أهمية القنابل الذرية... تأملات من هيروشيما وناغازاكي

مارك سميث
مارك سميث

أهمية القنابل الذرية... تأملات من هيروشيما وناغازاكي

في صيف اليابان، تعلو أصوات الزيزان في الهواء الثقيل، وتتداخل نغماتها مع صدى ذكريات أغسطس/آب من عام 1945. في ذلك الحر اللاهب، غمر الضوء والصمت مدينتي هيروشيما وناغازاكي، وخطا العالم إلى عصر نووي جديد. ومع تجدد الصيف، يتردد صوت الزيزان كأنه رجع لأصوات الناجين من القصف الذري (الهيباكوشا)، الذين لا يزال نداؤهم للسلام الدائم يتجاوز حدود الزمن والأجيال.

في عام 1947، كتب هنري إل. ستيمسون، وزير الحرب الأميركي إبان قصف هيروشيما وناغازاكي:

"لقد أنهت القنابل التي أُسقطت على هيروشيما وناغازاكي الحرب. لكنها أوضحت أيضا بشكل تام أن على البشرية أن لا تخوض حربا أخرى أبدا. هذه هي العبرة التي ينبغي أن يدركها الناس وقادة العالم على حد سواء، وأؤمن بأن إدراكهم لها سيمهّد الطريق نحو سلام دائم. فلا بديل عن ذلك".

آنذاك، كان معظم الأميركيين، بمن فيهم ستيمسون نفسه، يرون أن استخدام القنابل الذرية على هيروشيما وناغازاكي كان أمرا مبررا. غير أن الرأي العام تغيّر جذريا بمرور العقود، إذ أظهر استطلاع حديث أجراه مركز "بيو" للأبحاث أن 35 في المئة فقط من الأميركيين اليوم يعتبرون القصف مبررا، في حين يرى 31 في المئة عكس ذلك، فيما لم يحسم نحو الثلث موقفه بعد.

غيّر ظهور الأسلحة النووية بشكل جذري مفاهيم الحرب والسلام منذ الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى نشوء نظريات جديدة مثل الردع النووي

لا يزال الجدل قائما حول ما إذا كان إسقاط القنبلتين ضروريا لدفع اليابان إلى الاستسلام، ولا يزال العالم يرزح تحت وطأة تبعات تلك اللحظة المفصلية في التاريخ. وقد جاءت تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة باستخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد أوكرانيا لتجسّد، بشكل جلي، عجز البشرية عن استخلاص الدروس من مآسي الماضي. وفي موازاة ذلك، يبرز التوتر المتصاعد بين إسرائيل، التي يُعتقد على نطاق واسع أنها تمتلك ترسانة نووية، وإيران، التي تواصل تخصيب اليورانيوم خارج الإطار السلمي، كمثال قاتم آخر على هذا الفشل المتكرر.

غالبا ما يخرج زوار متاحف القصف الذري في هيروشيما وناغازاكي وهم مذهولون من حجم الكارثة التي لحقت بالمدنيين الأبرياء. فقد تجاوز عدد القتلى 140 ألفا في هيروشيما و70 ألفا في ناغازاكي بحلول نهاية عام 1945، بينما ظل عدد لا يُحصى من الناجين يعاني على مدى العقود من أمراض مرتبطة بالإشعاع، وعلى رأسها السرطان، وقد امتدت آثارها إلى أبنائهم أيضا. واليوم، وبعد مضي ثمانين عاما، يتناقص عدد الناجين الذين لا يزالون على قيد الحياة، إلا أن جمعياتهم تواصل حمل رسالتها بثبات: تذكير العالم بالحاجة الملحة إلى القضاء على الأسلحة النووية.

غيتي
مواطن ياباني يتجول في ناغازاكي المدمرة، بعد شهرين من إلقاء القنبلة الذرية عليها

في العام الماضي، مُنحت جائزة نوبل للسلام إلى اتحاد اليابان لمنظمات المتضررين من القنبلة الذرية والهيدروجينية (نيهون هيدانكيو)، تقديرا لحملته الدؤوبة من أجل عالم خالٍ من الأسلحة النووية، وشهاداته المؤثرة التي تعكس فظاعة استخدامها. وهكذا، أصبحت حركة السلام اليابانية في صميم الجهود العالمية الساعية إلى القضاء على هذه الأسلحة.

