بيوت أدباء مصريين تحولت إلى متاحف وأخرى تنتظر

أبرزهم أحمد شوقي وطه حسين والعقاد ونجيب محفوظ

AFP
AFP
صورة في 7 نوفمبر 2019 لملصق ضخم لنجيب محفوظ في متحفه بحي الأزهر في القاهرة

بيوت أدباء مصريين تحولت إلى متاحف وأخرى تنتظر

القاهرة: ليست بيوت كبار الأدباء والكتاب والمبدعين في مصر مجرد أماكن سكن بها هؤلاء الكتاب، بل هي مراكز إشعاع ثقافي وفكري، ففيها ولدت بعض أعظم الأعمال التي ساهمت في تشكيل الوعي المصري والعربي. بعضها تحول إلى متاحف تخلد ذكراهم، بينما بقي البعض الآخر شاهدا صامتا على عصور ذهبية من الإبداع وحالت الظروف دون تحويلها إلى متاحف أو مراكز لما قدموه من إبداع وثقافة، والحفاظ على تلك البيوت لا يعد حفظا للتراث فحسب، بل هو امتداد طبيعي لمسيرة التنوير التي قادها هؤلاء في زمنهم، والتي تستلهم منها الأجيال روح الإبداع والعطاء.

حراس الذاكرة

في الأزقة الهادئة أو الأحياء الشعبية أو حتى الفيلات الراقية، تقف بيوت بعض من أفضل الأدباء والكتاب في مصر كأنها تحرس ذاكرة البلاد. كانت مصانع للأفكار، وساحات لمعارك الكلمة. وبين جدرانها كتبت روايات خالدة، ودارت نقاشات فلسفية، وبني وعي أجيال كاملة. ورغم إطلاق مبادرات لتكريم رموز الأدب مثل وضع لافتات على مداخل منازلهم "هنا عاش..." أو تحويل بعضها إلى متاحف، فإن هذه الخطوات غالبا ما تأتي متأخرة، وتواجه عقبات بيروقراطية. وكان يصطدم بعضها بعقبات قانونية مثل ملكية العقار أو رفض الورثة أو حتى الحالة الإنشائية للبيت.

وفي زمن تتسابق فيه دول العالم على تخليد رموزها الأدبية بتحويل منازلهم إلى متاحف نابضة بالحياة، تقف مصر رغم عظمة أسمائها الأدبية أمام سؤال: لماذا لا تخلد مصر كتابها بما يليق بهم؟ ولماذا يترك إرثهم للنسيان؟

بين حكايات متاحف قائمة تروي سيرة نجيب محفوظ وطه حسين وأحمد شوقي، وبيوت مغلقة على ذاكرة يوسف إدريس وصلاح عبد الصبور وإحسان عبد القدوس وخيري شلبي وعبد الرحمن الأبنودي، يتكشف مشهد ثقافي مشوب بالأسى والتقصير.

بيت طه حسين

عاش طه حسين (1889- 1973) فى أماكن مختلفة منها حي السكاكيني وحي الزمالك ثم استقر بقية عمره فى "فيلا رامتان"، حيث يعرف بيت عميد الأدب العربي باسم "رامتان"، والكائن حاليا بشارع الحلمية المتفرع من شارع الهرم، والذي كان مقر إقامته لسنوات طويلة، وقامت الدولة المصرية ممثلة في وزارة الثقافة في إطار سعيها لتكريم رموزها الكبار في مجالات الثقافة والفنون، وإيمانا بقيمة عطائهم الخالد، بشراء منزل عميد الأدب العربي.

