الرياض... بوصلة "مستقبل الاستثمار" ومفتاح إعادة الإعمار في المنطقة

نخبة قادة الأعمال يستشرفون من السعودية الخريطة الاعمارية والاستثمارية الجديدة في 2026

المجلة
المجلة

الرياض... بوصلة "مستقبل الاستثمار" ومفتاح إعادة الإعمار في المنطقة

يجتمع قادة المال والأعمال والصناعة والتكنولوجيا، إلى جانب نخبة واسعة من الزعماء السياسيين والديبلوماسيين ضمن فاعليات الدورة التاسعة من مبادرة مستقبل الاستثمار (FII) في الرياض بين 27 و30 أكتوبر/تشرين الأول، في لحظة مفصلية على طريق تحقيق "رؤية السعودية 2030" الطموحة لتنويع الاقتصاد السعودي.

تكتسب نسخة هذه السنة أهمية خاصة، إذ هي أول مناسبة اقتصادية-سياسية كبرى تجمع قادة الأعمال لمناقشة التحولات، بعد تداعيات الحرب المدمرة على غزة، والتحولات في سوريا بعد سقوط حكم آل الأسد في سوريا، وستطرح تحديات وفرص إعادة الإعمار والاستثمار والتنمية الإقليمية. كما أن سوريا ستكون حاضرة بقوة من خلال مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع.

وكذلك لفت الرئيس التنفيذي لشركة "إيلفار 360" للاستشارات وائل مهدي، أن "عام 2025 يعد علامة فارقة لأنه يطلق العد التنازلي لعام "رؤية السعودية 2030" وستسلط مبادرة مستقبل الاستثمار هذه السنة الضوء على التحول الاقتصادي الذي أنجز في المملكة والتحديات المتوقعة".

وأضاف أن المناسبة "ستبرز الثقل الجيوسياسي للسعودية على الساحة العالمية"، في إشارة إلى دور الرياض في حشد الدعم الدولي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين وفي استخدام نفوذها للضغط على الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف الهجوم الإسرائيلي في غزة.

اتفاق السلام في غزة، "على الرغم من هشاشته، لديه القدرة على رفع الأهمية الجيوسياسية المباشرة لمبادرة مستقبل الاستثمار، وقد يحول القمة إلى منصة محتملة لبحث المسار الاقتصادي للمنطقة"

رياض قهوجي، مدير معهد دراسات الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري

 وأشار مدير معهد دراسات الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (INEGMA) رياض قهوجي، إلى أن اتفاق السلام في غزة، "على الرغم من هشاشته، لديه القدرة على رفع الأهمية الجيوسياسية المباشرة لمبادرة مستقبل الاستثمار، وقد يحول القمة إلى منصة محتملة لبحث المسار الاقتصادي للمنطقة".

التجمع الأكبر وقضايا كبرى

سيكون هذا التجمع الأكبر منذ انطلاق مبادرة مستقبل الاستثمار عام 2017 بمبادرة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفقا للمنظمين، مع مشاركة نحو 600 متحدث. وتعد المبادرة إحدى الركائز الأساس لـ"رؤية 2030" التي أُطلقت عام 2016، بهدف تنويع الاقتصاد الوطني بعيدا من النفط، من خلال تطوير قطاعات التمويل والخدمات اللوجستية والسياحة والرياضة والتكنولوجيا، إلى جانب الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.

واس
النسخة الثامنة من مبادرة مستقبل الاستثمار ، في الرياض 24 أكتوبر 2025

ويخصص اليوم الختامي من الحدث، المعروف باسم يوم الاستثمار، لإبرام الصفقات وبناء الشراكات وعرض تقنيات الجيل المقبل. وعادة ما يشهد هذا اليوم إعلان اتفاقيات ومبادرات تقدر بمليارات الدولارات في أربعة مجالات رئيسة هي: الذكاء الاصطناعي والروبوتات، الاستدامة، الرعاية الصحية، والتعليم.

وشهدت النسخة الثامنة من الحدث في عام 2024 إعلان صفقات بقيمة 70 مليار دولار خلال يوم الاستثمار، بحسب المنظمين. وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان، قدم في مداخلة له أمام اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هذا الشهر في واشنطن، لمحة عن القضايا التي تحظى باهتمام المملكة على صعيد التكنولوجيا والتنمية الاقتصادية والاستدامة، وهي الموضوعات التي سيناقشها المؤتمر. وأشار إلى أن المملكة تمتلك ميزتين استراتيجيتين في مجال الذكاء الاصطناعي:

- طاقة متوافرة بتكلفة منخفضة نسبيا لتشغيل مراكز البيانات، نتيجة مشاريع الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي الجاري تنفيذها بوتيرة متسارعة.

