مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل كل أسبوعين مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي.

الكتاب: الاختلاف بين فلسفة الطبيعة عند ديموقريطس وإبيقور

الكاتب: كارل ماركس

ترجمة وتحقيق: نزار هليل

مراجعة سعدون هليل

الناشر: المركز الأكاديمي للأبحاث – العراق

هذا الكتاب هو ترجمة لرسالة الدكتوراه التي حاز من خلالها كارل ماركس (1818-1883) درجة الدكتوراه، تترجم إلى العربية لأول مرة منذ صدورها عام 1841. لذلك يمكن اعتباره وثيقة تاريخية وفلسفية بالغة الأهمية، باعتبار الموقع الذي يحوزه كارل ماركس في الفكر والفلسفة عبر العالم، وباعتبار الانتشار الهائل لفكر ماركس، وفق ما عرف بالماركسية التي شبه بعضهم انتشارها بانتشار الأديان. ألفها ماركس الشاب في الثالثة والعشرين من عمره، ولم يكن في مرحلة نضجه كمنظر في الاقتصاد والسياسة، وناقش فيها فلسفتين كبريين آنذاك، هما فلسفة إبيقور وديموقريطس، وفي ذلك يكتشف القارئ كيف فهم ماركس الطبيعة والحرية والقوانين، ما شكل تمهيدا لفلسفته المادية لاحقا. إذ اكتشف ماركس الشاب، أن ديموقريطس صور أن العالم يسير وفق حتمية صارمة، فيما اكتشف أن إبيقور قال بـ"انحراف الذرة" كحركة عشوائية طفيفة، لكنها أفسحت المجال للحرية والإبداع. وهذا الاكتشاف المبكر سيكون البذرة التي أنتجت نظريته في نقد رأس المال والصراع الطبقي.

هذا الكتاب يتيح للقارئ تتبع الخطوات الأولى لفكر ماركس، ولما وصل إليه ذلك العقل الجبار الذي شغل، وربما لم يزل يشغل العالم

ورد في تعريف الكتاب أن ماركس الشاب تمكن من ابتكار مادية جديدة، تتجاوز الجمود الآلي، وتحتضن الديناميكية والإبداع كجوهر للوجود المادي، كل هذه المفاهيم ستجد طريقها لاحقا إلى تحليله للرأسمالية والصراع الطبقي، ومن المفارقات المؤسفة أن ترجمة هذا العمل الرائد اليوم هو استدراك متأخر، لما كان يجب أن يتم منذ عقود لأهميته الفلسفية الاستثنائية. هذا الكتاب ليس مجرد ترجمة أو دراسة أكاديمية، بل رحلة اكتشاف حقيقية لاستكشاف الجذور الفلسفية العميقة، لأحد أكثر العقول تأثيرا فـي التاريخ الحديث. فـي زمن تواجه فيه البشرية تحديات وجودية جديدة، فإننا نجد فـي رؤية ماركس المبكرة عن الطبيعة الإبداعية والديناميكية، مفاتيح لفهم عالمنا المعاصر؛ فالأفكار، كما أثبت ماركس نفسه، لا تموت بموت أصحابها، بل تحيا وتتجدد مع كل جيل يعيد اكتشافها.

الاختلاف بين فلسفة الطبيعة عند ديموقريطس وإبيقور

هذا الكتاب "الاختلاف بين فلسفة الطبيعة عند ديموقريطس وإبيقور" الذي ترجمه وحققه نزار هليل، وراجعه سعدون هليل، يتيح للقارئ تتبع الخطوات الأولى لفكر ماركس، ولما وصل إليه ذلك العقل الجبار الذي شغل، وربما لم يزل يشغل العالم، وأكثر من ذلك؛ لقد غير العالم.