في هذا المنزل كتب طه حسين روائع مثل "الأيام"، ويضم المتحف اليوم أثاثه الأصلي، ومكتبه الضخم، وآلة كاتبة استخدمها، وأوراقا بخط زوجته سوزان، فضلا عن مقتنيات نفيسة

وبعد مشاورات طويلة ومداولات شابها الحرص والاهتمام، حول المنزل أخيرا إلى متحف يخلد سيرة عميد الأدب العربي. وفى 28 يناير/ كانون الأول 1992، وقع عقد البيع الابتدائي بين الدكتور محمد حسن الزيات، وكيل الورثة، والفنان فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، ونص العقد على أن يكون هذا المتحف منارة ثقافية ومركزا عالميا للإشعاع الأدبي والفكري. وتولى المركز القومي للفنون التشكيلية إعداد مشروع متكامل، تمثل في إقامة مبنى حديث مقابل للمتحف، يضم قاعات للإدارة، ومساحات مخصصة للأنشطة الثقافية، بالإضافة إلى مركز معلومات ومكتبة تضيء دروب الباحثين والمهتمين، لواحد من أهم المبدعين العرب في القرن العشرين، كما أنه أصبح منارة البحث لطلاب العلم في مصر. وقد أصبح متحفا يضم مكتبته الخاصة، وغرفته التي كان يكتب فيها، إلى جانب وثائق وصور نادرة. يعكس المكان شخصية طه حسين وثقافته الموسوعية.

AFP
صورة التُقطت في 24 يونيو 2019 تُظهر تمثالاً ضخما للكاتب المصري الراحل طه حسين داخل مبنى مكتبة الإسكندرية

كان يوم الأحد عند عميد الأدب العربي موعدا ثابتا لا يتغير، يتفرغ فيه لاستقبال صفوة الأدباء وأعلام الجامعات. وكان من أكثر رواده وفودا أساتذة اللغة العربية بجامعتي القاهرة وعين شمس، يأتونه بقلوب مفعمة بالتقدير، يستأنسون برأيه، ويسترشدون بحكمته في شؤونهم العلمية والأكاديمية، وكأن بيته امتداد للجامعة، وروحه مرجع لا غنى عنه.

في هذا المنزل كتب طه حسين روائع مثل "الأيام"، ويضم المتحف اليوم أثاثه الأصلي، ومكتبه الضخم، وآلة كاتبة استخدمها، وأوراقا بخط زوجته سوزان، فضلا عن مقتنيات نفيسة، من كتب ومخطوطات نادرة. وتبلغ مساحة المنزل نحو 870 مترا مربعا، ويتكون من طابقين، مساحة كل منهما تقدر بنحو 250 مترا، ما يجعله موقعا مناسبا لاحتضان هذا المشروع الثقافي الوطني الذي يحفظ الذاكرة الأدبية لأحد أعظم من أنجبتهم مصر.

شقة نجيب محفوظ تحت تصرف أصحاب العمارة

عاش نجيب محفوظ (1911 –2006) في أكثر من مكان، ورغم ذلك فإن متحف "نجيب محفوظ" الواقع في تكية أبو الدهب بجوار الجامع الأزهر، يعرض مقتنياته الشخصية ومخطوطاته ورسائله، ويعد من أبرز المعالم الأدبية في مصر القديمة حاليا.

في حي العجوزة، وتحديدا إلى جوار مستشفى الشرطة الذي لفظ فيه محفوظ أنفاسه الأخيرة، تقف شامخة تلك العمارة التي احتضنت الروائي الكبير نجيب محفوظ، شاهدة على سنواته الأخيرة. وعلى مدخلها، وبمبادرة من وزارة الثقافة المصرية لتكريم رموز الإبداع، كتبت لافتة تقول ببساطة: "هنا عاش نجيب محفوظ".

