في يونيو/حزيران الماضي نظم الجيش الأميركي احتفالا بارزا أعلن خلاله انضمام مجموعة من كبار التنفيذيين في شركات التكنولوجيا مثل "ميتا" وأ"وبن اي آي" إلى وحدة جديدة حملت اسم "فيالق الابتكار التنفيذي"، حيث حصلوا على رتب عسكرية فخرية بدرجة عقيد/ وتعكس هذه الخطوة بوضوح عمق الشراكة المتنامية بين وادي السيليكون والبنتاغون.
المشهد لم يكن مجرد بروتوكول احتفالي، بل إشارة قوية إلى أن العلاقة بين المؤسسة العسكرية وشركات التكنولوجيا تخطت مرحلة العقود التقليدية لتصل إلى اندماج مباشر في رسم ملامح أدوات الحرب المستقبلية. هذا التحول ترافق مع تغيرات ملحوظة في سياسات بعض الشركات الكبرى مثل "غوغل"، التي تخلت عن تعهد قديم بعدم تطوير أنظمة مراقبة أو أسلحة، في مؤشر الى استعداد أكبر للتقاطع مع المتطلبات العسكرية بعد سنوات من التحفظ والجدل الداخلي.
السؤال الأوسع الذي يفرض نفسه هنا هو ما إذا كانت التكنولوجيا هي التي تعيد تشكيل استراتيجيا الجيش الأميركي، أم أن البنتاغون هو الذي يقود المسار الجديد للابتكار. وهو سؤال تتفرع منه أبعاد أخلاقية واقتصادية وأمنية سيبرانية مرشحة لأن تحدد ملامح الأمن العالمي في العقود المقبلة.
تحولات وعلاقات جديدة
شهدت السنوات الاخيرة تحولا عميقا في سياسات كبرى شركات التكنولوجيا تجاه التعاون مع المؤسسة العسكرية، حيث انتقلت هذه الشركات من مرحلة كانت ترفع فيها شعارات اخلاقية متحفظة، وتضع قيودا صارمة على أي انخراط في المجال الحربي، إلى مرحلة جديدة تتسم بمرونة أوسع وقواعد استخدام أكثر انفتاحا تسمح بدور مباشر في مشاريع البنتاغون، خاصة في المجالات الحساسة مثل الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية السحابية. لا يعكس هذا التحول مجرد تغير تكتيكي بل يشير إلى إعادة صوغ العلاقة بين القطاع التقني والقطاع العسكري على نحو أكثر عضوية.
كانت شركة "غوغل" من أبرز المؤشرات المبكرة إلى هذا التحول. ففي فبراير/شباط 2025 أقدمت على حذف القسم الذي كان يحمل عنوان "التطبيقات التي لن نسعى اليها" من صفحة مبادئ الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، وهو القسم الذي كان يتضمن في السابق تعهدا واضحا بعدم تطوير أدوات للمراقبة أو الأسلحة. هذه الخطوة فسرتها تقارير تقنية باعتبارها رفعا للحظر الصريح الذي كان يقيد الاستخدامات العسكرية أو الحكومية ذات الطابع الحساس، حتى وإن واصلت الشركة تأكيد التزامها المبدئي حقوق الإنسان ومحاولة تجنب الآثار الضارة. وهنا يصبح التباين بين الخطاب المعلن والسياسات العملية مؤشرا الى انفتاح أوسع تجاه التعاون مع متطلبات الدفاع.