أكثر من 20 شخصية في الحكومة السورية وصلت موسكو يوم الخميس 31 يوليو/تموز، في أول زيارة رسمية سورية إلى روسيا بعد سقوط النظام، الوفد يرأسه كل من وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس الاستخبارات السورية حسين سلامة، وماهر الشرع الأمين العام لرئاسة الجمهورية العربية السورية. حقيبة الوفد السوري فيها كثير من الملفات لبحثها مع الجانب الروسي، أبرزها القواعد الروسية في سوريا، مصير الاتفاقيات الاقتصادية السورية-الروسية زمن النظام السابق، والتدخلات الإسرائيلية جنوب سوريا، وملف العلاقة مع "قسد" وفلول النظام السوري.
وبحسب معلومات "المجلة" فإن الزيارة التي كان من المتوقع أن تتم نهاية شهر يونيو/حزيران تأجلت من طرف الحكومة السورية، إلا أن التعقيدات التي خلفتها التوترات الدموية في الجنوب السوري والتدخل الإسرائيلي بحجة حماية الدروز في سوريا، أمور عجّلت اللقاء، ذلك لرغبة الحكومة السورية في إيصال عدّة رسائل داخلية وخارجية من خلال زيارة روسيا. كما أن الزيارة التي امتدت ليومين تضمنت لقاءات مع رجال الأعمال السوريين في روسيا، بغية فتح أبواب تعاون وإخبارهم بأن دورهم في إعادة إعمار سوريا والاستثمار الاقتصادي مرحّب به.
روسيا التي وجّهت الدعوة للحكومة السورية أكثر من مرة لزيارة موسكو، احتفت بزيارة الشيباني الذي دخل الكرملين والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد ساعات من لقاء جمع الشيباني وماهر الشرع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ثم لقاء جمع الشيباني، ومرهف أبو قصرة، وسلامة مع وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف. ويبدو أن اللقاء مع بوتين- الذي لم يكن محسوما قبل الزيارة- جاء كتتويج لـ"النقاشات الإيجابية" مع لافروف وبيلوسوف، بحسب قول مصدر دبلوماسي لـ "المجلة". وأضاف إن ماهر ، شقيق الرئيس السوري أحمد الشرع، لعب دورا جوهريا في ترتيب أجندة الزيارة واللقاءات التي تمت مع كبار رؤوس الأموال السوريين في موسكو، إضافة إلى أن وجوده كان عاملا في كسر الجليد بين الطرفين.
وبحسب مصادر "المجلة"، فإن اللقاء مع الرئيس بوتين امتد لنحو ساعة تضمن توافقا على إعادة تفعيل اللجنة السورية الروسية المشتركة التي كانت على زمن النظام مع استبدال المسؤولين فيها، وستكون مهمتها التنسيق بين سوريا وروسيا على مستوى ملفات السياسة والأمن والاقتصاد. كما تضمنت اللقاءات رسائل روسية للوفود السورية باستعداد روسيا لتقديم تسهيلات على مستوى التعاون الدفاعي بين سوريا وروسيا.
وكانت "المجلة" قد نشرت قبل أيام أن روسيا ما زالت تنظر بإيجابية لمصير علاقاتها مع سوريا، وتعتقد أن تحول سوريا إلى المحور الغربي ليس حتميا، وأن لدى روسيا فرصة للتواصل مع دمشق والتفاهم معها من الناحية العسكرية، وذلك عبر تقديم تسهيلات للحكومة السورية لشراء السلاح الروسي لتدعيم قوات الجيش السوري الجديد. وترى موسكو أن هذا يُمهد الطريق أمام الحصول على موافقة دمشق على بقاء روسيا في حميميم أو القامشلي.
أولويات سورية متقلبة
منذ سقوط النظام السوري مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهروب بشار الأسد إلى روسيا التي أعطته حقّ اللجوء الإنساني، كانت أولويات الحكومة السورية تتركز على عدّة ملفات، أبرزها محاولة استعادة بشار الأسد وقادة عسكريين كانوا عونا للأسد في حربه ضد السوريين، واستعادة الأموال السورية الموجودة في روسيا، إضافة إلى ملف التعويضات من الجانب الروسي على دوره في دعم الأسد عسكريا واستهدافه للمدنيين السوريين والبنية التحتية السورية. هذه الأولويات بدأت تتغير وتُضاف إليها أولويات أمنية، سيّما بعد أحداث الساحل السوري شهر مارس/آذار الماضي، ولجوء العشرات من مقاتلي النظام السوري السابق إلى قاعدة حميميم في اللاذقية كملاذ آمن، وبدء دعوات في الساحل السوري لطلب الحماية الروسية.
هذا التطور خلق حالة من القلق لدى الحكومة السورية، وازداد هذا القلق مع قيام روسيا بخطوات عسكرية صامتة شرق الفرات في مطار القامشلي من خلال التواصل مع قادة النظام السابق وإقناعهم للعمل معها، إضافة إلى تعزيز النفوذ العسكري لها في المطار الذي يُعتبر خارج المدار الجغرافي للحكومة السورية، كون المنطقة تقع تحت سلطة "قوات سوريا الديمقراطية". تحوّلات غيرت أولوية الحكومة السورية.