- تركيبة سكانية شابة، حيث يشكل السعوديون دون سن 35 عاما نحو 70 في المئة من السكان، مما يوفر قوة عاملة نشأت في العصر الرقمي وقادرة على تولي وظائف المستقبل التي لم تظهر بعد، الأمر الذي يجعل المملكة وجهة جذابة لمستثمري التكنولوجيا.

عمالقة المال والتكنولوجيا

ومن المتوقع أن يحضر المؤتمر عدد من عمالقة المال والمصارف الأميركية، من بينهم: جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لـ"جي. بي. مورغان"، جيني جونسون الرئيسة التنفيذية لـ"فرانكلين تمبلتون"، لاري فينك الرئيس التنفيذي لـ"بلاك روك"، ديفيد سولومون الرئيس التنفيذي لـ"غولدمان ساكس"، ديفيد روبنشتاين الرئيس المشارك لـ"كارلايل"، وجين فريزر الرئيسة التنفيذية لـ"سيتي غروب" وهي أيضا الرئيسة المشاركة لمجلس الأعمال الأميركي-السعودي.

من أبرز المشاركين من عمالقة المال والمصارف رؤساء "جي. بي. مورغان"، "بلاك روك"، "غولدمان ساكس"، "كارلايل"، "سيتي غروب"، فرانكلين تمبلتون" و"توتال إنرجيز"، "ألفابت" و"غوغل"

كما سيشارك في المؤتمر قادة الصناعة والتكنولوجيا، من بينهم باتريك بويانيه، الرئيس التنفيذي لـ"توتال إنرجيز"، سارة فراير، المديرة المالية لـ"أوبن إيه. آي." ، وروث بورات، رئيسة "ألفابت" و"غوغل"، بحسب المنظمين.

وسيمثل الرؤية السعودية شخصيات بارزة تقود تحول المملكة وديبلوماسيتها، من بينهم وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة الأميرة ريما بندر آل سعود، محافظ صندوق الاستثمارات العامة (PIF) ياسر الرميان، وزير الاستثمار خالد بن عبد العزيز الفالح، رئيس "أرامكو" السعودية أمين الناصر، والرئيس التنفيذي لشركة الذكاء الاصطناعي السعودية "هيومان" طارق أمين. ومن بين ممثلي القطاع الخاص رئيسة مجلس إدارة البنك السعودي الأول لبنى العليان.

المصلحة العامة على رأس الأولويات

يعقد الحدث في وقت شدد فيه ولي السعودي العهد الأمير محمد بن سلمان، في وقت سابق من السنة الجارية، على ضرورة مواءمة تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية مع المصلحة العامة، حتى لو تطلب ذلك تقليص بعض المشاريع الطموحة المرتبطة بـ"رؤية 2030"، مثل مدينة "نيوم" المستقبلية.

رويترز
العاصمة السعودية الرياض، 28 مايو 2025

وقال ولي العهد في كلمة أمام مجلس الشورى بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول، إن "المصلحة العامة هي الهدف الأسمى الذي نتوخاه من تلك البرامج والمستهدفات. ونحن عازمون على إكمالها وتحقيقها. إلا أننا نؤكد أيضا أننا لن نتردد في إلغاء أو إجراء أي تعديل جذري لأي برامج أو مستهدفات إذا تبين لنا أن المصلحة العامة تقتضي ذلك".

ورأى وزير المالية محمد الجدعان، أن توجيهات ولي العهد تعني أن تنفيذ المشاريع الكبرى يجب أن يخضع لمبادئ المرونة المالية، لضمان تحقيق قيمة طويلة الأجل، وإنتاجية، واستدامة. تجدر الإشارة إلى أن المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، شهدت انخفاضا في دخلها من مبيعات الطاقة بسبب تراجع أسعار النفط.

إذا لم يكن من المنطقي الاستمرار في أي استراتيجيا أو مشروع، فلن نتردد في تغييره أو إيقافه أو تمديده

وزير المالية السعودي عبد الله الجدعان

وقال الجدعان في اجتماع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي: "يجب أن نفصل هذه البرامج تماما عن أي غرور مفاده أننا بدأنا في تنفيذ شيء ما وروجنا له، وبالتالي علينا التمسك به". وأضاف: "إذا لم يكن من المنطقي الاستمرار في أي استراتيجيا أو مشروع، فلن نتردد في تغييره أو إيقافه أو تمديده".

من جهة أخرى، قال الجدعان إن الحكومة قررت تسريع تطوير بعض الصناعات، مثل الخدمات اللوجستية، نظرا لدورها الحيوي في تمكين قطاعات السياحة والصناعة والإنتاج السريع النمو. وأضاف أن قطاع السياحة قد تجاوز بالفعل هدف عام 2030 المتمثل في استقبال 100 مليون سائح سنويا.

مفتاح الازدهار بعيدا من الحرب

تطرح المناقشات في الحدث تحت شعار "مفتاح الازدهار: إطلاق آفاق جديدة للنمو"، وتركز على ثلاثة محاور رئيسة:

-"التقدم": يتناول كفاءة الأسواق في استغلال الموارد الطبيعية، وتكاليف التنمية الرقمية من حيث استهلاك الطاقة، والتكلفة البيئية للنمو الاقتصادي.

