حركة "حسم"... امتداد للنظام المسلح السري لجماعة "الإخوان المسلمين"

جاءت من إطار فكري قطبي مغلق بامتياز

غيتي
غيتي
قوات الأمن المصرية تقف حول أكاديمية الشرطة في القاهرة أثناء وصول محمد مرسي والمتهمين الآخرين إلى أكاديمية الشرطة في القاهرة لحضور الجلسة الأولى من محاكمتهم بتهمة الهروب من السجن أثناء ثورة 25 يناير

حركة "حسم"... امتداد للنظام المسلح السري لجماعة "الإخوان المسلمين"

لم تكن حركة "حسم" سوى امتداد للنظام المسلح السري القائم على نظرية حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس، وهي مركزية القوة، وإنشاء كتائب خاصة معنية بقضية الجهاد لحماية الدعوة، وكذلك ما صاغه سيد قطب بأن الإسلام، كما زعم، هو ثورة وانقلاب، وأن التوحيد حاكمية سياسية وقانونية، والنظام الإسلامي الشامل لا يقبل التبعيض (نظام مطلق)، ولا يتحرك إلا في محيط هو الذي يصنعه (الطهورية والعزلة الشعورية).

وحتى ظهور "حسم" لم يغب النظام المسلح السري منذ نشأته عام 1937 وحتى الآن، حيث كان يظهر ثم يخبو حسب الظروف المحيطة بـ "الإخوان"، ونهاية عام 2013 عاود الظهور حيث اعتمدت الجماعة عقب فض اعتصامها بميدان رابعة على ما يسمى "المقاومة الإيجابية" أو "النوعية" ولجأت إلى ما أطلق عليه "المسار الثوري" من خلال "تعطيل أجهزة الدولة المصرية ومؤسساتها".

وفي هذا الوقت كان يقود الجماعة محمد كمال، وهو أستاذ في جامعة أسيوط، الذي طرح ما يعرف بـ"العمل الثوري المبدع" أي المسلح، القائم على ركيزتين أساسيتين وهما: حركة العقاب الثوري، وجبهة المقاومة الشعبية. ولما تم القضاء عليهما ظهرت "كتائب حلوان"، التي كانت هي العمود الفقري للتنظيم لكنها سقطت سريعا، وهنا ظهرت حركة "حسم" في عام 2015، وأعلن عن وجودها رسميا عام 2016.

يقول العضو السابق في "الإخوان"، الباحث، عمرو عبد الحافظ في تصريح خاص لـ"المجلة": "العنف مسار معتمد في "الإخوان" منذ حسن البنا، لكنه يتوارى معظم الوقت خلف المسار السياسي، فيكمن حينا ويظهر آخر، ويستدعى حينا ويؤجل آخر، فهو موجود في أصل الفكرة منذ أسس البنا النظام الخاص، وقد استدعاه "الإخوان" عام 2013 وما بعدها استنادا إلى هذا الأصل عندهم".

ولأن العمل المسلح فيه من الإشكالات الشرعية، (خصوصا في مفهوم الدولة الحديثة والتجنيد الإجباري والعمل الشرطي)، ما يجعل هناك حائلا شرعيا أمام الاستحلال الشرعي لدماء القوى العسكرية والنظامية للدولة، أطلقت حركة "حسم" مجموعة من الإصدارات والمقاربات الفكرية التي كان هدفها الرئيس التوظيف الاستراتيجي والعملياتي للشريعة في العنف والإرهاب.

العنف مسار معتمد في "الإخوان" منذ حسن البنا، لكنه يتوارى معظم الوقت خلف المسار السياسي، فيكمن حينا ويظهر آخر، ويستدعى حينا ويؤجل آخر

الإصدارات الأولى لنشأة الحركة

شكلت الجماعة لجنة إعادة أفكار سيد قطب التي عرفت باسم "الهيئة الشرعية لعلماء "الإخوان المسلمين" في سبتمبر/أيلول 2014 وأصدرت في أوائل عام 2015 كتاب "فقه المقاومة الشعبية"، الذي تم فيه دحض فكرة إمارة المتغلب ونفي الشرعية عن النظام الحاكم وإقرار وجوب مقاومته وإسقاطه، انتهاءً بوضع الضوابط الشرعية لاستهداف الأفراد والمنشآت العامة.

اعتبر مجدي شلش، عضو مجلس الشورى، أن كتاب "فقه المقاومة الشعبية" بمثابة التأسيس الثالث للجماعة والذي بني على معادلة تقضي بامتلاك القوة وتأتي عن طريق خطة لــ"الإرباك والإنهاك والإفشال ثم سيطرة المفاصل وإسقاط النظام" وفق قوله، وهي الخطة المستمرة حتى الآن.

