لماذا لا تحل جماعة "الإخوان المسلمين" نفسها؟

التخفي وليس التخلي

أ ف ب
أ ف ب
المنظر "الإخواني" سيد قطب اثناء محاكمته في القاهرة في 1966

لماذا لا تحل جماعة "الإخوان المسلمين" نفسها؟

لم تتوقف الدعوات التي تطالب بحل "الإخوان"، سواء من عناصر الجماعة الذين يرون أن ما يسمى "علانية الدعوة وسرية التنظيم" لم يحقق أهدافه، أو من متعاطفين يطالبونها بالبحث عن وسيلة أخرى يتراجع فيها هذا الشكل لصالح أدوات متعددة، أو من مستقلين، كان آخرهم مستشار الرئيس السوري، أحمد موفق زيدان، الذي قال: "باعتقادي المتواضع، فإن حل التنظيم اليوم، كما فعلت المكونات الأخرى سيخدم البلد، والذي هو رأسمالنا جميعا، ومقصدنا كلنا. إن تنظيما بأدوات تفكير قديمة لا يمكن أن يشق طريقه في عالم السياسة والدعوة، خصوصا أنه غدا يسبح في مواجهة بيئة إقليمية ودولية متخمة بالعواصف التي تريد اقتلاعه".

طالب زيدان "الإخوان" بأن تندمج في المسار السياسي الجديد، وتنتقل من "التنظيم المركزي" إلى "المشروع المتعدد"، عبر إنشاء كيانات تعمل بروح تشاركية، مثلما ذكر طارق الزمر في بحث تم نشره بمركز حريات التابع له، عن طريق أحزاب، وكيانات دعوية وإعلامية، ومنصات تعليمية.

يمكن أن يكون الدافع وراء تلك الدعوات التي خرجت من سوريا، هو ذاك النشاط غير المسبوق للجماعة، والمقلق بكل تأكيد، مثل الأنشطة داخل المساجد، تحت عنوان أنشطة شبابية، والمجالس والائتلافات الجديدة التي تم إنشاؤها، إضافة إلى أخرى حليفة لها، ثم دعمها بسخاء الأشخاص من غير الأعضاء في محاولة لكسب حلفاء ومصادر معلومات عن الحركات والتنظيمات بالداخل السوري. وعملها على إحياء الشبكات القديمة، وذلك باستخدام الروابط الأسرية، وتعبئة الأسر الإخوانية السابقة.

وكان الأساس الذي بنيت عليه دعوة الحل وفق زيدان، هو التضحية بالكيان التنظيمي لجماعة "الإخوان" في سوريا لصالح مشروع الدولة الجديدة والسياسة التي تنتهجها قيادتها، واعتبار أن تمسك الجماعة بشكلها التنظيمي الحالي يضر بمصالح البلاد، ويعزلها عن الوضع السوري الجديد، حيث إن "إصرار الإخوان على البقاء مغردين خارج السرب، مع تصريحات هنا وهناك تلمح إلى عدم رضاهم عما يجري، يزيد من الشقة والفجوة مع الشارع الداعم للحكومة".

إصرار "الإخوان" على البقاء مغردين خارج السرب، مع تصريحات هنا وهناك تلمح إلى عدم رضاهم عما يجري، يزيد من الشقة والفجوة مع الشارع الداعم للحكومة

لكن الدعوات بالحل قوبلت بالرفض القاطع من "الإخوان"–فرع مصر، و"إخوان" سوريا الذي أصدروا بيانا يوم 7 أغسطس/آب الماضي، عبروا فيه عن رفضهم القاطع، وقالوا فيه: إن خيار الحل غير مطروح، وإن الجماعة "ستبقى كما عهدها الشعب السوري سورية وطنية، مستقلة بقرارها، تسير في نهجها الإسلامي"، وقال ياسين عز الدين: إن المطالبة بالحل جاءت استجابة لشروط أميركية وعربية.

التنظيم "المقدس"

ترى جماعة "الإخوان" أن التنظيم "مقدس"، وأن رفض فكرته في العمل الإسلامي "تدفع المسلمين إلى مزيد من التفكك والتشرذم والخلاف، وتعددية الاتجاهات والمدارس والحركات، لأن وحدة المسلمين لا يمكن تحقيقهما إلا بالتنظيم".

لذا فهي تقوم بتأهيل الأعضاء، عبر محاضن تربوية، ينصهر فيها الأفراد عبر تنظيم صارم.

