سوريو الحرية والفقر يفرون إلى البؤس والشقاء في لبنان

بناء البلاد بحاجة إلى جيلين أو أكثر

AFP
AFP
عائلات من الطائفة العلوية في سوريا تعبر نهر الكبير الذي يشكل الحدود بين الساحل السوري الجنوبي ولبنان، في منطقة حكر الضاهري، بتاريخ 11 آذار/مارس 2025، للدخول إلى لبنان هرباً من أعمال عنف طائفية في معقلهم على الساحل السوري

سوريو الحرية والفقر يفرون إلى البؤس والشقاء في لبنان

انقطع أحمد عن متابعة تعلمه في منتصف المرحلة الثانوية بقريته السورية المولود فيها عام 1990. فأوضاع عائلته المادية بريف الرقة غرب الفرات، لم تكن تكف عن التردي والتدهور، على الرغم من أنه وأخوته الكثيرين كانوا - إلى جانب متابعتهم تعلمهم في المدرسة - يعملون مع أهلهم مزارعي قمح وذرة في أرضهم. وكان شقيقه البكر غادر القرية قبل الثورة السورية في العام 2011، والتحق بجامعة دمشق وأقام فيها.

سوريا الحرة والفقيرة

كرر أحمد مرات كلمات: "الاستبداد، الظلم، القهر، العذاب، التجنيد الإجباري، الاعتقال والسجن، والقتل"، معللا بها أسباب تركه وأمثاله من مجايليه المدارس أولا، وبلدهم سوريا ثانيا. "بل فرارنا منها مرغمين إلى لبنان - قال - منفذنا البري الحدودي الوحيد المتاح والسهل الاجتياز، قبل أن تصير حدود سوريا الشمالية ميسرة أيضا للفرار من نظام القتل والإبادة، غداة الثورة السورية".

ومنذ نحو 10 سنوات يعمل أحمد في مؤسسة صناعية بضاحية بيروت الجنوبية، التي يقيم فيها وزوجته وأطفالهما، بعد فراره من التجنيد الإجباري، وتفضيله العمل بلبنان على الانخراط في الثورة السورية. وعلى الرغم من اجتيازه الحدود اللبنانية بطريقة "التهريب" عبر ما يسمّى المعابر غير الشرعية، تمكن من الحصول على إجازة عمل وإقامة بلبنان. وقد وصل مرتبه الشهري أخيرا إلى 800 دولار، متجاوزا مرتب الأستاذ في الجامعة اللبنانية، منذ بداية انهيار البلاد ماليا واقتصاديا في العام 2019.

أما المؤسسة الصناعية التي يعمل فيها أحمد، فقد أعيد إنشاؤها من الصفر، بعدما دمرتها حرب يوليو/ تموز 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل. ثم أقفلت أبوابها طوال شهور الحرب الإسرائيلية الأخيرة على "الحزب" إياه ومناطق نفوذه ولبنان، بين سبتمبر/ أيلول 2024، ويناير/ كانون الثاني 2025، فتشرد عمالها السبعون. انقطع أحمد عن زيارة قريته وأهله بريف الرقة منذ العام 2014، خائفا من الاعتقال والسجن أو التجنيد الإجباري، فضلا عن خوفه من الحرب الدائرة في سوريا التي قال إن نظام الأسد كان "يحتلها وعرضها للبيع في مزاد علني لمن يحميه من الانهيار"، قبل انهياره المفاجئ وزواله أخيرا، بفعل تآكله من داخله وفرار حماته المحتلين. وأضاف أحمد: "تحررت سوريا. وها أنا أزورها بحرية كل أسبوعين، وأتجول فيها بلا معوقات. أذهب إلى أهلي في الرقة.

كانت سوريا سجنا كبيرا لأهلها، وتحرروا منه أخيرا، لكنها لا تزال بلدا مدمرا ومنكوبا، يحتاج إلى جيلين أو ثلاثة لإعادة بنائه

أزور أخي الضابط في "هيئة تحرير الشام" والمقيم في دمشق. نعم كانت سوريا سجنا كبيرا لأهلها، وتحرروا منه أخيرا، لكنها لا تزال بلدا مدمرا ومنكوبا، يحتاج إلى جيلين أو ثلاثة لإعادة بنائه وإعماره، وليتوقف أبناؤه، خصوصا الشبان، عن الفرار منه، إذا توفرت شروط مؤاتية لذلك".