قسمت الحركة عملها كما ورد في اعترافات أعضائها بقضية "طلائع حسم" إلى عمل جماهيري+دعوى واستقطابي+عمل نوعي، وجعلت استراتيجيات المواجهة هي الثغرات المؤلمة، أي كل ما يؤلم الدولة، والحراك المسلح عن طريق العمل النوعي المبتدئ، ويشمل أعمال عنف عشوائية بسيطة، والعمل الخاص ويشمل أعمالا أكثر عنفا مثل الاغتيالات، تحت ما سمي بفتوى "القصاص" التي صدرت من جبهة علماء "الإخوان" في بيان عام 2015، وهي فتوى لم تدرك المآل في حساب الدم والسياسة، وأن القصاص هو حكم قضائي لا يترك للمواطنين إنفاذه.

أ.ف.ب
سيد قطب عام 1966 خلف قضبان أحد السجون في القاهرة

وأتبع ذلك رسالة "رؤيتنا.. الثورة المصرية.. فريضة شرعية، وفرصة تاريخية"، التي كانت أشبه بعموميات، ودعوة لاستخدام السلاح، وجاء فيها أن النصر لا يكون إلا من خلال القصاص العادل، عن طريق قيادة مبدعة– فرق جريئة– جماهير عريضة، إضافة إلى المحور الثوري والسياسي، ومحور الوعى والحشد.

كان إصدار فقه المقاومة بمثابة تأكيد على أنه لا فرق بين الرؤية الفكرية لجماعة "الإخوان"، وتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، فهي نفس الأدلة، ونفس الاستخدامات لنفس النصوص الشرعية والتراثية، لقد تحدثوا جميعا عن "دفع الصائل" بوصفه "بديهية من بديهيات الإسلام"، وشددوا على أن "السلمية ليست ثابتا من ثوابت "الإخوان"، وأن شعار "سلميتنا أقوى من الرصاص" تغير ليصبح "سلميتنا أقوى بالرصاص".

إصدارات العمليات الإرهابية والإرباك

ظلت الحركة في الفترة ما بين 2016 حتى 2019 تصاحب عملياتها بإصدارات تطلق عليها: "بلاغ عسكري" تؤكد فيها مسؤوليتها عن عملياتها الإرهابية، وتصاحبها بآيات قرآنية حول القتال والجهاد، ثم أصدرت 3 فيديوهات، "قاتلوهم"، "أزيز الرصاص"، "الكمين القاتل"، وكلها تؤكد فيها على مفهوم دفع الصائل، وجواز عمليات الاغتيالات التي قامت بها، ولما واجهت اعتراضا كبيرا على ما تقوم به، أتبعتها بإصدار مكتوب بعنوان: "عقيدتنا الجهادية"، تحدث عن قتال الفئة الباغية، وقتال غير المسلمين من أهل الملل الأخرى، وأن علة هذا القتال هو "العدوان" لا "الكفر"، وكيف أنه بعد مرحلة الدعوة تأتي مرحلة التدافع، حتى تصل من التنفيذ إلى التمكين، وقد بان من هذه الإصدارات أن أيديولوجية "حسم–الإخوان" قطبية بعيدة المدى، وأن المسألة أعمق بكثير من صدور فيديوهات وبلاغات عسكرية، وأن هدف الحركة الحقيقي هو القيام بعنف منظم، لإتمام عملية السيطرة على كل الدولة.

ظلت الحركة في الفترة ما بين 2016 حتى 2019 تصاحب عملياتها بإصدارات تطلق عليها: "بلاغ عسكري" تؤكد فيها مسؤوليتها عن عملياتها الإرهابية

في عام 2019 توقفت عمليات حركة "حسم"، بعد العملية الإرهابية في معهد الأورام، ليعطوا فرصة لأجنحة الجماعة الأخرى، أن تقدم مشاريع تؤدي إلى المصالحة، ومنها ما يسمى مشروع "ما قبل الرؤية"، ومشروع "وثيقة الأولويات" التي أعلنت الجماعة فيها أنه يمكنها التخلي عن الصراع على السلطة، وكانت "حسم" خلال هذه الفترة تنشئ الكثير من المؤسسات في عدد من الدول، ومنها "مؤسسة ميدان" الجناح السياسي المعبر عنها وعن تيار التغيير في الجماعة.

