شهدت المدن حول العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة تحولات حضرية غير مسبوقة بسبب الزيادة السكانية السريعة، والنمو العمراني، وتزايد الحاجة للخدمات العامة المتكاملة. وقد أدى هذا الواقع إلى ضرورة ابتكار آليات حضرية رقمية حديثة تجعل المدن أكثر ذكاء وكفاءة واستدامة. من هنا ظهر مفهوم المدينة الذكية، وهو نموذج حضري يعتمد على التكنولوجيا الرقمية، البيانات الضخمة، الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، لإعادة تصميم المدن بطريقة متكاملة.
المدينة الذكية نموذج متطور من التخطيط الحضري، حيث يتم دمج البنية التحتية التقليدية مع الأنظمة الرقمية، بما يتيح تحسين الخدمات، وزيادة الاستدامة، وتعزيز الأمن، وتوفير تجربة حياة أكثر سلاسة للمواطنين. هذا المفهوم ليس مجرد فكرة نظرية، فقد تحولت مدن عدة حول العالم إلى مختبرات حضرية حية لتطبيق التكنولوجيا الحديثة، من سنغافورة وهولندا إلى السعودية والصين، مع أهداف محددة تتعلق بتحسين جودة الحياة، وتحقيق الاستدامة، وتعزيز الاقتصاد الرقمي.
تعتبر المدن الذكية حجر الزاوية في تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030، حيث تشكل البنية التحتية الأساس التي تدعم التنمية الشاملة وتساهم في بناء مستقبل مستدام ومزدهر. من هنا تأتي القمة السعودية للمدن الذكية كمنصة محورية تجمع القادة من القطاعين العام والخاص، لتبادل الخبرات ومناقشة أحدث الابتكارات وتحديد مسارات العمل التي ستشكل مستقبل الحياة الحضرية في المملكة. هذه القمة ليست مجرد حدث تقني، بل هي إطار استراتيجي يمكّن المملكة من رسم خريطة طريق شاملة نحو التحول الحضري الذكي والمستدام.
تعد القمة السعودية للمدن الذكية الملتقى الأبرز لصوغ مستقبل المدن، حيث تجمع صانعي السياسات، ورواد التكنولوجيا، والمخططين الحضريين في مكان واحد. يتيح هذا التجمع إعادة تصور الابتكار الحضري، وتعزيز الاتصالية بين جميع عناصر المدينة، والتركيز على الاستدامة كعنصر محوري في تصميم المدن المستقبلية. وقد تميز المؤتمر بتقديم مزيج ديناميكي من الكلمات الرئيسة المؤثرة، ودراسات الحالة الواقعية، وحلقات النقاش التفاعلية، والجلسات المتعمقة التي تستكشف استراتيجيات قابلة للتطبيق لبناء مدن شاملة، وإدراكية، ومرنة، مع مراعاة احتياجات المواطنين أولا.
ابتكار مدعوم بالذكاء الاصطناعي
ركزت القمة التي اختتمت فعالياتها أمس، على مجموعة من المحاور الاستراتيجية التي تعكس الأولويات الوطنية في مجال التحول الحضري الذكي، بما يدعم تحقيق رؤية 2030. أول هذه المحاور هو الابتكار المدعوم بالذكاء الاصطناعي، حيث يسلط الضوء على كيفية توظيف هذه التكنولوجيا لتحسين الخدمات الحضرية، من إدارة حركة المرور إلى تعزيز الأمن وتقديم الخدمات بكفاءة أعلى.
تعتبر حركة المرور من أكبر التحديات الحضرية في المدن الحديثة، سواء بسبب الازدحام أو التلوث أو الحوادث. هنا يبرز دور الذكاء الاصطناعي في إدارة الحركة بكفاءة عالية، إذ تعتمد الأنظمة الذكية على كاميرات ومجسات وحساسات متصلة بالشبكة لجمع بيانات حركة السيارات والمشاة، ثم تستخدم خوارزميات التنبؤ والتحليل لضبط إشارات المرور وتوجيه المركبات، مما يقلل زمن الرحلات ويخفض الانبعاثات الكربونية.