مستقبل مناخي غامض

الاحترار يعيد رسم خريطة التيارات الهوائية

مستقبل مناخي غامض

على مدى أكثر من مئة عام، بدأ العلماء يلاحظون سلوكا جويا غير معتاد في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، مما أثار تساؤلاتهم حول طبيعة الرياح التي تهب في تلك الأعالي. تعود الملاحظات الأولى إلى منتصف القرن التاسع عشر، عندما رصد البروفسور الأميركي إلياس لوميس مؤشرات الى وجود تيار هوائي قوي يتجه من الغرب إلى الشرق، يعبر أجواء الولايات المتحدة الأميركية. وقد رجح لوميس أن هذا التيار مسؤول عن تحريك العواصف الكبرى عبر القارة، مشيرا إلى دور الرياح العالية في توجيه النظم الجوية، رغم محدودية أدوات الرصد حينذاك.

لاحقا، جاء انفجار بركان كراكاتوا في إندونيسيا عام 1883 ليمنح العلماء فرصة غير مسبوقة لرصد تحولات جوية غريبة استمرت لسنوات. فقد لوحظت ألوان متوهجة في السماء وشوهدت غيوم دقيقة تتحرك بسرعة على ارتفاعات شاهقة. أطلق خبراء الأرصاد آنذاك على تلك الظاهرة اسم "التيار الدخاني الاستوائي"، وكان ذلك أول توثيق فعلي لتيار هوائي علوي قوي، وهو ما نعرفه اليوم بالتيار النفاث، حتى وإن لم تكن المفاهيم آنذاك مكتملة أو دقيقة.

shutterstock
أعصار هائل يتكون في الفضاء

في عشرينات القرن العشرين، أتى العالم الياباني واسابورو أويشي ليضيف دليلا علميا جديدا. فقد اعتمد على إطلاق بالونات طقس من محيط جبل فوجي، وتمكن من قياس سرعات رياح عالية جدا في طبقات الجو العليا، تُعدّ غير مألوفة مقارنة بالرياح السطحية. لكن المفارقة أن أويشي نشر نتائجه بلغة الإسبرانتو – وهي لغة اصطناعية دولية لم تكن شائعة في الأوساط العلمية – مما أدى إلى تجاهل أبحاثه على نطاق عالمي، رغم دقتها العلمية.

ثم جاء دور الطيران ليقلب الموازين. ففي عام 1933، نفذ الطيار الأميركي وايلي بوست أول رحلة جوية فردية حول العالم، مستخدما طائرة معدلة مكنته من التحليق على ارتفاعات شاهقة. أثناء الرحلة، لاحظ بوست أن طائرته كانت تتحرك أسرع بكثير من المتوقع عندما يطير في اتجاه الشرق، مما أرجعه إلى وجود رياح خلفية قوية تدفعه. وقد أدى هذا الاكتشاف إلى إعادة التفكير في ديناميكيات الرياح العالية، وساهم بشكل كبير في إثارة اهتمام المجتمع العلمي والعالمي بما بات يُعرف لاحقا بـ"التيار النفاث".

التيار النفاث

التيار النفاث تيار هوائي شديد السرعة يتدفق في الطبقات العليا من الغلاف الجوي من الغرب إلى الشرق، ويتشكل نتيجة التباين الحاد في درجات الحرارة بين الهواء البارد في الشمال والهواء الدافئ في الجنوب. يتحرك هذا التيار بشكل متموج ويبدل موقعه وقوته باستمرار، مما يجعله عنصرا أساسيا في تشكيل أنماط الطقس، إذ يساهم في حدوث ظواهر مناخية قاسية مثل موجات الحر الشديدة، التي أصبحت ملموسة بشكل متزايد في دول المنطقة العربية حاليا وخلال السنوات الماضية، إلى جانب الفيضانات والأعاصير، نظرا لتأثيره المباشر في حركة الرياح والسحب والأنظمة الجوية. كما أن تأثيره لا يقتصر على نصف الكرة الشمالي، بل بدأت مناطق نصف الكرة الجنوبي أيضا تشهد اضطرابات مقلقة في مسار التيار النفاث وسرعته.