متحف نجيب محفوظ في "تكية أبو الدهب" العتيقة يشبه عوالم رواياته مثل "الثلاثية" و"أولاد حارتنا"، و"الحرافيش"، حيث تختلط رائحة التاريخ بأنفاس الشخصيات

كان يسكن الطابق الأرضي بصحبة زوجته عطية عبد الله، وابنتيه أم كلثوم الشهيرة بـ"هدى" وفاطمة، في منزل امتلأ بالحياة والحكايات ورائحة الورق المتقادم. لكن بمرور الزمن، خفتت الأنفاس، وغابت الوجوه، ورحل محفوظ، ثم لحقت به رفيقة الدرب، حتى جاءت الأيام الأخيرة لتطوي صفحة ابنته فاطمة، التي غادرت هذا العالم أيضا. ولم يتبق من أسرته إلا ابنته هدى، تقيم وحدها في منزل بات صامتا، إلا من الذكريات التي تتردد بين الجدران. وتحدثت هدى نجيب محفوظ إلى "المجلة" قائلة إنها تركت تلك الشقة منذ سنوات، وبعد وفاه والدها فكروا في تحويل شقته إلى متحف ولكن والدتها كانت تعيش فيه قبل وفاتها ولم تعرض الدولة أي بديل للسكن أو أي مبلغ نقدي كما تعتقد، وأن والدتها تمسكت بمسكنها وبالأثاث والأغراض التي تمتلكها.

وأضافت أنها بعد وفاة نجيب محفوظ، لم تتواصل معها وزارة الثقافة بل تجاهلتها حتى في الإعداد للمتحف الخاص به في "تكية أبو الدهب" وهو ما اعتبرته أمرا غربيا.

AFP
صورة التُقطت في 7 نوفمبر 2019 تُظهر مكتب الأديب المصري الحائز نوبل نجيب محفوظ في متحفه بحي الأزهر، القاهرة

وتابعت أن "الشقة التي كان يقيم بها نجيب محفوظ تحت تصرف أصحاب العمارة ولا نعلم عنها شيئا حاليا"، مشيرة إلى أن الشقة الآن لا يوجد فيها أي شيء يخص والديها.

وقالت إن الأشياء الموجودة الآن في متحف تكية أبو الدهب كانت إهداء من الأسرة في حياة والدتها وكانت كلها موجودة في شقته بالعجوزة، حيث أهدت الأسرة إلى المتحف بعض الكتب بجانب الجوائز وأشياء خاصة بوالدها مثل السماعة والنظارة والقلم والبالطو والبدلة والقبعة والحذاء.

وليس من المبالغة القول إن قلب القاهرة الفاطمية ينبض باسم نجيب محفوظ. متحفه المقام في "تكية أبو الدهب" العتيقة يشبه عوالم رواياته مثل "الثلاثية" و"أولاد حارتنا"، و"الحرافيش"، حيث تختلط رائحة التاريخ بأنفاس الشخصيات، وكأنك تزور حي الجمالية نفسه، لكن من زاوية محفوظ الخاصة. هناك تشعر بأنك ربما تقابل "سي السيد" جالسا في ركن ما من المكان.

منزل عباس العقاد في أسوان

يقع منزل عباس محمود العقاد (1889- 1964) الذي أنشئ عام 1948 على مساحة 220 مترا مربعا، في مدينة أسوان جنوب مصر، حيث دفء النيل وصفاء السماء. في هذا المكان كتب مؤلفاته الفلسفية والنقدية، ودخل معارك فكرية وثقافية لا تزال آثارها تتردد حتى اليوم.

وفي عام 2023 ضجت مواقع التواصل في مصر بخبر نشرته بعض وسائل الإعلام، أن منزل الأديب الراحل عباس محمود العقاد جرى إخلاؤه تمهيدا لإزالته، وعبّر وقتها مثقفون وكتاب مصريون عن غضبهم واستيائهم بسبب ما نشر عن بدء إخلاء المنزل تمهيدا لإزالته. وهو ما نفاه المهندس رامي العقاد، حفيد الأديب المصري، مؤكدا آنذاك أنه لا أساس من الصحة لهذه الأخبار، فهو يقيم بداخله. وأضاف "لم نبلغ من المحافظة أو الحكومة بأي شيء عن هذا الموضوع".