لقد غيّر ظهور الأسلحة النووية بشكل جذري مفاهيم الحرب والسلام منذ الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى نشوء نظريات جديدة مثل الردع النووي، وتوقيع اتفاقيات دولية مثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

الشعور العميق بالدمار والرعب والقلق الذي لا يفارق الناجين من القصف الذري يشكّل في جوهره الأساس الذي ترتكز عليه نظرية الردع النووي والمبادئ التي تقوم عليها معاهدة عدم الانتشار

وتفترض نظرية الردع النووي، التي تطورت خلال الحرب الباردة، أن التهديد بالرد الساحق، وفق منطق "التدمير المتبادل المؤكد"، يردع المعتدين المحتملين ويحافظ على السلام. وتُظهر التوترات الجيوسياسية الأخيرة في أوروبا استمرار أهمية هذا الردع، إذ دفعت الشكوك حول التزام الولايات المتحدة دول "الناتو" الأوروبية إلى زيادة ميزانياتها الدفاعية، والنظر في مبادرات أمنية نووية مشتركة بين فرنسا وبريطانيا، رغم أن هذه البدائل تُعد أقل فعالية مقارنة بالمظلة النووية الأميركية.

ديانا استيفانيا روبيو- لينا جرادات

تشكل  الجهود الرامية إلى الحد من ازدياد عدد الدول النووية أساسا لمعاهدة عدم الانتشار، التي تهدف إلى منع انتشار الأسلحة النووية، وتعزيز التعاون السلمي في هذا المجال، والسعي في نهاية المطاف نحو نزع السلاح. ومنذ دخولها حيّز التنفيذ عام 1970، واجهت المعاهدة تحديات جسيمة، أبرزها انسحاب كوريا الشمالية وتطويرها ما يُقدّر بنحو خمسين رأسا نوويا. في المقابل، أثار التوسع السريع في الترسانة النووية الصينية، التي يتوقع أن تصل إلى 1500 رأس نووي بحلول عام 2035، مقارنة بنحو 600 حاليا، مخاوف متزايدة من اندلاع سباق تسلح جديد.

ومن منظور طوكيو، يُجسّد الشرق الأوسط نقيضا واضحا للتجربة اليابانية. ففي حين يستمد الكثير من الناجين من القنبلة الذرية في اليابان دافعا قويا من توقهم الصادق للسلام، يغيب هذا الشعور إلى حد بعيد في المنطقة، حتى وسط تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران. وعلى الرغم من التنافس بين الطرفين، يبدو أن إيران تعتمد نهج إسرائيل نفسه في الإبقاء على غموض نواياها النووية. ومع اشتداد الصراع بينهما، تتضاءل فرص تحقيق حلم إقامة شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل.

ورغم ما يبدو من توتر حاد بين حركة السلام الداعية إلى الإلغاء الكامل للأسلحة النووية، والمدافعين عن مفهومي الردع النووي وعدم الانتشار، فإن هذه الأطر الثلاثة مترابطة ارتباطا جوهريا. فذلك الشعور العميق بالدمار والرعب والقلق الذي لا يفارق الناجين من القصف الذري يشكّل في جوهره الأساس الذي ترتكز عليه نظرية الردع النووي والمبادئ التي تقوم عليها معاهدة عدم الانتشار.

فهل يمكن، مع ذلك، أن نجد شيئا من العزاء في كون الشرق الأوسط، رغم الغموض النووي الذي تبنّته إسرائيل أولا، وربما إيران لاحقا، لم يشهد حتى الآن تطويرا  أو استخداما علنيا للأسلحة النووية؟ في المقابل، تبدو التهديدات النووية في شرق آسيا أكثر وضوحا، مع استمرار كوريا الشمالية في تعزيز برنامجها النووي والصاروخي، والتوسع المتسارع في الترسانة النووية الصينية.