واس
وزير النقل السعودي صالح الجاسر خلال مراسم التوقيع بين شركة السكك الحديدية السعودية (سار) مع شركة "أرسينالي" الإيطالية لإنتاج عربات فاخرة، على هامش مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، 26 أكتوبر 2025

-"الابتكار": يشمل مناقشات حول الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، وتمكين رواد الأعمال في قطاع التكنولوجيا، وتعزيز المرونة المناخية.

-"التفكك": يسلط الضوء على الأخطار الاقتصادية والجغرافية، ويبحث سبل تعزيز التعاون بين الدول المتقدمة والنامية (الشمال العالمي والجنوب العالمي)، والفجوة النقدية بين العملات الورقية والمشفرة، والتحديات في نظام عالمي مترابط ومتنافس في الوقت نفسه لتأمين سلاسل التوريد، والرقائق الميكروية، والمعادن النادرة اللازمة للتطبيقات عالية التقنية والطاقة الخضراء.

إن زخم إعادة الإعمار والتأهيل يتقدم في غزة وسوريا ولبنان، والمملكة العربية السعودية هي قوة دفع رئيسة، بفضل قوتها المالية ونفوذها لدى القوى السياسية والاقتصادية العالمية، وخصوصا الولايات المتحدة، الممثلة بكثافة في "مبادرة مستقبل الاستثمار"

ناجي أبي عاد، خبير الطاقة المقيم في فيينا والمستشار الاقتصادي السابق لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)

وقال ناجي أبي عاد، خبير الطاقة المقيم في فيينا والمستشار الاقتصادي السابق لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) إنه "على الصعيد الجيواقتصادي، تنعقد مبادرة مستقبل الاستثمار في وقت تتحول فيه المنطقة بعيدا من الحرب والمواجهة".
وأضاف: "إن زخم إعادة الإعمار والتأهيل يتقدم في غزة، وفي سوريا، وفي لبنان، والمملكة العربية السعودية هي قوة دفع رئيسة، بفضل قوتها المالية ونفوذها لدى القوى السياسية والاقتصادية العالمية، وخاصة الولايات المتحدة، الممثلة بكثافة في مبادرة مستقبل الاستثمار".

الديبلوماسية وتعزيز الاستثمار

من المقرر أن يقوم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في نوفمبر/تشرين الثاني بأول زيارة دولة إلى الولايات المتحدة خلال ولاية الرئيس ترمب الثانية، يتوقع خلالها توقيع حزمة من الاتفاقات الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وفقا لوسائل الإعلام الأميركية.

وكانت أول رحلة خارجية كبرى لترمب في ولايته الثانية إلى المملكة العربية السعودية، حيث أعرب عن أمله في أن تعزز الدولتان علاقاتهما التجارية، والاقتصادية والعسكرية والأمنية. وأعلنت القيادة السعودية عزمها استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال زيارة ترمب التي أعطت زخما جديدا للتحالف التاريخي بين الدولتين مع خطط لتطوير مشاريع الذكاء الاصطناعي والدفاع.

وفي حدث آخر سلط الضوء على الديبلوماسية السعودية، نظمت المملكة بالتعاون مع فرنسا في سبتمبر/أيلول مؤتمرا في الأمم المتحدة لتعزيز حل الدولتين، أعلنت خلاله عشر دول اعترافها بالدولة الفلسطينية.

واس
وصول رئيس الحكومة الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى برفقه وفدا إلى الرياض، لحضورمبادرة مستقبل الاستثمار، 25 أكتوبر 2025

وقال وائل مهدي إن "رؤوس الأموال العالمية تسعى بطبيعة الحال إلى بيئة مستقرة وذات صدقية لإطلاق مشاريع البنية التحتية وجهود التعافي الإنساني"، مضيفا أن "تلاشي خطر الحرب يعيد تركيز الجهود على الأساسيات، ويتيح فرصا كبيرة لمشاريع البنية التحتية الإقليمية، والطاقة المتجددة، وإنعاش قطاع السياحة".

"بوصلة الأولويات"

سيُفتتح المؤتمر بكلمة لياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة (PIF) الذي تتخطى قيمته تريليون دولار، يستعرض خلالها "بوصلة الأولويات"، وهو مسح يجمع رؤى عشرات الآلاف من الأشخاص في 32 دولة، لتوجيه المناقشات نحو حلول ملموسة قائمة على احتياجات المواطنين.

وكانت "بوصلة الأولويات" لعام 2024 قد حددت التضخم وتكاليف المعيشة، والحوكمة السياسية والفساد، والوصول إلى الرعاية الصحية، وقضايا التلوث وتغير المناخ من بين أبرز القضايا التي أشار إليها المشاركون في المسح.

font change

مقالات ذات صلة