منذ تحفته الروائية "قصر المطر" (1998) التي أثارت عاصفة سردية في المشهد الروائي السوري أواخر تسعينات القرن المنصرم، وصولا إلى عمله الأخير، "الرجل الرفيع بالقميص الأبيض" (دار سرد- دار ممدوح عدوان)، اشتغل ممدوح عزام على تفكيك التاريخ الرسمي للجنوب السوري، وذلك بنسف العمارة الهشة للمكان، وإزاحة الغبار عن المدونات الشفهية والميثولوجية بفرشاة ناعمة، محاولا بدأب تأسيس أرشيف مضاد يعيد الاعتبار الى خصائص هذه البيئة وأوجاعها. فهو كلما فرش خرائطه فوق مائدة التشريح، كشف عن قطبة مخفية في تضاريس تلك الجغرافيا المحكومة بأعراف خاصة يصعب اختراق طبقاتها لغير العارف بأسرارها وخفاياها ومكوناتها، فبدا مثل نحات بازلت منشغلا بصقل الحجارة الناتئة هنا وهناك، بإزميل العاطفة في المقام الأول، وإذا به يمنح شخصياته حيوات غير متوقعة تتسرب من ثقوب غير مرئية لترسم مسالكها وفقا لأهواء الراوي، أكثر منها إخلاصا لواقع ينطوي على ما هو عادي وليس عجائبيا كما تنتهي إليه الصورة النهائية أو المشتهاة.
لن يجسر روائي آخر على الرهان بطمأنينة، بالاتكاء على شخصية من طراز شاكر الصافي، كمدماك أساس في سيرورة الوقائع، بوصفه محركا لها، في لحظة ملتهبة، وضعت مصائر الجميع في مهب فوضى غير محتملة، أفرزت على السطح مواقف متباينة تجاه الحرب/ أو الثورة التي اجتاحت البلاد كلها. لكن "الرجل الرفيع بالقميص الأبيض"، سيتلطخ قميصه تدريجيا بآثام الحرب ومجرياتها إثر اختطافه من جهة مجهولة، من دون مبررات صريحة، ذلك أن شاكر الصافي رجل ظل وعتمة وانطفاء، لطالما كان مرتهنا للخوف والريبة والانزواء جانبا حيال ما يجري حوله.
سوف تحيلنا تقنيات الاشتباك مع هذه الشخصية وما يجاورها من شخصيات أخرى تعيش في الدائرة نفسها، إلى رواية غابرييل غارثيا ماركيز، "خبر اختطاف"، لجهة التحقيق الاستقصائي في اقتفاء أثر المخطوف، ووقائع ما جرى له خلال ستة أشهر هي مدة اختطافه.