا، هو تنوعها اللافت في أكثر من مجال فني، سواء في الإذاعة والمسرح أو الشاشة، وخصوصا الدراما التلفزيونية التي رسّخ فيها مكانته كأحد أعمدة الدراما في مصر والعالم العربي. البداية كانت مطلع الثمانينات مع مسلسل "صيام صيام"، أول بطولة له على الشاشة الصغيرة. لكن المحطة المفصلية في هذا المسار جاءت مع شخصية سليم البدري في "ليالي الحلمية"، درة الدراما المصرية. ومن الطريف أن الفخراني كان مرشحا في البداية لأداء دور العمدة سليمان غانم، الدور الذي برع فيه الفنان صلاح السعدني، لكن الفخراني اختار الباشا، رغم اندهاش الكاتب أسامة أنور عكاشة من هذا القرار، إلا أن الأداء الهادئ، المحسوب الذي قدّمه، جعل الشخصية واحدة من أميز وأبرز محطاته الفنية على الإطلاق.

لم يتوانَ الفخراني، بلغة المسرح، عن "شيل" العمل بكامله، وبدلا من إخفاء آثار المرض أو التحايل على التقدم في العمر، جرى توظيف ذلك بذكاء ورهافة داخل البناء الدرامي

لم يكن من الغريب أن تلتفت الأنظار إلى النموذج الذي قدمه الفخراني منذ ظهوره، والذي يبتعد كثيرا عن المقومات المعتادة لنجوم الشاشة، سواء على مستوى الوسامة أو التكوين الجسدي. على أن الفخراني لم يفتقر إلى الوسامة، بيد أنها وسامة من نوع مختلف يقترب فيها أكثر من النموذج البسيط من عموم الناس، خصوصا مع تكوينه الجسدي، لتبقى خفة الدم والحضور هما الأبرز في حالة كهذه، وهو الأمر الذي لم يشبع الفخراني يوما ما أو يكتفي به، حيث استغل الكاريزما الطفولية التي يتمتع بها للتحليق إلى مناطق ربما لم يطرقها غيره من قبل. أمام هذه الملامح المفرطة في الطيبة والألفة، كان من الصعب أن يستعان به في تجسيد أدوار الشر، على الرغم من ذلك لم يخل رصيده من أداء شخصيات كتلك، وإن كان بقدر قليل، لعل من أبرزها دوره في فيلم "الغيرة القاتلة"، باكورة أفلام عاطف الطيب.

أما بدايته مع السينما فكانت من خلال فيلم "آه يا ليل يا زمن" 1977، منطلقا في مساره السينمائي بتأنٍ، فلم يسعَ وراء البطولة المطلقة أو نجومية شباك التذاكر. وعلى الرغم من أن السينما لم تكن ملعبه الأساس، إلا أن حضوره فيها كان لافتا ومميزا، بأدوار انتقائية رسمت له خطا خاصا وسط زحام نجوم الثمانينات والتسعينات. من أشهر أفلامه: "الكيف"، "أرض الأحلام"، "حب في الزنزانة"، "محاكمة علي بابا"، "إعدام ميت"، "مبروك وبلبل"، و"خرج ولم يعد"، التعاون الثاني له مع المخرج محمد خان، وواحد من أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.  

Reuters
يحيىى الفخراني والفنانة يسرا خلال حفل افتتاح مهرجان أبوظبي السينمائي في قصر الإمارات، 14 اكتوبر 2010

لم يكن الفيلم مجرد محطة بارزة في مسيرة أي منهما، بل جاء كلحظة صفاء فني نادر جسد واحدا من أنقى تجليات المدرسة الواقعية في السينما المصرية، وأكثرها رهافة وصدقا، بداية من الجملة التي صدّر بها خان فيلمه وما تحمله من دلالة: "ربما كانت الشخصيات من الخيال، لكن ثق أن الأماكن من الواقع". الفيلم مقتبس من كتاب "براعم الربيع" للكاتب البريطاني هربرت بيتس، وكتب له السيناريو، بترشيح من الفخراني، عاصم توفيق، مؤلف مسلسل "أيام المرح" الذي عرض في السبعينات وكان من أوائل الأعمال التي تعرّف من خلالها الجمهور الى وجه الفخراني.

ما يزيد ثقل تجربة الفخراني ويمنحها بعدا استثنائيا، هو تنوعها اللافت في أكثر من مجال فني، سواء في الإذاعة والمسرح أو الشاشة

واجه الفيلم في البداية تحفظات عديدة من نجوم الصف الأول آنذاك، مثل كمال الشناوي ومحمود مرسي وعادل أدهم وحسن عابدين، وحتى فريد شوقي رفض الفيلم في البداية، قبل أن يوافق بعد إلحاح من خان، ليبدي إعجابه به لاحقا عقب مشاهدته في عرض خاص. من الطريف أن الفيلم، الذي صُور في قرية بمحافظة بنها على مدى أربعة أسابيع، أدى إلى زيادة وزن الثلاثي (محمد خان وفريد شوقي والفخراني)، كما يقول، بفعل وفرة مشاهد الطعام سواء أمام الكاميرا أو خلفها، التي كانت بدورها عنصرا دلاليا محوريا في نسيج الفيلم.

وُلد الفخراني في السابع من أبريل/نيسان 1945، وتخرج في كلية الطب ممارسا عاما للأمراض الباطنية، كما عمل لسنوات في القسم الطبي باتحاد الإذاعة والتلفزيون قبل أن يتفرغ للمهنة التي عشقها. وخلال مشواره الفني، لم يكن مجرد نجم لامع يتصدر الشاشات، بل كان، ولا يزال، أحد آخر الملامح الأصيلة التي تبقت من زمن تتداعى ظلاله أمام أعيننا، في وجه طوفان "النجومية" المصطنعة. في حواره المذاع أخيرا مع عمرو الليثي، يستعيد السيناريست يوسف معاطي واقعة طريفة لكنها دالة، حين خرج بصحبة الفخراني بعد عرض مسلسل "يتربى في عزه" لتناول طبق كشري، وقبل أن ينزل الفخراني من سيارته، فوجئ بحشد من محبيه يسبقونه لا لالتقاط الصور أو طلب التوقيع، بل ليعبّروا عن مشاعر يختلط فيها الحب بالتقدير، في مشهد لا يُنسى، رفعوا فيه السيارة عن الأرض بأيديهم.

font change

مقالات ذات صلة