تحول بيت العقاد إلى متحف يضم مكتبته الخاصة التي تحوي أكثر من 18 ألف كتاب، وبعض أثاثه الشخصي، وصوره مع شخصيات سياسية وأدبية وفكرية عالمية، وحتى ساعته القديمة ونظارته

وزارت وزيرة الثقافة المصرية السابقة، منزل العقاد، وأصدرت توجيهات بترميم المنزل ورفع كفاءته، وتحويله إلى متحف ومزار ثقافي وسياحي مفتوح في المحافظة، ليضم مقتنيات العقاد ومكتبته التي تبرعت بها أسرته، وبما يليق باسم الأديب الراحل ابن محافظة أسوان.

وتحول بيت العقاد إلى متحف يضم مكتبته الخاصة التي تحوي أكثر من 18 ألف كتاب، وبعض أثاثه الشخصي، وصوره مع شخصيات سياسية وأدبية وفكرية عالمية، وحتى ساعته القديمة ونظارته محفوظة هناك بدقة واهتمام.

Wikipedia
تمثال عباس محمود العقاد في مسقط رأسه أسوان

شقة إحسان عبد القدوس... لا مبادرات

في أحد شوارع حي الزمالك في مصر، تقف بناية بسيطة تخفي وراء واجهتها تاريخا أدبيا حافلا. هنا عاش الروائي والصحافي الكبير إحسان عبد القدوس، (1919 -1990)، وهنا كتب أشهر رواياته التي تحولت إلى أفلام خالدة في ذاكرة السينما المصرية. ومع مرور أكثر من خمسة وثلاثين عاما على رحيله، لا يزال بيته بعيدا عن أعين الجمهور، لم يتحول إلى متحف، ولم يفتح كمركز ثقافي يخلد سيرة صاحب "في بيتنا رجل" و"لا أنام" و"لن أعيش في جلباب أبي"، و"أنا حرة"، و"الوسادة الخالية".

رغم أن بيته لم يتحول إلى متحف، إلا أن منزل إحسان عبد القدوس في مصر لا يزال يذكر كواحد من بيوت الأدباء الذين مزجوا بين الصحافة والأدب وكان شاهدا على نشأة الرواية الصحافية في مصر، وكان بيت إحسان عبد القدوس ملتقى لكبار الفنانين والمثقفين مثل عبد الحليم حافظ وسعاد حسني ويوسف السباعي، وفيه ولدت شخصيات "لا أنام" و"في بيتنا رجل". حتى جدران المنزل تشهد لقلمه الذي مزج بين الرومانسية والثورة.

قال الكاتب الصحافي محمد إحسان عبد القدوس، نجل الأديب الراحل، إن الشقة التي كان يقيم فيها والده هي ذاتها التي يسكنها اليوم، ولا يملك بديلا منها. وأوضح أن الدولة لم تطرح على الأسرة من قبل أي مبادرات تتعلق بتحويل المكان إلى متحف أو ما شابه، مشيرا إلى أن هناك فتورا ملحوظا في اهتمام الجهات الرسمية بتكريم رموز الإبداع والأدب.

كان بيت إحسان عبدالقدوس ملتقى لكبار الفنانين والمثقفين مثل عبد الحليم حافظ وسعاد حسني ويوسف السباعي، وفيه ولدت شخصيات "لا أنام" و"في بيتنا رجل"

ودعا عبد القدوس الدولة إلى الالتفات إلى إرث هؤلاء المبدعين، والعمل على إنشاء متحف شامل يضم مقتنيات كبار الأدباء، لا أن يقتصر التكريم على اسم بعينه، بل ليكون حاضنا لذاكرة الإبداع المصري. كما أكد استعداد أسرته للتبرع ببعض المتعلقات والمقتنيات الخاصة بوالده، في حال قررت الدولة إنشاء مثل هذا المتحف، تقديرا لعطاء الأدباء وما تركوه من أثر.

كرمة ابن هانئ... بيت أمير الشعراء الذي لا يزال يتنفس شعرا

على ضفاف النيل في محافظة الجيزة، لا يزال منزل أمير الشعراء أحمد شوقي قائما كشاهد لمجد الكلمة وروعة الفن. ذلك القصر الذي حمل اسم "كرمة ابن هانئ" لم يكن مجرد مسكن لشاعر كبير، بل تحول إلى متحف أدبي فريد يحتضن ذاكرة شاعر نهض بالأدب العربي، وساهم في تشكيل وجدان أمة كاملة.