AFP
مقاتلو "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) يلوّحون بإشارات أثناء توجههم إلى خط جبهة ذيبان في محافظة دير الزور شرق سوريا، بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول 2023، خلال جولة إعلامية نظمتها "قسد"

التفاوت بين لبنان وسوريا

لكن حرية الحركة والتنقل في سوريا بعد الأسد، هي التي تسمح، منذ شهور، بتدفق عشرات الفتيان والشبان منها يوميا فارين إلى لبنان، عبر معابر حدودية برية غير شرعية ترعاها بين البلدين عشائر مسلحة توالي "حزب الله"، وتتقاضى ما لا يقل عن 150 - 200 دولار عن "تهريب" السوري الواحد وإدخاله الأراضي اللبنانية. ومعظم هؤلاء الفتيان يفرون من مناطق العرب السنة التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديموقراطية" الكردية (قسد)، خشية أن تجندهم هذه الميليشيا في صفوفها. ومن أسباب فرارهم أيضا الاضطرابات الأمنية والفقر وانعدام فرص العمل، وانهيار الزراعة، والطفرة الديموغرافية المستمرة في سوريا.

وهناك كذلك صورة لبنان التاريخية الزاهية في المخيلة السورية. وربما هي تظل على زهوها، لأن التفاوت التاريخي بدوره، والقائم بين البلدين لصالح لبنان، لا ينضب ولا يتلاشى، مهما تدهورت أحوال لبنان وتردت، ومهما تعرض السوريون الوافدون إليه للتمييز والمظالم في سوق العمل اللبناني الذي يحرمون فيه من حقوق كثيرة. وهذا على الرغم من تسلط نظام الأسد السوري على لبنان واستتباعه سنوات مديدة، فساهم بقوة في حروبه وخرابه. ولم تقصر الجماعات اللبنانية في استقواء هذه أو تلك بنظام الأسد لغلبة الأخريات، قهرها وإذلالها والتسلط عليها واستتباعها.

وها مدبجو اللغو الصحافي اليومي من اللبنانيين "المأذون لهم من مصادر عليا"، يسترسلون في لغوهم، فيحسدون اليوم النظام السوري الجديد على ما يرون أنه يسبق لبنان فيه: "ركوبه قطار الشرق الأوسط الأميركي الجديد"، نحو "السلام وإعادة الإعمار". كأنما الأوهام والكلمات والمواقف الدبلوماسية تكفي وحدها للخروج من الخراب السوري واللبناني المديد.

GettyImages
مقاتل من "تنظيم داعش" يلوّح براية وهو يقف على طائرة حربية حكومية تم الاستيلاء عليها في مدينة الرقة، سوريا، 2015

أيام "داعش" في الرقة

وروى أحمد السوري أنه اشتاق الى قريته وأهله في ريف الرقة شرق الفرات، فذهب لزيارتهم أثناء سيطرة تنظم "داعش"، "بعدما لم أعد أتعرف الى نفسي، بل كرهتها، بسبب غيبتي الطويلة عنهم - قال- لكنني كرهت نفسي أكثر، عندما وصلت ورأيت القرية والناس غارقين في السواد والرعب. للمرة الأولى رأيت لحية والدي تتدلى على عنقه وصولا إلى أعلى صدره، ويلبس جلابية مهترئة. ورأيت مسلحي التنظيم يسوقون الناس إلى صلاة الجمعة في المسجد، وأجبرني أهلي على الذهاب معهم، خائفين من وشاية جيرانهم عني، في حال عدم ذهابي".

مهاجر ألماني الأصل، أزرق العينين أشقر الشعر - حسب وصف أحمد - ويمتشق سلاحه داخل المسجد ويلبس زيا أفغانيا، صعد إلى المنبر بعدما علق بندقيته جانبا، وشرع في إلقاء خطبة الجمعة بلغته العربية المكسرة. وبعد الصلاة اقترب منه أحمد وحدثه قائلا له إن الرسول لم يكن يخطب في المصلى وسلاحه إلى جانبه. لكن الخطيب الألماني "الداعشي" أصر على أن الرسول كان سيفه إلى جانبه "في أيام المبايعات". وأضاف: "نحن اليوم في حال حرب وجهاد. وأنا مهاجر مسلم أتيت من ألمانيا للجهاد في بلاد الشام. أملك الكثير من المال في ألمانيا وتركته هناك، وتركت زوجاتي الثلاث في دمشق".