قبل الظهور مرة أخرى، أجرت مجلة السلفية الجهادية (كلمة حق) حوارا مع المتحدث باسم حركة "حسم"، عام 2021 قال إن مسألة الظهور والاختفاء هي سياسية وحسب ما يقتضيه الظرف السياسي، وأن قتل ضباط الشرطة لا حرج عليه، لأن البغاة هم الخارجون على الإمام الحق بغير الحق، وهم طائفة لها قوة وشوكة، خرجت على الحاكم بتأويل سائغ في تصورها، وأما هؤلاء فليسوا من البغاة، وأن الحركة تسعى لصناعة توازن نكايات لا إمكانات، وأنه لا يعني عدم اشتراط العدة الإيمانية أو المادية في جهاد الدفع التفريط فيها، بل يجب الدفع بما تيسر منها، لأنها واجبة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

أ.ف.ب
المرشد العام السابق لجماعة "الإخوان المسلمين"، محمد بديع خلال محاكمته في العاصمة القاهرة في 18 مايو 2014

بعدها أصدرت مؤسسة "ميدان"، وهي الغطاء السياسي والإعلامي لحركة "حسم"، ما يسمى "ملامح المشروع الإسلامي"، الذي ورد فيه عدة أهداف، منها: إعداد هيكل تنظيمي قوي من خلال بناء قيادة موحدة للتيارات المختلفة التي يتشكل منها التنظيم الجديد، والذي يعد بمثابة النواة الصلبة التي سوف تكون قادرة بعد ذلك على تجميع القوى الوطنية الراغبة في التغيير، ووضع وثيقة فكرية تتضمن الأفكار الأساسية، وتكوين مجموعات من الطلاب في الجامعات المختلفة وإعداد كوادر وقيادات طلابية، وإنشاء شبكة من العلاقات وآليات للتواصل فيما بينهم، وتدريبهم وتنميتهم ثقافيًا وفكرياً، وإكسابهم المهارات اللازمة للمشاركة في الأنشطة التي تسعى الحركة فيما بعد إلى القيام بها، ثم إعداد رموز مجتمعية في كل المجالات الخيرية والخدمية والدعوية والسياسية، وتهيئة المجتمع للمشاركة في التغيير وتقبله، ثم الضغط الخارجي وتحركات الإسلاميين، وبعدها يكون العمل الثوري وفق هذا السيناريو.

قبل الظهور مرة أخرى، أجرت مجلة السلفية الجهادية (كلمة حق) حوارا مع المتحدث باسم حركة "حسم"، عام 2021 قال إن مسألة الظهور والاختفاء هي سياسية وحسب ما يقتضيه الظرف السياسي

ملامح المشروع التي صدرت في فيديو مرئي ورد بها أن "حسم" ستعتمد "السيناريو المركب"، وهو خليط ما بين الانتفاضة والعمل الثوري، وكيف أنها ستلعب على عمل ثغرة تدفع إلى حراك شعبي واسع، تحت قيادة موحدة، والتوحد على منظومة الأفكار، التي ورد مجملها في كتاب "سبيل الرشاد" لمحمد إلهامي، والوثيقة الفكرية عن استراتيجية التغيير.

وصدرت بالفعل "الوثيقة الفكرية" التي ورد بها: إن ما يتم التعويل عليه هو تفاقم الأزمات وتطور الأوضاع، بمساعدة الجماعة من خلال الآليات الخاصة بتهيئة المجتمع وتوسيع دائرة السخط العام، حتى تأتي لحظة مناسبة تسمح إما بحراك شعبي طبيعي، وإما أن تبدأ "حسم" من خلال المجموعات التي أعدتها في عمل حراك وإشعال شرارة تربك النظام وتشجع الناس على الاندفاع إلى الشوارع.

غيتي
اشتباكات في القاهرة، في 6 أكتوبر 2013، بين أنصار محمد مرسي والشرطة المصرية

اقتربت الوثيقة الفكرية في بنودها من فقه الجماعة الإسلامية المصرية المسلحة، في الربع الأخير من القرن الماضي، قبل إجرائها مراجعة لأفكارها، حيث ساقت الكثير من الأدلة الشرعية التي تثبت، عدم شرعية الحكام، بأدلة تراثية من كتاب "فقه الأحكام السلطانية" للماوردي. على أساس صعودهم إلى سدة الحكم عن طريق الديمقراطية وببيعة غير شرعية، ورفض "الحاكم المتغلب"، وتفكيك القاعدة المقابلة التي تقضي بــ"الطاعة للحاكم المتغلب". ثم الحكم على أنظمة الحكم، بأحكام متنوعة (خوارج، بغاة، محاربون لله ورسوله)، ثم استرسلت في شرح مفهوم "دفع الصائل" الذي يصل إلى حد القتل في أحوال عدة قامت بشرحها، مدشنة بشكل علني لشرعية العمليات الإرهابية في أي دولة إسلامية، تماما كما يفعل تنظيم "داعش" الإرهابي.

