إحياء حل الدولتين

إحياء حل الدولتين

استمع إلى المقال دقيقة

إذا أعلنت فرنسا وبريطانيا اعترافهما بالدولة الفلسطينية فعلا خلال الدورة الجديدة "الثمانين" للجمعية العامة للأمم المتحدة، سيكون هذا هو الحدث الأكبر والأهم فيها. فقد وعدت حكومتا الدولتين، ومعهما حكومات دول أوروبية أخرى، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، واختارتا الجمعية العامة للأمم المتحدة لتكون منبرا لهذا الاعتراف، الذى يُعد إحدى ثمار التحرك السعودي-الفرنسي لإحياء حل الدولتين والحفاظ عليه ودعمه. سترأس الدولتان مؤتمرا كبيرا لهذا الغرض في 22 سبتمبر/أيلول خلال اجتماعات الجمعية العامة. وهو المؤتمر الثاني الذي تقودانه بعد المؤتمر الدولي الذي عُقد في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضا في يوليو/تموز الماضي لحشد أكبر دعم ممكن لحل الدولتين.

ولا يعني ذلك أن الطريق إلى إجراء مفاوضات جدية لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة صار ممهدا. على العكس يبدو هذا الطريق الآن أكثر وعورة من أي وقت مضى في ظل وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة يتبنى الوزراء المسيطرون على عملية صنع القرار فيها مشروعا لضم نحو 80 في المئة من أراضي الضفة الغربية، علاوة على احتلال قطاع غزة بشكل كامل وفرض حكم عسكري إسرائيلي فيه. يتضمن هذا المشروع مصادرة مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية وهدم المنازل والمنشآت التي توجد بها، وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية في المنطقة الواقعة بين تجمعي مستوطنات معاليه آدوميم ويسبحات زئيف. وتقع هذه الأراضي في المنطقة المصنفة (ج) حسب اتفاق أوسلو لعام 1993. ويشمل المشروع أيضا شق طريقين يُمنع الفلسطينيون من استخدامهما. الطريق الأول يربط بين بلدتي العيزرية والزعيم. والطريق الثاني التفافي يربط بين العيزرية والمنطقة الواقعة قرب قرية الخان الأحمر إلى الشرق من القدس المحتلة. ويعني ذلك تهجير التجمعات البدوية الموجودة في منطقة الأغوار والخان الأحمر قسريا، ومنع أصحاب الأراضي الموجودة في نطاق المشروع من الوصول إليها. ولعل أخطر ما في هذا المشروع أنه يفصل مدينة القدس المحتلة عن الضفة الغربية، ويفصل مدينة رام الله من الشمال عن مدينة بيت لحم من الجنوب.

ويترتب على ذلك تقسيم ما سيبقى من أراضٍ للفلسطينيين إلى قسمين، وبالتالي منع أي تواصل جغرافي لا يمكن أن تقوم دولة فلسطينية في غيابه، وتقويض القليل الباقي في اتفاق أوسلو الذي فتح عند توقيعه طريقا لإقامة هذه الدولة. ولكن هذا الطريق لم يلبث أن أُغلق بمتاريس وضعتها حكومات إسرائيلية متعاقبة على مدى أكثر من ثلاثة عقود. غير أن المتاريس التي توضع الآن بواسطة المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية أقوى كثيرا. يختلف توجه الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية الحالية عن سابقاتها في أنه يهدف إلى الاستيلاء على معظم ما بقي من أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية دفعة واحدة، بخلاف الحكومات السابقة التي اتبعت سياسة قضم هذه الأراضي قطعة تلو الأخرى. والهدف واضح عبّر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بقوله إنهم "يعترفون بدولة فلسطينية على الورق فيما نقيم نحن دولة يهودية على الأرض". وكأنه يريد القول إنه إذا كان من دولة ثانية فهي يهودية وليست فلسطينية.

في ضوء ما يبدو من إصرار سعودي-فرنسي على إكماله رغم كل الصعوبات التي تواجهه، قد يكون ممكنا استثمار التغير الذي يحدث في العالم الآن تجاه قضية فلسطين

ومع ذلك فكلما ازدادت الصعوبات التي تواجه حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية بجوار إسرائيل، اشتدت الحاجة إلى جهود وتحركات دولية منظمة ومنسقة لإعادة فتح الطريق الذي أُغلق. ومن هنا أهمية الزخم الذي ترتب على التحرك السعودي-الفرنسي الذي بدأ في مطلع الصيف، ويخطو خطوة جديدة أكبر خلال الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة، عبر اعتراف دول أوروبية وازنة بالدولة الفلسطينية، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا. فأن تعترف اثنتان من الدول السبع الكبرى بالدولة الفلسطينية لهو خطوة لا شك في أهميتها بالنسبة إلى الخطوات التالية التي قد يُتفق عليها خلال المؤتمر الدولي الذي سيُعقد بعد أيام خلال اجتماعات الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وإذا استمر هذا التحرك، كما هو متوقع في ضوء ما يبدو من إصرار سعودي-فرنسي على إكماله رغم كل الصعوبات التي تواجهه، قد يكون ممكنا استثمار التغير الذي يحدث في العالم الآن تجاه قضية فلسطين. فقد اهتزت صورة إسرائيل وضعفت سردياتها في الأشهر الأخيرة، وخسرت الكثير من صورتها التي كانت قائمة على ترويج سردية أنها ضحية أعداء يريدون تدميرها. وأدى ذلك إلى تحركات شعبية مؤيدة لإقامة دولة فلسطينية في أرجاء العالم، وخاصة في أوروبا. ومن شأن هذه التحركات أن تضغط على الحكومات فتُحول الحالة الشعبية إلى حالة سياسية رسمية تصب في مجرى الجهود المبذولة لإحياء حل الدولتين، الأمر الذي قد يجعل الخطوات التالية في التحرك السعودي-الفرنسي أكثر تأثيرا، وخاصة إذا أسفرت الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها في بداية العام المقبل عن نتائج تتيح تشكيل حكومة معتدلة، أو حتى أقل تطرفا، وهو أمر متوقع في ضوء نتائج استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة.

font change