يتدفق عشرات الشبان يوميا إلى لبنان، عبر معابر حدودية برية غير شرعية ترعاها عشائر مسلحة توالي "حزب الله"، وتتقاضى ما لا يقل عن 150 - 200 دولار عن "تهريب" السوري الواحد

مكث أحمد 10 أيام في قريته. وهي أيام "كرهتني ببلادي وبنفسي، كما لم أكرههما مرة في حياتي. وغلبتني الشفقة على أهلي الذين تغيروا كثيرا، كحال الناس جميعا في القرية". ولما سأل أحمد والده عن أسباب زوال الود والإلفة بين الناس، وتفشي الخوف والريبة بينهم، قال له والده: "احمد الله على بقائهم على قيد الحياة، جراء ما عاشوه ويعيشونه من رعب. طيران التحالف الدولي فوقنا في السماء ويقصفنا. وداعش بيننا على الأرض، يكتم أنفاسنا ويروعنا ويفقرنا، أكثر مما كنا فقراء: لا ماء، لا كهرباء. وغالبا ما أجبرنا على العيش متنقلين من مكان إلى آخر، محملين بعض متاعنا وفرشنا في سيارات، فننام في العراء جائعين في أوقات كثيرة. وكان القمح قليلا ومطاحنه توقفت عن العمل. ومن لديه القليل القليل منه أخذ يطحنه يدويا لصناعة أرغفة من الخبز. والطبخ صار يطبخ على نار الخشب في المواقد في العراء". وختم والد أحمد كلامه قائلا لابنه: "الرعب واليأس كانا يكتنفان حياة الناس في إيام 'داعش' والأسد، وجلبا لهم القنوط. واحمد الله يا بني على أنهم ما زالوا قادرين على التنفس والكلام. فـ'داعش' لم يغير نمط حياتهم وهندامهم فقط، بل غير اللغة التي تعودوا الكلام والتواصل بها في ما بينهم".

AFP
سوريون ولبنانيون يحتفلون في مدينة طرابلس شمال لبنان في 9 ديسمبر/كانون الأول 2024

وبعد تلك الزيارة المريرة، لم يزر أحمد سوريا، إلا بعد سقوط نظام الأسد وزواله.

استمرار أزمة عرب الرقة

في مقابل الخوف والإهمال والفقر والمناوشات العسكرية في مناطق غرب الفرات العربية التي تهيمن عليها "قوات سوريا الديموقراطية" الكردية (قسد)، وهي مع بعض مناطق غرب الفرات غنية بالنفط، فإن القوى الكردية المسيطرة على تحسين الأوضاع والخدمات في ديارها، أنشأت مستشفيات، وشقت طرقا جديدة، وأصلحت القديمة، وفتحت مدارس تعتمد مناهجها التعليمية اللغة الكردية، واستبعدت العربية تماما. وهذا يصرف عليه من عائدات النفط التي سمحت باستيراد سيارات أوروبية ويابانية إلى مناطق "قسد".

وحسب رواية أحمد هناك جماعات كردية رفضت اتفاق "قسد" - أحمد الشرع، قائلة: "مظلوم عبدي، قائد 'داعش' الذي أبرم الاتفاق عن الجانب الكردي، لا يمثلنا". لذا استمرت الجماعات الكردية المسلحة التي لا يمثلها عبدي، في سيطرتها على قرى وبلدات ريف الرقة شرق الفرات، على خلاف الاتفاق الذي يقضي بانسحابها ووقعه عبدي. أما النظام السوري الجديد بقيادة الشرع، فيمهل تلك الجماعات ويمدد بقاءها في شرق الفرات، لأن الكرد يحظون بغطاء أميركي.

احمد الله يا بني على أنهم ما زالوا قادرين على التنفس والكلام. فـ'داعش' لم يغير نمط حياتهم وهندامهم فقط، بل غير اللغة التي تعودوا الكلام والتواصل بها في ما بينهم

ويعزف أهالي شرق الفرات العرب السنة عن إرسال أولادهم إلى مدارس تعلمهم باللغة الكردية التي يجهلونها، ولا يمكنهم التعلم بها. ويخشون في حال ذهابهم إلى تلك المدارس من تغييرها تفكيرهم، ومن أن "تغسل أدمغتهم"، حسب عبارة أحمد الذي ذكر أيضا أن خشية الأهالي تشمل أن تجند "قسد" أولادهم في صفوفها.