عودة "حسم" ومستقبل الحركة

بعد غياب لعدة سنوات عادت حركة "حسم" للظهور بنفس الأطروحات الفكرية، وذلك بإصدار مرئي بعنوان "سبيل المؤمنين"، وهو لم يكن مختلفا عن كل إصداراتها السابقة من ناحية الصورة أو حتى الأفكار التي وردت به، غير أنه كان من الواضح تصويره خارج مصر، وحرصه على التهديد بشكل جدي إلى عودة العمليات الإرهابية، التي تستهدف أهدافا من نوعية العمل الخاص وليس المبتدئ.

وبعد مرور حوالي عشرة أيام من الإصدار نجح الأمن المصري في رصد معلومات حول اضطلاع قيادات حركة "حسم"، بالتخطيط لمعاودة إحياء نشاطها، وارتكاب عمليات عدائية تستهدف المنشآت الأمنية والاقتصادية، وفق بيان وزارة الداخلية، التي أكدت وصولها إلى شخصين من القيادات، أحدهما تسلل من دولة خارجية مجاورة.

على الفور أصدرت "جماعة الإخوان–جبهة محمود حسين" بيانا أكدت فيه عدم تبعية الحركة لها، وأصدرت "جماعة الإخوان–تيار التغيير" بيانا لم تنف فيه علاقة الحركة بها، غير أنها استنكرت استهداف العنصرين.

المسألة أكبر من "حسم"، بل هي تيار داخل الإخوان (تيار التغيير) يطرح نفسه قيادة للجماعة بديلا للقيادة الهاربة في أوروبا، وأن الجذور الفكرية لحسن البنا وأدبيات سيد قطب والمودودي هي مرجعية هذا التيار

يقول الكاتب المختص، طارق أبو السعد في تصريح خاص لـ"المجلة"، إن المسألة أكبر من "حسم"، بل هي تيار داخل "الإخوان" (تيار التغيير) يطرح نفسه قيادة للجماعة بديلا للقيادة الهاربة في أوروبا، وأن الجذور الفكرية لحسن البنا وأدبيات سيد قطب والمودودي هي مرجعية هذا التيار، وأن كل هذا كان متفقا عليه من كل قادة الجماعة، الذين أقروا ما جرى، ويقرون الآن عودة الحركة للعمل المسلح، فالمعادلة هي "جناح يمارس العنف، وجناح يمارس السياسة".

ونخلص هنا إلى ما يلي:

·التيار القطبي هو حاكم للجماعة منذ ستينات القرن الماضي وأنه لا يزال حتى اللحظة متحكم في أروقة ومؤسسة الجماعة.

·يتباين القطبيون فيما بينهم فقط حول التنظيم والحفاظ عليه واستراتيجياته ومن ثم ينقسم في العادة إلى عدد من القيادات والهيئات إلا أنهم جميعاً لا يفترقون في ضرورة المواجهة وإزالة الأنظمة الحاكمة وتربية عناصر التنظيم على قواعد الأيديولوجية القطبية كما وردت في كتب سيد قطب.

لم يختلف قطبيو الجماعة منذ عام 2014 وحتى عام 2021 في الصدام والمواجهة لكنهم اختلفوا في درجة العنف وأشكاله كالقتل، والتفجيرات والاغتيالات.

حركة "حسم" لم تأت من فراغ واسع، بل جاءت من إطار فكري قطبي مغلق بامتياز، يبدأ من عدم الاعتراف بالدولة ونظامها، ثم ينتهي إلى تكفير المجال المجتمعي، والانعزال الشعوري، وعمل تنظيمات موازية تستهدف الوصول للحكم، حتى لو كان على غير رضا الشعب والمواطنين.

لا فرصة لـ"حسم" ولـ"تيار التغيير" في الوصول للحكم، لكن الطريق المتاح لهم إجباريا هو العودة إلى السيطرة على تنظيم "الإخوان" بالكامل، لاستكمال صيغة سيطرة التنظيم السري القديم على الجماعة بدءا من عام 1965 وحتى عام 2013.

font change