الكتاب: فخر الدين الرازي وصناعة "التفسير الكبير"

الكاتب: محمد عبيدة

الناشر: دار توبقال للنشر – المغرب

يكشف الكاتب المغربي محمد عبيدة في كتابه "فخر الدين الرازي وصناعة التفسير الكبير" عن البنية المعرفية التي انطلق منها فخر الدين الرازي (544- 606 هجرية)، في مشروعه الشهير: "التفسير الكبير"، كما رصد الأسس والمبادئ التي شكلت الخلفية الفكرية للرازي خلال عمله الموسوعي الشديد الأهمية. يرى الكاتب أنه لا يمكن فهم الرازي، أحد أبرز أعلام الفكر الفلسفي والأشعري في تراث الإسلام والحضارة الإسلامية، إلا بوضعه ضمن الشبكة المعرفية الواسعة التي أحاطت به من علم الكلام، وفلسفة ابن سينا والمعتزلة والبلاغة العربية، الأمر الذي يمكن القارئ من معرفة الكيفية التي جعلت الرازي يصل إلى ما أطلق عليه المؤلف "الأشعرية الجديدة"، أي رؤيته الفلسفية والكلامية التي اتخذ عبرها منهجا جديدا له في تفسير النص القرآني. كذلك يكشف الكاتب عن علاقة الرازي بالعلوم الأخرى، منطلقا من باب "انبناء العلوم على مسلمات مبرهنة في علوم أخرى"، بمعنى أن الرازي لم يكتف بالعلوم المرتبطة بالتفسير فقط، بل جاب علوما أخرى أعطت ذلك الغنى والاتساع في مشروعه التفسيري.

يقدم الكتاب فرصة للتعرف على أبعاد جديدة في مشروع "التفسير الكبير" تتجاوز حدود التفسير المعتاد والكلاسيكي للنص القرآني، نحو قراءة أكثر رحابة

يقول عبيدة: "إن هذه الدراسة تسعى إلى إبراز الأسس والمبادئ المعرفية للتفسير القرآني عند فخر الدين الرازي. وبناء على هذا المسعى، فإن للدراسة هدفين هما: تحديد هذه الأسس والكشف عن أطرها المعرفية، من خلال البحث في المصادر التي استند إليها الرازي لتشكيل نسقه المعرفي، والنظر في التفاعلات المعرفية التي نتجت مع هذا النسق في السياقات الإسلامية، ثم قراءة هذه الأسس في ضوء الوضع المعرفي الراهن، وخاصة في مجالات المعارف النصية والبلاغية، للكشف عن إمكاناتها المعرفية، بغية وصلها بالحاضر، وتجديد النظر فيها. وعلى هذا الأساس عادت الدراسة إلى السياق المعرفي الذي نشأ فيه الفخر الرازي، لرصد تفاعله مع التيار الاعتزالي، والفلسفة السينوية (ابن سينا)، والأشعرية الكلاسيكية، وهو ما أنتج أشعرية جديدة كانت لها سماتها المعرفية والمنهجية. مع محاولة الكشف عن الصلات التي أقامها الرازي بين هذه الأسس- ذات الأصل الكلامي والفلسفي- وبين علم التفسير، وهي صلات قائمة على مبدأ انبناء العلوم على مسلمات مبرهنة في علوم أخرى. كما عملت الدراسة على تحديد هذه المسلمات الكلامية التي انبنى عليها علم التفسير عند الرازي، وإبراز دورها في إنتاج الإشكالات والقضايا الكلامية، وفي طرائق عرض المعرفة التفسيرية نفسها".

فخر الدين الرازي وصناعة "التفسير الكبير"

يقدم الكتاب فرصة للتعرف على أبعاد جديدة في مشروع "التفسير الكبير" تتجاوز حدود التفسير المعتاد والكلاسيكي للنص القرآني، نحو قراءة أكثر رحابة وذات صلة بالمعرفة والبلاغة والفلسفة.

الكتاب: ناموا في منتصف الطريق (رواية)

الكاتب: شعبان عبود

الناشر: دار نينوى للنشر والتوزيع – سوريا

تروي رواية "ناموا في منتصف الطريق" للكاتب السوري شعبان عبود، قصص السوريين التي ابتدأت مع بداية الثورة السورية (2011) والحرب الدموية التي أعقبتها، عبر بنية روائية تسمح للزمن بأن ينسل برشاقة بين الماضي والحاضر والتطلع إلى المستقبل، وتسمح للشخصيات أن تظهر وتغيب ثم تعاود الظهور دون أن يقيدها المكان والزمان، كأن ما يجمعهما في هذه الرواية هو الموت في سبيل الحلم.