في العقود الأخيرة، كشفت الأرصاد الجوية عن تحولات متسارعة في التيار النفاث الجنوبي، أبرزها انحرافه نحو القطب الجنوبي وزيادة سرعة رياحه. هذا الشريط الضيق من الرياح السريعة، الذي يلف الكرة الأرضية من الغرب إلى الشرق على ارتفاعات شاهقة، يلعب دورا مركزيا في تحديد أنماط الطقس في مناطق واسعة جنوب خط الاستواء، من أوستراليا وصولا إلى أفريقيا وأميركا الجنوبية. وقد سجلت القياسات الحديثة بالفعل تغيّرا تدريجيا في هذا التيار، مع ازدياد سرعته وتحرك مركزه نحو الجنوب، الأمر الذي أثار اهتمام الباحثين بما قد يحمله من تأثيرات على توزيع الأمطار والحرارة وتغيرات الطقس الإقليمية في نصف الكرة الجنوبي.

أقوى مؤشرات التغير حتى الآن ظهرت في فصل الصيف بنصف الكرة الجنوبي


البروفسور تيم وولينغز، أستاذ فيزياء المناخ بجامعة أوكسفورد

وتشير الدراسات المناخية الحديثة إلى أن الاحترار العالمي الناتج من النشاط البشري يمثل عاملا رئيسا وراء هذا الاضطراب، إذ يُعزى إليه ما يقرب من نصف مقدار الانحراف المرصود في سلوك التيار. من ناحية أخرى، تُعزى بقية التغيرات إلى خليط من العوامل المناخية المتداخلة، منها الاحترار في الطبقات العليا من الغلاف الجوي الاستوائي، وتسارع التيارات الهوائية فوق القطب الجنوبي في طبقة الستراتوسفير، إلى جانب ارتفاع غير مألوف في حرارة مياه المحيط الهادئ الاستوائية. بعض هذه العوامل يرتبط أيضا بتغير المناخ الناتج من الإنسان، بينما لا يمكن الجزم بأن جميعها يعود إلى تأثير بشري مباشر. وقد دفعت هذه التطورات فرقا بحثية متخصصة إلى التعمق في دراسة التيار النفاث الجنوبي باستخدام تقنيات تحليل متقدمة، بهدف التوصل إلى فهم أدق لمسارات تغيّره وتطوير توقعات أكثر دقة في شأن مستقبله في العقود المقبلة.

تغيرات غير مسبوقة

خلال العقود القليلة الماضية، رصد العلماء مؤشرات متزايدة الى أن التيار النفاث الجنوبي لم يعد يحافظ على موقعه التقليدي كما كان في السابق. فوفقا لتحليلات مناخية تمتد منذ منتصف القرن العشرين، تبيّن وجود نمط مستمر لتحرك هذا التيار القطبي في اتجاه القطب الجنوبي، بمعدل بطيء لكنه ثابت. كما ترافقت هذه التحولات مع ارتفاع ملحوظ في سرعة الرياح القصوى داخل التيار خلال فصل الصيف في نصف الكرة الجنوبي، مما يعني أن التيار بات "أشد عصفا" مقارنةً بما كان عليه قبل عقود. وقد جاءت دراسات حديثة، اعتمدت على بيانات أرشيفية ونماذج إعادة التحليل المناخي، لتؤكد هذه الاتجاهات، مشيرة إلى أن التحول القائم ليس مجرد تذبذب مؤقت بل يعكس تغيرات مناخية أعمق تتجاوز التقلبات الطبيعية القصيرة الأمد.

اللافت أن ثقب الأوزون، الذي اتسع فوق القارة القطبية الجنوبية في أواخر القرن العشرين، لعب دورا مهما في هذه التغيرات، حيث أدى تبريد طبقة الستراتوسفير إلى انزياح التيار نحو الجنوب واتساع رقعة المناطق الجافة. إلا أن هذا الاتجاه بدأ يتراجع نسبيا مع بدء تعافي الأوزون بعد تطبيق بروتوكول مونتريال. من ناحية أخرى، يبدو أن الاحترار العالمي قد أصبح اليوم العامل الحاسم في استمرار هذا الانزياح وتعاظم قوة التيار.