والعائلات والعشائر العربية في الرقة وريفها، القلقة على مصيرها ومصير أبنائها، كثيرة الإنجاب. فما من أسرة منها ينقص عدد أبنائها عن الستة، وكثرة منها يصل عدد أفرادها إلى 18 ولدا. وحسب شهادة أحمد، ميسر هو الزواج وفي سن مبكرة لا تتجاوز الـ14- 15 سنة أحيانا، رغم تفشي الفقر والأمية. فهو مطلوب، وسنة بين العائلات والعشائر التي به تجدد أعرافها وتقاليدها وتحافظ عليها. فالتقاليد العشائرية تحبذ الزواج، وتطلب من العروس وأهلها التكفل تكاليف جهاز ابنتهم، في بلاد تتفشى فيها الأمية، وصار عدد نسائها يفوق عدد الرجال، وترتفع فيها نسبة العنوسة، بسبب كثرة إعداد القتلى بين الشبان والرجال المنخرطين في الحروب، ومن ثم هجرتهم إلى خارج سوريا أكثر بكثير من النساء.

AFP
امرأة تحمل أكياس خضار في مخيم الهول بمحافظة الحسكة شمال شرق سوريا، بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023

وماذا يبقى متاحا للفتيان الرقة وشبانها الأميين العاطلين عن العمل في هذه الحال من الأزمات المتشابكة، سوى الفرار إلى لبنان للعمل فيه أعمالا يأنفها معظم اللبنانيين؟

بؤس وضياع في لبنان

وإلى الرقة، يشمل الفرار إلى لبنان فتيانا من الحسكة ودير الزور، وولدوا في سنوات الحروب وسيطرة "قسد". وهم يأتون إلى بلد مشرعة حدوده البرية الشرقية والشمالية لشتى أنواع التهريب، ومنها تهريب البشر، لقاء أتاوات تفرضها وتجنيها عشائر مسلحة توالي "حزب الله".

وحسب شهادة أحمد يصل الشبان والفتيان السوريون المراهقون إلى لبنان وبيروت، وفي مخيلتهم صورة قديمة، خلبية زاهية ومغوية عنهما، وواعدين أنفسهم بالتمتع بها. وهذا ما يعرض بعضهم للتيه والضياع. فهم يصلون ولدى الواحد منهم بعض المال يكفي لطعامه وسكنه ضمن مجموعة في غرفة لأسبوعين أو ثلاثة. ومنهم من يسكن عند أقارب ومعارف سبقوهم إلى لبنان ويقيمون في حي السلم وصبرا وشاتيلا وبئر حسن، حيث يغلب سكن العمال/ العاملات الأجانب، ونشأ مجمتع سماته الأساس البؤس والإهمال والاختلاط الفوضوى والعشوائي والتسيب، وتكاثر الفتيان الجانحين. وإذا أضفنا إلى ذلك انتقال هؤلاء الفتيان من بيئتهم العائلية والأهلية التقليدية والمحافظة في سوريا إلى هذه البيئة، نعلم ماذا ينتظرهم في لبنان الذي اجتازوا حدوده "خلسة" فارين من البؤس وباحثين فيه عن عمل ما، من دون امتلاكهم خبرة في أي مهنة أو حرفة.

AFP
صورة جوية لمخيم عشوائي يضم لاجئين سوريين في منطقة دلهامية في سهل البقاع الأوسط، بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني 2019

وروى أحمد أن شللا من فتيان سوريين يطلبون منه تأمين عمل لهم. ويندر أن يعثر عليه لواحد منهم أو اثنين، هيهات أن يثبتا ويداوما على العمل. وهناك من يحادث أحمد هاتفيا من قريته في سوريا، ليقول له إن 3- 4 شبان من أبنائه الفتيان يمكثون هناك في المنزل، بلا عمل ولا تعليم، ويطلب منه السعي في تشغيلهم بلبنان الذي لا يجد كثرة من فتيان وشبان الفرار من ديارهم السورية عملا فيه. بعضهم ينفذ ما لديه من مال ضئيل، فيعود إلى دياره خائبا.

