تخيل غرفة عمليات مكتظة بالأجهزة، وأطباء يقفون في حالة تركيز قصوى: على الطاولة مريض بكسر معقد في عظم الفخذ، فيما يمسك الجرّاح بين يديه أداة من غير المألوف أن تظهر على طاولة الأدوات الطبية إلى جانب المشارط والمقصات والشاش المعقم. أداة تشبه مسدس الغراء العادي الذي نراه في ورش الحرف، لكنها هنا تحمل وعدا بإنقاذ حياة. يوجه الطبيب الأداة نحو موقع الكسر ليبدأ بخطوط دقيقة تُشكّل طبقات متماسكة من مادة حية آمنة، وتتحول أمام أعين الفريق الطبي إلى دعامة عظمية مصممة خصيصا للحالة.
هذا المشهد لم يعد خيالا علميا، بل حقيقة علمية طُرحت أخيرا، إذ طور باحثون جهازا محمولا يشبه "مسدس الغراء" قادرا على طباعة دعامات عظمية مباشرة داخل موقع الكسر أثناء العملية، معتمدا مزيجا من مادة "البولي كابرولاكتون" المتوافقة حيويا ومعدن "الهيدروكسي أباتيت"، مع إمكان تشبيع الدعامة بمضادات حيوية تُطلَق تدريجيا لمنع الالتهابات.
وقد جاءت هذه الخطوة استكمالا لما حققته الطباعة الثلاثية البعد في هذا التخصص من تصميم مفاصل وشرائح مخصصة وترميم كسور معقدة، لكنها تأخذ فكرة التخصيص خطوة أبعد عبر الطباعة داخل غرفة العمليات نفسها.
فالجهاز يسخن خيطا مركبا من "الهيدروكسي أباتيت" و"البولي كابرولاكتون" إلى نحو 60 درجة مئوية ليخرج لدنا دون إيذاء الأنسجة الحية، ثم يحركه الجراح فوق موقع الكسر لملئه بطبقات تتصلب فورا وتكون هيكلا مطابقا لشكل العظم، ومع تعديل نسب المكونين يمكن التحكم في صلابة الدعامة وقوتها بحسب موضع العلاج.