يوضح البروفسور تيم وولينغز، أستاذ فيزياء المناخ بجامعة أوكسفورد، في تصريح خاص لـ"المجلة" أن أكثر ما يلفت انتباهه ويقنعه في مسألة تغيّر التيار النفاث هو التوافق الملحوظ بين مختلف الأدلة المتاحة – سواء تلك المستخلصة من الملاحظات الجوية أو من تقديرات النماذج المناخية – والتي تظهر جميعها أن التيار بدأ بالفعل ينزاح تدريجيا نحو القطب. ومع ذلك، يشير وولينغز إلى أن هذا التغير لا يزال محدودا حتى الآن، ويسجل فقط على مستوى عالمي عام، من دون وجود ثقة كافية لتحديده بدقة على مستوى المناطق الفردية. ويرى أن الغازات المسببة للاحتباس الحراري تلعب دورا في هذا التحول، لكنه يلفت الانتباه إلى أن أقوى مؤشرات التغير حتى الآن ظهرت في فصل الصيف بنصف الكرة الجنوبي، حيث ساهم أيضا الانخفاض الحاد في مستويات الأوزون في طبقة الستراتوسفير بدور إضافي في هذه الظاهرة.

انزياح التيار

يعد الاحترار العالمي الناتج من انبعاثات غازات الدفيئة العامل الأكثر تأثيرا في التغيرات الحديثة التي يشهدها التيار النفاث الجنوبي. فمع ارتفاع متوسط درجات حرارة الغلاف الجوي والمحيطات، تتأثر الفروقات الحرارية بين خط الاستواء والقطب، مما ينعكس مباشرة على ديناميكيات التيارات النفاثة. وقد كشفت دراسة أجرتها جامعة لايبتزيغ الألمانية أن نحو 50% من الانزياح المرصود للتيار النفاث الجنوبي نحو القطب يعزى بشكل مباشر إلى الاحترار العالمي. إذ أن ارتفاع حرارة كوكب الأرض، وخاصة في الطبقات العليا فوق المناطق المدارية، يزيد التباين الحراري بين العروض الوسطى والعليا، مما يدفع التيار النفاث للانزياح نحو القطب في محاولة لإيجاد توازن جديد. وفي الوقت نفسه، شهدت القارة القطبية الجنوبية تأثيرات إضافية، من بينها تبريد سابق في طبقة الستراتوسفير بفعل ثقب الأوزون، مما أضفى مزيدا من التعقيد على سلوك الرياح العلوية.

يظهر هذا التداخل بين المحيط والغلاف الجوي، فضلا عن التفاعل بين طبقات الجو العليا والسفلى، مدى تعقيد النظام الديناميكي الذي يتحكم في التيار النفاث

أوضح البروفسور أليكس سين جوبتا، الأستاذ المشارك في مركز أبحاث تغير المناخ بجامعة نيو ساوث ويلز وعضو الفريق البحثي في مركز التميز الأوسترالي لعلوم القطب الجنوبي، أن احترار المحيطات المدارية يلعب دورا محوريا في دفع التيار النفاث نحو الجنوب. وبيّن أن السبب في ذلك يعود إلى تأثير هذا الاحترار على الفروق الحرارية بين المناطق المدارية والقطبية، وهي الفروق التي تشكل المحرك الأساي لهذا التيار الهوائي السريع في الطبقات العليا من الغلاف الجوي.

وأشار جوبتا إلى وجود عاملين رئيسين يساهمان في هذا التغير الملحوظ في سلوك التيار النفاث، الأول هو ثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي، الذي يؤدي إلى تبريد طبقات الجو العليا في تلك المنطقة. أما العامل الثاني فهو الاحترار العالمي الناتج من الانبعاثات المتزايدة للغازات الدفيئة، الذي يؤدي إلى تسخين الجو فوق المناطق المدارية، قائلا في تصريحات خاصة لـ"المجلة" إن "هذا التباين الحراري بين القطب وخط الاستواء يعزز قوة التيار ويدفعه إلى مزيد من الانحراف جنوبا".