تجتمع تلك القصص لتؤلف حكاية يمكن أن يحكيها كل سوري عاش تلك المرحلة التي بدا أنه لا بد منها مهما كثرت التضحيات، فالكاتب يشبه الانفجار السوري الذي اتخذ شكل ثورة بالانفجار العظيم الذي أسس الكون، حيث يقول: "كل شيء في الكون يبدأ بانفجار. يقول العلماء: إن العالم كان نقطة لا ترى، ثم انفجر، ﻻ لشيء، بل لأنه كان يجب أن ينفجر. كأن الجمال المفرط ﻻ يحتمل نفسه، فينكسر ليعيد تشكيل المعنى، وهكذا، كان لا بد للبلاد أن تنفجر، أن تسحق، أن تبكي، أن تنزف، لا لشيء، بل لأنها كانت مهيأة للحظة كهذه".

هذه الرواية ليست عن الثورة السورية والحرب التي أعقبتها فقط، بل عن الذاكرة والهوية والموت والحب والحرية، تعيد لوجع السوري بعده الإنساني

وعلى ذلك، ليست هذه الرواية متخيلة، بل توثيق إنساني لمعاناة السوريين، وهذا ما يتضح من عنوانها، فالسوريون، لم يصلوا إلى حلمهم، بل ناموا أو ربما ماتوا في منتصفه، بسبب سجن أو موت أو غرق، حيث "في البحار كان الموج يبتلع الجثث بلا حرج، أطفال نائمون في أحضان أمهاتهم، في الصور الأخيرة لهم، كانت وجوهم تضحك". وهذه فعلا حكاية السوري بين الموت قتلا بالرصاص أو الموت غرقا في البحار.

ناموا في منتصف الطريق (رواية)

لم تمنع اللغة الصحافية التي اتخذها الكاتب، بل ربما ساهمت، بإضفاء طابع شعري ومجازي واستعاري على النص.

هذه الرواية ليست عن الثورة السورية والحرب التي أعقبتها فقط، بل عن الذاكرة والهوية والموت والحب والحرية، تعيد لوجع السوري بعده الإنساني، وتحفظ الصوت السوري كي لا يضيع في أروقة السياسة وزوايا التاريخ.

الكاتب: دروب المعنى في الفلسفة والدين والحب والحياة

الكاتب: عبد الجبار الرفاعي

الناشر: دار خطوط وظلال – الأردن

كتاب "دروب المعنى في الفلسفة والدين والحب والحياة" للكاتب العراقي عبد الجبار الرفاعي هو عبارة عن حصيلة من التأملات والأفكار التي كتبها صاحبها عبر عشرين عاما، فجمعها ونقحها، واختار منها ما غطى كتابا في جزأين، تتناول هذه الشذرات والمقاطع قضايا متعلقة بالفلسفة والحب والمعنى، وتجديد الخطاب الديني وفهم الوجود في زمن السرعة في التحولات المعرفية والأيديولوجية والتقنية. لا يسير الكتاب وفق منهج أكاديمي أو تقسيم تقليدي للكتب، بل يعتمد على التنقل الحر بين المقولات والأفكار، ليكون كتابا يمكن أن يقرؤه القارئ المتخصص، كما القارئ العام، انطلاقا من أية فقرة أو أية صفحة يريدها، وذلك بما يتناسب مع القارئ الجديد في زمن الذكاء الاصطناعي، وفق ما أشار المؤلف في تقديمه للكتاب.

لا يقدم أجوبة نهائية، بل يضيء مسارات للتفكير والحوار، ويمنح القارئ فرصة للتأمل في قضايا كبرى بقراءة حرة

أما عن اختياره لعنوان الكتاب فيقول الكاتب إنه: "يعرف حياتي بأنها رحلة للبحث عن المعنى، والسعي للكشف عن منابع إنتاجه في الفلسفة والدين والحب. وبما أنه العنوان الأساسي للكتاب، فهو يستوعب أكثر مضامين النصوص الواردة فيه".

دروب المعنى في الفلسفة والدين والحب والحياة

وأما سبب استخدام كلمة "دروب" وليس "طرق" على سبيل المثال، فيوضح بقوله إنه حذا حذو هايدغر، الفيلسوف الألماني، في التمييز بينهما، "ففي (الدروب) يسير الإنسان بلا خارطة مسبقة، تتكشف له الخارطة تدريجيا وهو يسير، وكأنه يسير في غابة بحثا عن معنى وجوده وحياته، بخلاف (الطرق) التي تكون فيها الخارطة واضحة قبل السير".