يعود الغموض الذي يكتنف سياسة إسرائيل النووية إلى تفاهم جرى عام 1969 بين رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير والرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، وفقا لما أورده الباحث أفنير كوهين من معهد ميدلبري للدراسات الدولية. فقد قبلت الولايات المتحدة، بصمت، بإسرائيل كدولة نووية استثنائية، مقابل تعهدها بممارسة ضبط النفس، من خلال الامتناع عن اختبار الأسلحة النووية أو إعلانها رسميا في المنطقة. غير أن هذا التفاهم شكّل عقبة حقيقية أمام إحراز تقدم نحو إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.

في وقت يوشك فيه النظام العالمي على الانهيار، تبرز الحاجة المُلِحّة إلى إعادة التأمل في مغزى القصف الذري

وبحكم عملي الطويل كدبلوماسي ياباني في الشرق الأوسط، كنت دائما أرى في نقل وجهة النظر اليابانية الفريدة حول الحرب والسلام بعد قصف هيروشيما وناغازاكي مسؤولية شخصية ومهنية. فقد تركت الحرب العالمية الثانية، التي أودت بحياة نحو ثلاثة ملايين ياباني، الناجين في حال من الخدر العميق والصدمة. أما اليوم، فإن الأصوات القليلة المتبقية من "الهيباكوشا" المطالبين بالسلام لم تعد شعارات سياسية بقدر ما أصبحت صلوات خافتة تنبع من أعماق القلب.

وفي وقت يوشك فيه النظام العالمي على الانهيار، تبرز الحاجة المُلِحّة إلى إعادة التأمل في مغزى القصف الذري. ومن هذا المنطلق، دعوت الجميع، كما يفعل المشاركون في مراسم السلام في هيروشيما وناغازاكي، إلى التزام دقيقة صمت: عند الساعة 8:15 صباحا في 6 أغسطس بهيروشيما، وعند الساعة 11:02 صباحا في 9 أغسطس بناغازاكي. فليست الغاية مجرد إحياء ذكرى لحظات القصف، بل هي دعوة متجددة من أجل سلام دائم. وفي هذا الشهر، علينا أن نتذكّر أن البشرية لم تستخدم الأسلحة النووية منذ ما يقرب من ثمانين عاما، وهو إنجاز لا يجوز التقليل من شأنه.

تسلسل زمني

صيف 1939

صاغ ليو زيلارد رسالة، وقع عليها ألبرت آينشتاين، حذر فيها الرئيس فرانكلن روزفلت من الإمكانات العسكرية لسلسلة تفاعلات انشطارية غير مسيطر عليها.

1 سبتمبر 1939

اندلاع الحرب العالمية الثانية إثر غزو ألمانيا النازية لبولندا.

1 نوفمبر 1939

أفادت اللجنة الاستشارية لليورانيوم، التي عينها روزفلت، بأن التفاعل المتسلسل في اليورانيوم ممكن، رغم عدم إثبات ذلك بعد.

فبراير 1940

خُصص مبلغ قدره 6000 دولار للجنة الاستشارية لليورانيوم لبدء الأبحاث المتعلقة بالانشطار النووي.

23 فبراير 1941

اكتشف غلين سيبورغ وفريقه في جامعة كاليفورنيا في بيركلي العنصر 94، الذي سُمّي لاحقا في عام 1942 "بلوتونيوم".

6 ديسمبر 1941

أُخضع المشروع لإدارة مكتب البحوث والتطوير العلمي، برئاسة فانيفار بوش.

7  ديسمبر 1941

هاجمت اليابان قاعدة بيرل هاربر.

8 ديسمبر 1941

أعلنت الولايات المتحدة الحرب على اليابان.

11 ديسمبر 1941

أعلنت ألمانيا النازية الحرب على الولايات المتحدة.

مايو 1942

تقرر المضي قدما في جميع الأساليب الواعدة لإنتاج المواد الانشطارية في آن واحد، بما في ذلك العملية الكهرومغناطيسية وعملية الانتشار.

يونيو 1942

أُوكلت إلى فيلق مهندسي الجيش الأميركي مسؤولية إدارة أعمال البناء لمجموعة واسعة من المنشآت التجريبية والمختبرات والمصانع المرتبطة بالأبحاث الذرية.