شيد المنزل عام 1914 ليكون ملتقى للأدباء والسياسيين والفنانين، ومن بينهم محمد عبد الوهاب، الذي اكتشفه شوقي واحتضنه فنيا، فكانت شرفة المنزل المطلة على النيل منصة لانطلاق الشعر والغناء إلى آفاق جديدة، ويطل النيل من النافذة كأنه ينصت الى قصائد "ولد الهدى" و"نهج البردة" وغيرها.

اليوم، يضم المتحف قاعات تعرض مخطوطات شوقي الأصلية، ومقتنياته الشخصية، ومكتبته العامرة بالكتب، إلى جانب قاعة خاصة بمسيرة عبد الوهاب، تقديرا للعلاقة التي جمعتهما.

"كرمة ابن هانئ" ليس مجرد مبنى أثري، بل أيقونة ثقافية تربط الماضي بالحاضر، وتؤكد أن الإبداع الحقيقي لا يموت، بل يتحول إلى ذاكرة نابضة تستدعي الزمن الجميل حين نحتاج إليه.

Wikipedia
متحف أحمد شوقي

منزل يوسف إدريس

في حي العجوزة جنوب مدينة القاهرة يقع منزل الأديب والروائي المصري الراحل يوسف إدريس (1927 - 1991)، صاحب روايات "الحرام" و"أرخص ليالي" و"العيب" و"قاع المدينة" وغيرها، ويعد إدريس أحد أهم كتاب القصة القصيرة في العالم العربي. لم يكن بيته فخما، لكنه كان غنيا بالحياة. جلس في شرفته كثيرا، يكتب عن الناس الذين مروا أمامه، عن صراعاتهم وآمالهم البسيطة. ورغم أن بيته الذي ولد وعاش فيه بدايته في قرية البيروم التابعة لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية، والقريب من مكتبة تحمل اسمه يواجه حاليا خطر الانهيار ويحتاج إلى ترميم، هناك مطالب بتحويله إلى معلم مركز ثقافي أو مزار سياحي.

بيت والدي يضم كنوزا أدبية لا تقدر بثمن. لكنه مغلق منذ سنوات، ووزارة الثقافة لم تبادر بأي خطوة لتحويله إلى متحف

نسمة يوسف إدريس

نسمة يوسف إدريس، قالت: "بيت والدي يضم كنوزا أدبية لا تقدر بثمن. لكنه مغلق منذ سنوات، ووزارة الثقافة لم تبادر بأي خطوة لتحويله إلى متحف".

منازل يحيى حقي

مع تجدد الحديث عن تكريم رموز الأدب المصري بتحويل منازلهم إلى متاحف تحفظ تراثهم وتخلد ذكراهم، حضر اسم الأديب الكبير يحيى حقي (1905 - 1992)، بوصفه أحد أهم أعمدة السرد العربي الحديث، وصاحب البصمة الخاصة في القصة والرواية والمقال الثقافي.

وعند الحديث مع ابنته نهى يحيى حقي في خصوص هذا الموضوع، أوضحت أن والدها لم يعش في منزل واحد ثابت، بل تنقل بين مساكن عدة خلال حياته، سواء في حي السيدة زينب أو في حي الزمالك أو في مصر الجديدة، أو أثناء عمله في السلك الدبلوماسي بالخارج.

وقالت السيدة نهى يحيى حقي، إن "والدي لم يترك منزلا بعينه يصلح ليكون متحفا دائما"، لكنها أبدت ترحيبها الشديد بفكرة إنشاء متحف جماعي شامل يضم تراث كبار الأدباء المصريين، بحيث يكون فضاء ثقافيا واحدا يخلد رموز الأدب والإبداع، ويعرض مقتنياتهم الأصلية ورسائلهم الخاصة.