التيارات القطبية

إلى جانب الاحترار العالمي، تساهم تفاعلات معقدة في الطبقات العليا من الغلاف الجوي في اضطراب التيار النفاث الجنوبي، ويُعدّ أبرزها ما يتعلق بالدوامة القطبية الستراتوسفيرية، وهي نظام من الرياح القوية الباردة التي تدور حول القطب الجنوبي على ارتفاعات عالية خلال فصل الشتاء، حيث أدى استنزاف طبقة الأوزون خلال العقود الماضية إلى تبريد الستراتوسفير فوق القطب الجنوبي، مما عزز قوة الرياح الدائرة حول القطب ورفع المؤشر القطبي الجنوبي إلى طوره الإيجابي، وهو ما انعكس في شكل تيار نفاث أقوى وأكثر اندفاعا نحو الجنوب ضمن طبقة التروبوسفير السفلى. ورغم أن تعافي الأوزون أوقف هذا الاتجاه نسبيا، إلا أن تغيرات دقيقة في الدوامة القطبية مثل ضعفها أو انهيارها المؤقت لا تزال تؤثر في تموج التيار النفاث ومساره.

shutterstock
خليج بارادايس بشبه جزيرة أنتاركتيكا

في الوقت نفسه، تلعب حرارة المحيط الهادئ الاستوائي دورا متداخلا في هذا السياق. فعندما ترتفع درجات حرارة مياهه المدارية، كما يحدث في سنوات "النينيو"، يتغير توزيع الضغط والحرارة في الغلاف الجوي، مما ينعكس على اتجاه التيار النفاث الجنوبي ومساره. وقد كشفت دراسة من جامعة لايبتزيغ أن سخونة المحيط الهادئ كانت من بين العوامل التي دفعت التيار نحو الجنوب أخيرا، من خلال إعادة تشكيل أنماط الضغط التي تؤثر في حركة الرياح العلوية. وفي هذا الإطار، قال البروفسور جوبتا: "إن ظاهرتي 'النينيو' و'النينيا' تؤثران على المدى القصير في موقع التيار النفاث، حيث يدفع النينيو التيار شمالا بينما تسحبه النينيا جنوبا، وقد تصبح هذه الظواهر أكثر تطرفا وتكرارا مستقبلا، مما يزيد اضطراب التيار النفاث وتأثيره على أنماط الطقس في نصف الكرة الجنوبي".

ويُظهر هذا التداخل بين المحيط والغلاف الجوي، فضلا عن التفاعل بين طبقات الجو العليا والسفلى، مدى تعقيد النظام الديناميكي الذي يتحكم في التيار النفاث. وتشير أبحاث حديثة إلى أن تنوع العوامل مثل الاحترار المداري، وتغير أنماط السحب، وشدة التيارات العلوية، تتشابك بدرجة تجعل من الصعب على النماذج المناخية التقليدية فصل تأثير كل عامل على حدة. لذلك، يعمل العلماء على تطوير أدوات تحليلية أكثر تطورا تساعد في فك هذا التشابك، بهدف الوصول إلى فهم أدق لما يحدث داخل نظام التيار النفاث الجنوبي.

آثار الاضطراب

تترك التغيرات في التيار النفاث الجنوبي أثرا مباشرا على أنماط الطقس والأنظمة البيئية في دول نصف الكرة الجنوبي. فمع انزياحه نحو الجنوب، تنتقل معه مسارات العواصف والمنخفضات الجوية، مما يؤدي إلى تغير في توزيع الأمطار، ويزيد احتمالات الجفاف في بعض المناطق، مقابل ارتفاع خطر الفيضانات في مناطق أخرى. على سبيل المثل، شهد جنوب أوستراليا تراجعا ملحوظا في هطول الأمطار الصيفية خلال السنوات الأخيرة، نتيجة لابتعاد التيار النفاث عن المنطقة، في حين باتت المناطق الأقرب إلى القطب الجنوبي تتعرض لعواصف أشد قوة ورياح أكثر عنفا، الأمر الذي ينعكس على اضطراب النظم البحرية وتغير امتداد الجليد الجنوبي. كما أن هذا الاضطراب يزيد الضغط على البنى التحتية الساحلية في دول مثل نيوزيلندا وتشيلي، بينما تشير التغيرات في أنماط الرياح في جنوب أفريقيا إلى ارتباطها بارتفاع خطر اندلاع حرائق الغابات خلال مواسم معينة.

