انقطع أحمد عن متابعة تعلمه في منتصف المرحلة الثانوية بقريته السورية المولود فيها عام 1990. فأوضاع عائلته المادية بريف الرقة غرب الفرات، لم تكن تكف عن التردي والتدهور، على الرغم من أنه وأخوته الكثيرين كانوا - إلى جانب متابعتهم تعلمهم في المدرسة - يعملون مع أهلهم مزارعي قمح وذرة في أرضهم. وكان شقيقه البكر غادر القرية قبل الثورة السورية في العام 2011، والتحق بجامعة دمشق وأقام فيها.
سوريا الحرة والفقيرة
كرر أحمد مرات كلمات: "الاستبداد، الظلم، القهر، العذاب، التجنيد الإجباري، الاعتقال والسجن، والقتل"، معللا بها أسباب تركه وأمثاله من مجايليه المدارس أولا، وبلدهم سوريا ثانيا. "بل فرارنا منها مرغمين إلى لبنان - قال - منفذنا البري الحدودي الوحيد المتاح والسهل الاجتياز، قبل أن تصير حدود سوريا الشمالية ميسرة أيضا للفرار من نظام القتل والإبادة، غداة الثورة السورية".
ومنذ نحو 10 سنوات يعمل أحمد في مؤسسة صناعية بضاحية بيروت الجنوبية، التي يقيم فيها وزوجته وأطفالهما، بعد فراره من التجنيد الإجباري، وتفضيله العمل بلبنان على الانخراط في الثورة السورية. وعلى الرغم من اجتيازه الحدود اللبنانية بطريقة "التهريب" عبر ما يسمّى المعابر غير الشرعية، تمكن من الحصول على إجازة عمل وإقامة بلبنان. وقد وصل مرتبه الشهري أخيرا إلى 800 دولار، متجاوزا مرتب الأستاذ في الجامعة اللبنانية، منذ بداية انهيار البلاد ماليا واقتصاديا في العام 2019.
أما المؤسسة الصناعية التي يعمل فيها أحمد، فقد أعيد إنشاؤها من الصفر، بعدما دمرتها حرب يوليو/ تموز 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل. ثم أقفلت أبوابها طوال شهور الحرب الإسرائيلية الأخيرة على "الحزب" إياه ومناطق نفوذه ولبنان، بين سبتمبر/ أيلول 2024، ويناير/ كانون الثاني 2025، فتشرد عمالها السبعون. انقطع أحمد عن زيارة قريته وأهله بريف الرقة منذ العام 2014، خائفا من الاعتقال والسجن أو التجنيد الإجباري، فضلا عن خوفه من الحرب الدائرة في سوريا التي قال إن نظام الأسد كان "يحتلها وعرضها للبيع في مزاد علني لمن يحميه من الانهيار"، قبل انهياره المفاجئ وزواله أخيرا، بفعل تآكله من داخله وفرار حماته المحتلين. وأضاف أحمد: "تحررت سوريا. وها أنا أزورها بحرية كل أسبوعين، وأتجول فيها بلا معوقات. أذهب إلى أهلي في الرقة.