وأكدت أنها على استعداد كامل للتبرع بعدد من مقتنيات والدها الخاصة لهذا المشروع الثقافي، ومنها بعض المخطوطات بخط يده، وصور نادرة، ومراسلات أدبية، ومجموعة من كتبه التي لا تزال تحتفظ بها. وطالبت بدعم مثل هذه المبادرات، فهي خطوة مهمة نحو تعزيز الذاكرة الثقافية المصرية، خصوصا في وقت باتت فيه الحاجة ماسة إلى صون تراث الكبار، ووضعه في متناول الأجيال الجديدة، لا كمجرد ذكرى، بل كمنارات إبداعية يستضاء بها.

فهل تتحمس الدولة والمؤسسات الثقافية لهذا المقترح النبيل؟ وهل نرى قريبا متحفا جماعيا يحتفي بأمثال يحيى حقي وتوفيق الحكيم وصلاح عبد الصبور وغيرهم من الكبار الذين صنعوا مجد الكلمة العربية؟

خيري شلبي

في حي المعادي بالقاهرة تقع شقة الأديب المصري الكبير خيري شلبي، (1938 –2011)، الذي يعد واحدا من أبرز كتاب الرواية الواقعية ورائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة، هذا البيت لم يكن مجرد مسكن عادي، بل كان "ورشة إبداع"، وملاذا لأبطال الحكايات، ومسرحا للبوح، وفضاء نابضا بتفاصيل الحياة المصرية بكل ما فيها من صراع ودفء وحكمة، ويعد شلبي من أفضل الروائيين الذين كتبوا عن الريف المصري، وكتب في شقته أشهر أعماله مثل "الوتد" و"وكالة عطية" و"بغلة العرش" و"الأوباش" و"صالح هيصة"وغيرها من الأعمال.

الأمر العملي حاليا أن تقوم الدولة بإنشاء متحف للأدباء والخالدين ورموزها بشكل عام، فيكون متحفا جماعيا يضم مقنيات الأدباء والمفكرين

زين العابدين خيري شلبي

بعد رحيل شلبي عام 2011، بقيت شقته كما هي، بكل تفاصيلها: مكتبه القديم، أوراقه المتناثرة، مكتبته التي تضم آلاف الكتب، وحتى كرسيه الذي اعتاد أن يجلس عليه لساعات طويلة، وسط غياب واضح لأي خطة لتحويلها إلى متحف أدبي.

الكاتب زين العابدين خيري شلبي قال إن "فكرة تحويل شقة والدي إلى متحف أو مركز ثقافي لم تكن واردة لأنها شقة سكنية وما زالت والدتي تقيم فيها حتى الآن ويأتي إليها أحفادها بانتظام، كما أن مكتبة الوالد موجودة كما هي، والفكرة لم تطرح من قبل وإن كانت هناك فكرة مثل هذه فإنها تصلح في بيوت زمان مثل بيت أحمد شوقي أو بيت طه حسين لأنهم كانوا يعيشوا في قصور وفيلات حقيقية كبيرة لا مجرد شقق عادية مثل أهلنا حاليا ولن يكون عمليا تحويلها إلى متحف".

وأضاف: "أظن أن الأمر العملي حاليا أن تقوم الدولة بإنشاء متحف للأدباء والخالدين ورموزها بشكل عام، فيكون متحفا جماعيا يضم مقنيات الأدباء والمفكرين بدل تناثرها في أكثر من مكان، فمثلا متحف نجيب محفوظ يضم بعض مقتنياته وقد ذهب جزء من مكتبته لمكتبة الإسكندرية، لكن لو وجد مكان واحد يضم بشكل جماعي مقتنيات أو مكتبات أو ما تبقى من الأشياء المهمة من كتب تراثية ومخطوطات فستكون فكرة رائعة، وسيكون هذا المكان مزارا مهما للمصريين والعرب والأجانب".

font change