الرياض بوصلة الرياضات الإلكترونية في العالم

نجاح جديد في النسخة الثانية من كأس العالم واستهداف جذب 13 مليار دولار إلى الناتج المحلي

أليكس رانجل
أليكس رانجل

الرياض بوصلة الرياضات الإلكترونية في العالم

يتنامى دور التكنولوجيا ويتسع تأثيرها في مختلف المجالات، من الاستخدامات اليومية البسيطة إلى الصناعات العسكرية المتقدمة، ويبرز معها قطاع الرياضات الإلكترونية في المملكة العربية السعودية تدريجيا باعتماده المتزايد على التقنيات الحديثة لمواكبة التطورات المتسارعة. ويشكّل البعدان التكنولوجي والرياضي ركيزتين أساسيتين في مسار المملكة نحو تحقيق أهداف رؤية 2030 في هذا المجال.

صارت الرياض لاعبا رئيسا في قطاع الرياضات الإلكترونية بعد نجاحها في تنظيم كأس العالم في نسخته الأولى العام المنصرم، حيث استقطبت نحو 500 مليون مشاهد حول العالم، لمتابعة مختلف أنواع المحتوى على امتداد 250 مليون ساعة لكل البطولات، فيما وصل عدد الزوار والسياح الذين توافدوا إلى الرياض لحضور البطولة 2,6 مليون شخص، بحسب بيانات الاتحاد السعودي لكأس العالم.

تميزت مجريات النسخة الثانية من كأس العالم للرياضات الإلكترونية، من 27 يوليو/تموز حتى 24 أغسطس/آب، بالكثير عن سابقتها في التوسع بعدد البطولات وتنوعها. ولم يقتصر دور الرياض على استضافة البطولة فحسب، بل كانت طرفا فاعلا وأساسيا فيها، وذلك بفوز فريق "فالكون" السعودية بلقب كأس العالم للمرة الثانية على التوالي وحصوله على 27 مليون دولار بعد حسم البطولة أمام منافسه الهولندي "ليكويد" (Liquid)، إلى جانب عدد من مواطني المملكة من الأندية الأخرى التي فازت بألقاب عدة ضمن البطولة.

مئات ملايين المتابعين لبطولة الرياضات الإلكترونية

كما شهدت الفاعلية بطولة صناع المحتوى المخصصة لأعضاء الفرق السعودية الذين يتمتعون بقاعدة جماهيرية تصل إلى مئات الملايين من المتابعين، وخصصت جائزة مالية تصل قيمتها إلى مليون ريال (نحو 266 ألف دولار) ظفر بها فريق "باور"، الأمر الذي ساهم في جذب المزيد من المشاهدين لا سيما من منطقة الخليج. وشهد الحدث أيضا استضافة بطولة الشطرنج للمرة الأولى، التي فاز بها النجم النروجي ماغنوس كارلسن ممثلا فريق "ليكويد" ونال جائزة قيمتها 250 ألف دولار.

حققت المملكة من كأس العالم للألعاب الإلكترونية مجموعة من الأهداف في أنٍ واحد سواء في الاقتصاد والسياحة والتكنولوجيا. فقد مثل الحدث كرنفالا تكنولوجيا جذب مئات الشركات والمستثمرين، واستقطب رجال الأعمال وملاّك الأندية

حققت المملكة من خلال استضافتها النسخة الثانية من كأس العالم للألعاب الإلكترونية مجموعة من الأهداف في أنٍ واحد سواء على الصعيد الاقتصادي أم على الصعيدين السياحي والتقني. فقد مثل الحدث كرنفالا تكنولوجيا جذب مئات الشركات والمستثمرين، واستقطب رجال الأعمال وملاّك الأندية الذين حرصوا على المشاركة هذه السنة. ولم يكد يغيب أي مهتم عن تسجيل حضوره في فاعليات البطولة، سواء بخوض التجارب التي أُتيحت للجمهور أو عبر المشاركة في نقاشات عن أساليب إدارة الفرق وفرص الاستثمار. وشهدت البطولة حضور مستثمرين وشركات رائدة في هذا المجال، من الصين والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، إضافة إلى دول أوروبية عدة.