أغسطس 1942

افتُتح مكتب في مدينة نيويورك حمل رسميا اسم "منطقة المهندسين في مانهاتن"، ومن هنا جاء اسم "مشروع مانهاتن"، الاسم الذي سيُعرف به هذا المجهود لاحقا.

غيتي
كيوشي يوشيكاوا، أحد الناجين من القنبلة الذرية على هيروشيما عام 1945، يظهر الندبة الثقيلة على ظهره، بعد وقت قصير من مغادرته المستشفى، في 13 أغسطس 1951

17 سبتمبر 1942

أُنيط بالعميد ليزلي غروفز الإشراف على جميع أنشطة الجيش، ولا سيما الأنشطة الهندسية، المرتبطة بالمشروع. وقد اختار غروفز المواقع الرئيسة الثلاثة: أوك ريدج في تينيسي، ولوس ألاموس في نيومكسيكو، وهانفورد في واشنطن، كما أسند إلى شركات كبرى مهمة بناء وتشغيل المصانع النووية.

25 نوفمبر 1942

وافق غروفز والعالم الفيزيائي روبرت أوبنهايمر على اختيار لوس ألاموس كموقع أولي للمختبر العلمي الرئيس المخصص للقنبلة الذرية.

ديسمبر 1942

وُقعت العقود مع شركة دوبونت لتصميم وبناء وتشغيل مفاعلات إنتاج البلوتونيوم وتطوير منشآت فصل البلوتونيوم. وأُقيم نوعان من المصانع لتخصيب اليورانيوم في أوك ريدج.

2 ديسمبر 1942

نجح إنريكو فيرمي في إنتاج أول تفاعل نووي متسلسل مضبوط في العالم، داخل مفاعل شيكاغو "بايل - 1" في جامعة شيكاغو.

أبريل 1943

أُنشئ مختبر بإدارة روبرت أوبنهايمر في لوس ألاموس، نيومكسيكو، لتطوير طرق تحويل المواد الانشطارية إلى معدن نقي وتصنيعها بأشكال محددة.

أغسطس 1943

تأسست لجنة سياسات مشتركة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، وانتقل علماء من البلدين الأخيرين إلى الولايات المتحدة للانضمام إلى المشروع.

7 مايو 1945

استسلمت ألمانيا النازية.

صيف 1945

أنتجت منشأة هانفورد الهندسية في واشنطن كميات من "البلوتونيوم - 239" تكفي لإحداث انفجار نووي. وبحلول ذلك الوقت، بلغت تكلفة "مشروع مانهاتن" ملياري دولار.

يوليو 1945

أصدرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين إعلان بوتسدام، الذي طالب باستسلام اليابان. لكن اليابان رفضت الاستسلام غير المشروط.

16 يوليو 1945

في اختبار ترينيتي، الذي أُجري في ميدان اختبار ألاموغوردو في نيومكسيكو، جرى تفجير أول قنبلة ذرية.

3 أغسطس 1945

قدّمت اليابان عرضا للتفاوض على السلام إلى قوات الحلفاء، غير أن العرض رُفض.

6 أغسطس 1945

فُجرت القنبلة غير المختبرة، من النوع المدفعي، والتي تعمل بـ"اليورانيوم - 235"، والمُلقبة بـ"الولد الصغير" (ليتل بوي)، في الجو على ارتفاع 580 مترا (1900 قدم) فوق مدينة هيروشيما، اليابان.

9 أغسطس 1945

فُجرت قنبلة من النوع داخلي الانفجار، تعمل بـ"البلوتونيوم - 239"، والملقبة بـ"الرجل البدين" (فات مان)، وهي نسخة مماثلة لتلك التي اختُبرت في ترينيتي، في الجو على ارتفاع 500 متر (1650 قدما) فوق مدينة ناغازاكي، اليابان.

14 أغسطس 1945

أعلنت اليابان استسلامها.

2 سبتمبر 1945

استسلمت اليابان رسميا على متن السفينة "يو إس إس ميسوري".

font change