ومن ناحية أخرى، ورغم أن التيار النفاث الجنوبي لا يمتد مباشرة إلى المنطقة العربية، إلا أن اضطرابه قد يؤثر بشكل غير مباشر على أنماط المناخ العالمي، عبر تعديل التوازنات الجوية الكبرى والتذبذبات المناخية العابرة للمدارات. هذه التغيرات قد تساهم في تفاقم بعض الظواهر المتطرفة التي تعاني منها المنطقة، مثل موجات الحر الطويلة أو التباين الحاد في مواسم الأمطار، مما يزيد تعقيد التنبؤات المناخية ويضع ضغوطا إضافية على الموارد الطبيعية.

كل هذه التحولات المناخية تفرض تحديات متزايدة أمام النماذج المناخية، التي تجد صعوبة متنامية في التنبؤ الدقيق بمستقبل التيار النفاث وتداعياته المتشعبة.

تحديات النماذج المناخية

رغم التقدم العلمي المتواصل، لا تزال النماذج المناخية تواجه صعوبة في التنبؤ الدقيق بمسار التيار النفاث الجنوبي، وذلك بسبب حساسيته العالية لتغيرات مناخية متعددة مثل حرارة المحيطات، وتركيزات الأوزون، وتقلبات الغلاف الجوي. هذه العوامل تتداخل بدرجة كبيرة، مما يجعل من الصعب عزل تأثير كل منها بدقة، كما أن التقلبات العشوائية في المناخ قد تخفي الإشارات الحقيقية أو تبالغ في تضخيمها، وهو ما يربك دقة التوقعات.

ولمواجهة هذا التحدي، لجأ الباحثون إلى استخدام منهجيات تحليل سببي متقدمة، كما هو الحال في الدراسة الألمانية الأخيرة، بهدف عزل مساهمة كل عامل من العوامل المناخية على حدة. وقد بينت نتائج هذه التحليلات أن الاحترار العالمي يُعدّ العامل الأبرز في دفع التيار نحو الجنوب، مقارنةً بتأثيرات أخرى مثل تغير حرارة المحيط الهادئ أو تراجع الأوزون. وبعد مطابقة نتائج النماذج المناخية مع بيانات الرصد الفعلي، تم اعتماد أكثر النماذج دقة لاستخدامها في التوقعات المستقبلية.

رسخت أبحاث السنوات الأخيرة فهما أكثر وضوحا لسلوك التيار النفاث الجنوبي في ظل الضغوط المناخية

وتشير أحدث التقديرات إلى أن التيار النفاث الجنوبي سيواصل تحركه نحو القطب الجنوبي خلال العقد المقبل، مع احتمال ازدياد سرعته. هذا التحسن في دقة التنبؤات يُعدّ خطوة مهمة لصنّاع القرار، إذ يتيح لهم التخطيط الاستباقي من خلال توفير بدائل مائية للمناطق المهددة بالجفاف، أو تعزيز البنى التحتية لمواجهة أخطار العواصف والفيضانات المحتملة.

GettyImages
حطام متناثر وأشجار نخيل متضررة إثر عاصفة ليلية في ٤ يوليو ٢٠٢٥ في بالم بيتش، جزيرة وايهاكي بنيوزيلندا

ومع ذلك، تظل هناك فجوات في الفهم. فبعض الدراسات ترجح أن النماذج الحالية قد تقلل حساسية الغلاف الجوي تجاه الاحترار الاستوائي، مما يعني أن الآثار الحقيقية على أنماط الرياح والأمطار قد تكون أقوى من التقديرات الحالية. لهذا السبب، يواصل العلماء توسيع نطاق بياناتهم وتطوير نماذج مناخية أكثر تعقيدا، تأخذ في الاعتبار تفاعلات دقيقة مثل توزيع السحب والربط بين طبقات الغلاف الجوي المختلفة.

في المحصلة، رسخت أبحاث السنوات الأخيرة فهما أكثر وضوحا لسلوك التيار النفاث الجنوبي في ظل الضغوط المناخية. فالاحترار العالمي، إلى جانب تغير خصائص المحيطات وتعافي الأوزون، يدفع هذا التيار إلى مزيد من الانزياح جنوبا ويزيد اضطرابه. ورغم أن هذه التحولات تبدأ على ارتفاعات شاهقة، فإن آثارها تنعكس مباشرة على حياة الإنسان وعلى استقرار النظم البيئية، مما يجعل فهم هذا السلوك الجوي ضرورة ملحة لرسم استجابات جماعية أكثر فاعلية في عالم سريع التغير.

font change