تكلفة جواز السفر الواحد للذين يضع النظام الجديد أسماءهم على قائمة المطلوبين، تصل إلى 10 آلاف دولار، وهناك شبكة من بطانة النظام الجديد تعمل على تأمين هذه الخدمات السرية في دمشق

آخرون يمكثون بلا عمل ضائعين مشردين. وقد تأخذ دروب الانحرافات بعضهم، فتفضي بهم إلى السجن بعد ارتكابهم جرائم، تضاعف عنصرية اللبنانيين على السوريين. ثم هناك من يبقى في لبنان باحثا عن سبيل للفرار إلى أوروبا. وهذا كله بعد أن يكون أهل هؤلاء الشبان والفتيان قد باعوا أرضا أو أغناما لتأمين فرار أبنائهم من قسوة العيش في بلدهم.

علويون بضاحية بيروت الجنوبية

أحد الضباط العلويين الفارين إلى لبنان بعد سقوط نظام الأسد، بدأ عمله قبل أسبوعين في المؤسسة الصناعية التي يعمل فيها أحمد الذي روى أن الضابط كان ميسورا في اللاذقية ولديه أكثر من سيارة وفيلا صودرت هناك، وهو لا يكف عن التأفف من تحوله إلى عامل صناعي بأجر زهيد، ويقول إنه لا يطيق حياته هذه ويبحث عن سبيل إلى هجرة "سرية" نحو أوروبا. وفي انتظاره تأمين متطلبات ذلك، أرادت زوجته أن تساعده بأن تشتغل عاملة تنظيف مكاتب الموظفين الإداريين في المؤسسة الصناعية التي يعمل فيها.

AFP
صورة ملتقطة من الجانب اللبناني لمعبر العريضة الحدودي الشمالي تُظهر مقاتلين من المعارضة السورية يساعدون في عبور سوريين عائدين إلى بلادهم في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2024

ووصفت مديرة شؤون العمال والموظفين في المصنع حال المرأة الشابة، فإذا بها حائزة شهادة التعليم الثانوي، وتجيد اللغة الإنكليزية، وترتدي ثيابا أنيقة، وتسلك سلوكا يصعب أن يلائم عملها عاملة تنظيفات. لكنها أصرت وألحت راجية أن تقبل في العمل لحاجتها إليه. وبعد أسبوع على بدئها العمل ظهرت عليها علامات اكتئاب، حسب المديرة. لذا بادر زوجها إلى إبلاغ إدارة المصنع أنها توقفت عن العمل ولزمت البيت.

وروى أحمد أن خمسة علويين، منهم الضابط السابق، قبلوا عمالا في المصنع في الأشهر الثلاثة الأخيرة. وهم يقيمون في ضاحية بيروت الجنوبية التي يطمئنون إلى سكنهم فيها ويرحب بهم سكانها، على خلاف الشبان الوافدين من الرقة ودير الزور والحسكة. فهؤلاء يقيمون في الضاحية متوجسين خائفين، ويتعرضون للأرصاد والعيون جراء الريبة بهم، ويتهمون بالولاء للنظام السوري الجديد ولرئيسه أحمد الشرع. ولذلك يقوم عناصر من "حزب الله" بدهم الغرف المشتركة التي يسكنونها ويعتقلون بعضهم.

لكن طمأنينة العلويين عملا وإقامة في الضاحية الجنوبية، تنطوي على تذمرهم المكتوم من تحولهم عمالا متواضعين وبائسين، بعدما كانوا يعيشون محظيين ومرهوبي الجانب وميسورين في "سوريا الأسد". وروى أحمد أنه، إلى جانب عمله في المصنع، يعمل في تأمين جوازات سفر وإخراجات قيد لسوريين فارين من بلدهم، ويريدون الهجرة من لبنان إلى أوروبا. وقد اتصل به شاب يعرفه في الضاحية وينتمي إلى "حزب الله"، طالبا منه تأمين جواز سفر لرجل من آل الأسد يقيم في لبنان خائفا ومتنقلا من منطقة إلى أخرى، شأن بعض من أمثاله الفارين من سوريا بعد سقوط نظام الأسد، والساعين إلى متابعة فرارهم نحو أوروبا. لكن تكلفة جواز السفر الواحد للذين يضع النظام الجديد أسماءهم على قائمة المطلوبين، تصل إلى 10 آلاف دولار، وهناك شبكة من بطانة النظام الجديد تعمل على تأمين هذه الخدمات السرية في دمشق.

font change