مريرة هي العلاقات السياسية والأمنية بين لبنان وسوريا. وهي تاريخيا، ومنذ نشأة دولتيهما الحديثة في العام 1920، لم تستقر على حال. بل ظلت شديدة التعقيد والتقلبات، وشكلت وجها أساسيا دائما من تاريخ البلدين المأسوي.
لكن خلف هذه العلاقات هناك تاريخ آخر للعلاقة بين شعبي البلدين، قليلا ما يجري تقصي وجوهها ووقائعها وتحولاتها ومآسيها الفعلية، بعيدا من الشعارات والمزايدات ودبيب الغرائز العنصرية اللبنانية التي تظهر أحيانا ضد العمال السوريين في لبنان.
وعمالة السوريين في لبنان لها تاريخها المديد والمتقلب. وتشهد اليوم حلقة من حلقاتها التي يحاول هذا التحقيق تقصي بعض وجوهها الراهنة.
عداوات الشقاء اليومي
روت مديرة شؤون العمال في مؤسسة صناعية بضاحية بيروت الجنوبية أن عمالها الـ65 موزعين على الفئات التالية:
- 25 عاملا لبنانيا شيعيا يقيمون في الضاحية، ويوالون حركة "أمل" و"حزب الله". ومعظمهم يتحدر من قرى جنوب لبنان.
- 30 عاملا سوريا: 20 منهم تتراوح أعمارهم بين 14- 19 سنة. ومضت أقل من سنة على مجيئهم تباعا من أرياف الرقة ودير الزور والحسكة السنية، إلى لبنان وعملهم في المصنع. وهناك 5 عمال سوريين تتجاوز أعمارهم الـ30 سنة، ومضت سنوات على وفادتهم من الأرياف السورية نفسها وعملهم في المصنع نفسه. وقد حصلوا خبرات مهنية وارتفعت أجور بعضهم الشهرية إلى 800 دولار. وبعضهم أتوا بزوجاتهم وأطفالهم للإقامة معهم في ضاحية بيروت الجنوبية. أما السوريون الـ5 الآخرون فوفدوا حديثا من منطقة الساحل السوري، وهم علويون.
- 10 عمال من بنغلاديش، ومضت سنوات على عملهم في المصنع، وبعضهم يقيم فيه.
روت المديرة أن إدارة المصنع منعت عماله من "الكلام في السياسة"، وحذرت كل من يتكلم فيها بطرده فورا من العمل. وهذا بعدما دبت مناكفات وشجارات بين السوريين السنة واللبنانيين الشيعة الذين يقف إلى جانبهم السوريون العلويون.
قبل نحو شهرين، دهمت مجموعة من "حزب الله" منزلا في حي السلم يقيم فيه الفتيان السوريون الذين يعملون في المصنع. فاعتقلت منهم 10 فتيان واقتادتهم إلى مركز "الحزب" القريب، وصادرت هواتفهم المحمولة، وحققت معهم، قبل أن تطلق سراح 8 من هم. أما الفتيان اللذان احتجزتهما المجموعة الحزبية، فاتهمتهما - بعدما عثرت في هاتفيهما على صور للرئيس السوري أحمد الشرع - بأنهما من تنظيم "داعش". أخيرا أخلي سبيل أحدهما. لكن الآخر، الذي قال معتقلوه إنهم تثبتوا من انتمائه إلى "داعش"، لم يعد إلى العمل في المصنع واختفى.
وروى أحد الفتيان السوريين الذين أطلق سراحهم - أكدت المديرة في المصنع روايته - أن سريان خبر الدهم والاعتقال بين السوريين العاملين والمقيمين في أحياء الضاحية الجنوبية (الشويفات، العمروسية، حي السلم) نشر فيهم الذعر والرعب، ففروا مجموعات من الضاحية إلى خارجها، ولم يعودوا إليها إلا بعد مضي أيام على الحادثة.