كتاب يفتح أمام القارئ أبوابا متعددة من الفلسفة، إلى الحب، إلى الدين كطريق للمعنى. لا يقدم أجوبة نهائية، بل يضيء مسارات للتفكير والحوار، ويمنح القارئ فرصة للتأمل في قضايا كبرى بقراءة حرة غير مقيدة بترتيب محدد.

الكتاب: أوديسا الصورة – في الفن والدين والتقنية

الكاتب: محمد شوقي الزين

الناشر: ابن النديم للنشر والتوزيع – دار الروافد الثقافية ناشرون – الجزائر - لبنان

هناك تحول تاريخي وفلسفي حدث لدور الصورة مقارنة بالكلمة في نقل المعرفة، بدءا من الحضارات القديمة وحتى عصرنا الراهن الموسوم بالعصر الرقمي، هذه الفكرة الأساسية التي يعالجها ويعرضها الكاتب الجزائري محمد شوقي الزين في كتابه "أوديسا الصورة – في الفن والدين والتقنية" الصادر أخيرا. يدرس العلاقة التاريخية بين الفكر والصورة، وكيف تحولت هذه الأخيرة، من كونها وسيلة تجسد الفكرة، إلى أن أصبحت تحوز قوة مستقلة في الفن والدين والتقنية الحديثة، ويناقش التفاعلات التي حدثت بين الفكرة والصورة عبر العصور على مساحة زمنية تقدر بأكثر من 2500 سنة من التحولات المعقدة والمتشابكة بينهما. إنه كتاب فلسفي وثقافي وكذلك فني، إذ يمكن القول إن السلطان الذي كان للكلمة عبر العصور تحول الآن إلى الصورة.

كتاب يهم كل من يهتم بالفن والفلسفة والثقافة الحديثة، فهو يقدم رؤية شاملة عن كيف يمكن للصورة أن تغير طريقة فهمنا للعالم والأفكار

يقول الكاتب في هذا الشأن: "كانت الصورة موجودة على مر العصور، لكن كانت هائمة وتائهة ومطرودة من مملكة الأفكار، وكانت مجرد خادمة للأفكار، وارتحلت من مجال التوازن والانسجام الذي تمثله هندسة الأفكار مثل المنطق والاستدلال، إلى مجال الغموض والاضطراب الذي يمثله الخيال". ويعتقد المؤلف أن هذا يفسر لماذا كان سلطان الفكرة مهيمنا من أفلاطون إلى المنعطف اللغوي مرورا بديكارت، لأن الرهان هو الأفكار الناصعة والبديهية واليقينية، التي من ورائها أو انطلاقا منها يكون بلوغ الحقيقة، وهذا ما لا توفره الصورة بسبب التمثلات العابرة، والتخيلات الطائشة، والخواطر المتسارعة، والتي هي أقرب إلى الأدب من أجل الإثارة والتخييل، وأقرب إلى الفن عندما تتجسد في المنحوتات واللوحات الزيتية. غير أن الصورة لا تقارب بالمفرد، بل بالجمع. الصورة هي صور، ودرجات هذه الصور تقترب من الفكرة أو تبتعد عنها، تبعا لطبيعتها المماثلة أو المخالفة. فالصور المتخيلة بعيدة عن الفكرة، لكن الصور الذهنية المتمثلة قريبة من الفكرة. ويرى أنه لم يكن بإمكان أفلاطون أن يشرح "أمثولة الكهف" ما لم يتح لنا تمثل هذا الكهف بأشخاصه وأشيائه ورموزه كصورة.

أوديسا الصورة – في الفن والدين والتقنية

بالنسبة لنا كقراء، يرى الكاتب، يكفي أن نحول اللغة السردية أو المحكية إلى رسومات وألوان لنفهم الدور الفلسفي والتربوي، الذي تلعبه الصورة في "تجسيد" المجرد، بإعطاء الفكرة المجردة والشفافة والخالصة قالبا ماديا ولباسا ملموسا، هو الألوان والخطوط، لنرى بالعين ما يتعسر إدراكه بالعقل، نظرا لشفافيته المفرطة أو لتعقيده المركب.

الكتاب يهم كل من يهتم بالفن والفلسفة والثقافة الحديثة، فهو يقدم رؤية شاملة عن كيف يمكن للصورة أن تغير طريقة فهمنا للعالم والأفكار.

font change