يقول العضو المنشق عن جماعة "الإخوان" خميس الجارحي: "اعتبر البنا تنظيم الإخوان دينا لا فكرة، وأصبح استبدال كلمة الإخوان بالإسلام شيئا طبيعيا عند أفراد الجماعة المحظورة".

من هنا رفضت الجماعة دعوات الحل، التي آخرها لأحمد موفق زيدان، ورأت أن التضحية بالتنظيم، تعني التضحية بالأداة الرئيسة لها، وأنه يجوز استخدام القوة لحماية هذا التنظيم، وهذا ما رسخه مؤسسها حسن البنا.

أ ف ب
حسن البنا مؤسس "الإخوان المسلمين" في صورة تعود إلى 1929

نماذج الحل فارغة من مضمونها

في العقدين الماضيين قررت بعض فروع "الإخوان" إعادة التشكل تحت تسميات جديدة وبأفكار جديدة في دول عربية مختلفة، أي إن التنظيم قام بعملية تخفٍ وليس بعملية حل بالمعنى المفهوم، وكان لذلك أشكال متنوعة:

(1) تحويل التنظيم لتيار بالمجتمع، وتقسيم الأداة لأدوات متنوعة ومؤسسات دون شكل تنظيمي، وهذا تم في بعض الدول عبر التركيز على وزارة التربية والتعليم والمعهد الديني.

(2) تحويل التنظيم إلى حركة باسم مختلف، وواجهات سياسية.

(3)  إعلان الانفكاك عن "الإخوان" وتكوين جمعيات بديلة في دول الغرب مندمجة فيما يسمى "اتحاد المنظمات الإسلامية"، الذي أصبح فيما بعد "مجلس مسلمي أوروبا".

(4) إعلان الانفصال، والفصل ما بين الدعوي والسياسي، وذلك عبر خلق واجهات سياسية.

(5) التحول لجمعية، ينبثق منها حزب.

لذا فيمكننا أن نشهد مبادرة من الجماعة بمراجعة وتقويم عملها ومساراتها خلال المئوية المنصرمة من تاريخها، وأن تقرر بكامل حريتها وإرادتها شكلاً تراه مناسبا، ويمكن القول إنه الشكل التنظيمي الذي يعتمد على جعل الجماعة تيارا واتجاها عاما، أي إنه نظام بلا تنظيم، تلعب فيه الحركية الإخوانية في اتجاهات متوازية ودون لافتات إخوانية معروفة، وهي مؤسسات التمويل، والسياسة، والدعوة، وفق ما ذكرته بترا رامساور في كتابها "الإخوان المسلمون في المستقبل: استراتيجيتهم السرية، وشبكتهم العالمية"، فإنهم سيستمرون في خطتهم القديمة، بنفس طريقة العمل السري القديم، لكن بصورة جديدة، وهي الالتجاء إلى التخلي عن مشروع الجماعة العالمي ظاهرياً، مع الاحتفاظ بعلاقات داخلية سرية مع التنظيم، والتحلل من الخطاب الديني القديم، أي التخفي وليس التخلي، والكمون وليس العلنية، وإلغاء التنظيم الهرمي الصارم، لصالح مؤسسات وجمعيات ليست هرمية، لكنها تصب لصالح تحقيق أهداف المشروع.

تنظيم موازٍ لا يقبله دستور ولا قانون، وأن نظام التكوين ينطوي على العزلة الشعورية عن المجتمع، وما يسمى الاستعلاء الإيماني، والقطبية التي تدعو لاختراق المجتمع

يتبقى لجماعة "الإخوان" عامان ونصف لتكمل مئويتها الأولى (تأسست في مارس/آذار 1928)، وهذا دليل كاف على أن مشروعها كله فشل في تحقيق أهدافه، وأن هناك أسبابا رئيسة في ذلك، أولها أنه تنظيم موازٍ لا يقبله دستور ولا قانون، وأن نظام التكوين ينطوي على العزلة الشعورية عن المجتمع، وما يسمى الاستعلاء الإيماني، والقطبية التي تدعو لاختراق المجتمع (الجاهلي) أو هدمه، وفق سيد قطب، في "معالم في الطريق"، وهذا جعل التنظيم منفصما عن المجتمع وليس جزءا منه، بل وأحيانا يتخادم مع مشاريع تستهدف الدولة ذاتها، طالما أنه يرى أن ذلك في مصلحة الدعوة (أي التنظيم)، ما دفع لخلق حالة من التصادمية والمواجهة الدائمة، التي استنزفت قدرات الجماعة، والدول التي وجدت بها.

font change