وفي ختام البطولة، أعلنت المملكة عزمها التوسع في تنظيم فاعليات كبرى مستقبلا، كاشفة عن خططها لاستضافة كأس العالم للمنتخبات، إلى جانب بطولات الأندية، في عام 2026.

الشباب السعودي ركيزة القطاع

يعود نجاح السعودية في هذا القطاع إلى عاملين رئيسين، أولهما الفئة العمرية للشباب السعودي الذين يشكّلون الغالبية العظمى من السكان، وكثير منهم من ممارسي هذه الرياضة. ويأتي في مقدمتهم ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، الذي عبّر في إحدى المقابلات عن اهتمامه بهذا القطاع.

واس
ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، يسلم قائد فريق "فالكونز" مساعد الدوسري كأس العالم للرياضات الإلكترونية، الرياض، 24 أغسطس 2025

ووفقا لتقرير "إنترنت السعودية 2024" الصادر عن هيئة الاتصالات والفضاء، تصدّرت لعبة "البلايستيشن" استخدام الفئة العمرية من 10 إلى 19 عاما بنسبة 54,8 في المئة. فيما بلغت نسبة استخدام الأجهزة الإلكترونية لبقية الفئات العمرية: من 20 إلى 29 عاما 30,8 في المئة، ومن 30 إلى 39 عاما 23,8 في المئة، ومن 40 إلى 49 عاما 15,3 في المئة، ومن 50 إلى 59 عاما 8,7 في المئة، وأخيرًا من 60 إلى 74 عاما 5 في المئة.

وتشير بيانات هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، "زاتكا"، إلى نمو سوق أجهزة الألعاب الالكترونية في السعودية بين عامي 2024 و2025، حيث بلغ حجم الأجهزة المستوردة في هذه الفترة 2,4 مليون جهاز. وكانت الصين أكبر الدول المصدرة، تلتها الولايات المتحدة الأميركية وفيتنام.

يحقق قطاع الألعاب التكنولوجية مستهدفات رؤية 2030 عن طريق استراتيجية وطنيا للألعاب الإلكترونية ضمن خطط تستهدف ضخ نحو 13 مليار دولار في الناتج المحلي، وتوفير 39 ألف فرصة عمل، فضلا عن إنشاء 250 شركة ألعاب، بينها 30 شركة تصنف ضمن الأفضل عالميا

أما العامل الثاني فيتمثل في الاهتمام المتزايد الذي توليه المملكة لهذا القطاع الناشئ، وإدراكها المبكر لدوره وامكاناته في دعم الاقتصاد الوطني. لذا، أطلقت المملكة قبل ثلاث سنوات استراتيجيا وطنية للألعاب الإلكترونية ضمن خطط "رؤية 2030"، مستهدفة ضخ نحو 50 مليار ريال (نحو 13 مليار دولار) في الناتج المحلي، وتوفير 39 ألف فرصة عمل، فضلا عن إنشاء 250 شركة ألعاب، بينها 30 شركة تصنف ضمن الأفضل عالميا في عام 2030 وذلك عبر 86 مبادرة.

2000 لاعب يمثلون 100 دولة

غدا قطاع الرياضات الإلكترونية في السعودية ركيزة أساسية وليس هامشيا، وبات تأثيره المتنامي يضاهي رياضات تقليدية أخرى. كما يوفر هذا القطاع بعدا استثماريا يحقق عوائد مالية واضحة من خلال المشاركة الكثيفة في كأس العالم، والاستحواذ على الأندية، إلى جانب سوق لانتقال اللاعبين. ومن أبرز الفرق في هذا المجال، فريق "فالكون" المتوج بالبطولة، الذي يضم لاعبين من جنسيات متعددة.

