في مثل هذا اليوم من عام 1925، ولدت طفلة تدعى بهيجة عبد السلام الحو في إحدى قرى محافظة الغربية في مصر، في اليوم نفسه الذي شهد قبل سبع سنوات مولد أخيها الموسيقار محمد فوزي. بدأت تعليمها في كتاب القرية كما هي العادة في الريف المصري، الذي تشبعت بروحه في طفولتها، وحملته لاحقا إلى المجال الفني، متسلحة بالصدق والبساطة للعبور إلى قلوب محبيها.
لم تكن هدى سلطان مجرد شقيقة لموسيقار فريد من نوعه، وإن بدا مفرطا في عاديته، بل استطاعت خلق أسطورتها الشخصية بطبيعية لا تقل عن بساطة أخيها، إذ كانت بمثابة الوجه الآخر لمحمد فوزي، نسخة نسائية من صاحب الاسم الأشهر في عالم البهجة والمرح. وهنا تكمن خصوصية التجربة الفنية والحياتية لبهيجة، المرأة التي صنعت من اسمها أيقونة متعددة التفاصيل خلال ما يزيد على نصف قرن، ناسجة مسيرة مستقلة مليئة بالتحديات والإنجازات.
من أمام المرآة
تنتقل حلاوة الصوت أحيانا بين أفراد الأسرة الواحدة، غير أن من يحترف الغناء منهم غالبا لا يتعدى واحدا أو اثنين على الأكثر. أسرة الأطرش مثلا تمتع أفرادها بأصوات عذبة، خصوصا من جهة الأب، كما روى فريد الأطرش، مؤكدا أن أعمامه وعمته كانوا أصحاب أصوات بارعة، ولكن لم يلمع من بينهم على نطاق واسع سوى فريد وأسمهان. الأمر نفسه ينطبق على أسرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، إذ برع والدها وشقيقها الأكبر في الإنشاد الديني دون أن يعبرا إلى عالم الاحتراف. أما هدى سلطان، فتذكر أن جميع أفراد أسرتها امتلكوا أصواتا بديعة سخروها لتلاوة القرآن، وكان من بينهم من احترف القراءة فعلا، وهو من تولى التلاوة في عزاء والدهم. على عكس فوزي وسلطان، خاضت شقيقتهما الوسطى هند علام تجربة الغناء والتمثيل لفترة قصيرة للغاية، من خلال مشاركتها في أفلام مثل "اديني عقلك" و"ليالي الحب"، قبل أن تعتزل الفن سريعا وتتفرغ لأسرتها.
يتضح مما سبق أن البيت كان هو المختبر الأول لهدى سلطان في التعرف إلى إمكاناتها الفنية ما بين الغناء والتمثيل، حيث لم تكف عن ممارستهما سواء في الحمام والمطبخ أو أمام المرآة، بشرط أن يكون ذلك بعيدا عن عيني محمد فوزي. لم يمنع هذا من أن تمارس الغناء في المدرسة أيضا وفي سن مبكرة للغاية، من خلال الحفلات المدرسية التي كانت تقام على مدار العام في مناسبات مختلفة. في إحدى المرات، وأمام المحافظ وبعض القيادات وأولياء الأمور، صعدت هدى إلى خشبة المسرح لتشدو بأغنية "انت فاكراني"، ألحان محمد القصبجي، وهي واحدة من أشهر بدايات "الست" في حقبة الثلاثينات حين كانت تلقب بـ"الآنسة أم كلثوم".