موقع الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية
الفريق الصيني "إيه جي دوت إيه إل" نجح في إحراز ثاني ألقابه ضمن بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية

اختتمت الرياض النسخة الثانية من كأس العالم للرياضات الإلكترونية، التي تضمنت جوائز مالية تجاوزت 70 مليون دولار، وهي الكبرى في تاريخ هذه المنافسات، بمشاركة أكثر من 2000 لاعب يمثلون 200 نادٍ من 100 دولة. وبهذا الحدث تؤكد السعودية عزمها على المضي قدما لتصبح مركزا عالميا للألعاب الإلكترونية. وتسعى لأن تكون نقطة انطلاق لصوغ معايير هذه الرياضة، على غرار ما فعلته إنكلترا في ستينات القرن الماضي حين أولت اهتماما خاصا بكرة القدم ورسخت مكانتها العالمية في اللعبة. وقد شدد رئيس الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية، فيصل بن بندر آل سعود، على أن الرياض ستصبح لاعبا أساسيا في هذا القطاع، ولن ينظم أي مشروع أو حدث عالمي من دون حضورها الفاعل.

"سافي" تدير أصول الشركات الإلكترونية

وفي أطار جهود الرياض لإنشاء تجمعات لاستقطاب اللاعبين ورعايتهم، تعمل شركة "سافي" التابعة لصندوق الاستثمارات السعودي على إدارة أصول شركات ألعاب إلكترونية عدة، وتهيئة السوق المحلية لتوفير بيئة جاذبة للمستثمرين. كما تتعاون الشركة مع أكاديمية الرياضات الإلكترونية في تبني المواهب ورعايتها وتطويرها.

دخل اللاعب لدينا ثابت، وليس مكافأة مرتبطة بالفوز في بطولة أو تحقيق إنجاز محدد، بل يعامَل اللاعب كمحترف يبني مسيرة مهنية، أما الآن فتتراوح أجور اللاعبين بين 1500 و1800 دولار، مع توجه متزايد لزيادة الراتب

الجوهرة محمد، مديرة الرياضات الإلكترونية في نادي "تيم فيجن"

في الوقت نفسه، لا تغفل الجهات المعنية وضع قواعد وأسس تنظم ممارسة الرياضات الإلكترونية لضمان استدامتها كمهنة. وتوضح مديرة الرياضات الإلكترونية في نادي "تيم فيجن"، الجوهرة محمد، لـ"المجلة" أن "دخل اللاعب لدينا ثابت، وليس مكافأة مرتبطة بالفوز في بطولة أو تحقيق إنجاز محدد، بل يُعامَل اللاعب كمحترف يبني مسيرة مهنية. ومن خلال انخراطنا في سوق الانتقالات، شهدنا ارتفاعا لافتا في الدخل، خصوصا بعد عام 2023 عندما توج فريق "تويستد مايندز" بلقب بطل العالم في لعبة "أوفر ووتش 2" في السعودية. وقد شكل ذلك نقطة فارقة، إذ كان دخل اللاعبين سابقا يعتمد على مكافآت بسيطة يحددها الفريق نفسه من دون أن يحكمها سوق أو نظام محدد. أما الآن فتتراوح أجور اللاعبين بين 1500 و1800 دولار، مع توجه متزايد لرفع هذا الرقم".

موقع الرياضات الإلكترونية
نجاح لافت في النسخة الأولى من دوري صناع المحتوى ضمن منافسات كأس العالم للرياضات الإلكترونية في الرياض

وعن حقوق اللاعب الإلكتروني في السعودية اليوم، توضح الجوهرة محمد: "ألزم اتحاد الرياضات الإلكترونية الأندية تسجيل اللاعبين  في نظام العمل السعودي أو التأمينات الاجتماعية، كما وضع شروطا ومعايير تحدد نسبة اللاعب من الجوائز التي يحققها لناديه".

تتبلور ملامح هذه المهنة شيئا فشيئا، ويبرز أثرها الاقتصادي والتكنولوجي والسياحي والاجتماعي في السعودية، التي تشهد ثورة تحوّل نوعية في مجال الرياضة والتكنولوجيا عموما، وكرست حضورها بين الدول الرائدة. واليوم، تستعد المملكة لتكون البوصلة التي تنطلق منها مسارات الرياضات الإلكترونية على مستوى العالم.

font change

مقالات ذات صلة