في قاعة مكتظة بالوفود والشركات في مؤتمر "موني 20/20 الشرق الأوسط" بالرياض، أعلن البنك المركزي السعودي (ساما) خطوة جديدة قد تغير وجه المشهد المالي في المملكة: إطلاق خدمة "غوغل باي" رسميا، وتوقيع اتفاق لتمكين "علي باي+" من العمل في السوق المحلية بحلول 2026.
قد يبدو الخبر للوهلة الأولى مجرد توسع طبيعي لشركتين عالميتين، لكن رمزية التوقيت والمكان تكشف عما هو أعمق من ذلك، فمنذ إطلاق "رؤية 2030"، وضعت السعودية هدفا واضحا وهو أن تكون في طليعة الدول التي تبني اقتصادا رقميا متكاملا. الوصول إلى نسبة 70% من المعاملات غير النقدية بحلول 2025 ليس مجرد رقم على ورق، بل انعكاس لرغبة المملكة في تقليص الاعتماد على النقد، وتعزيز الشفافية، ودمج شرائح أوسع من المجتمع في النظام المالي الرسمي.
ولا يمثل إدخال لاعبين كبار مثل "غوغل" في معادلة المدفوعات السعودية توسيعا للتقنيات المتاحة للمستهلك، بل أيضا اختبارا حقيقيا لقدرة البنية التحتية المحلية – ممثلة في شبكة "مدى" الوطنية – على استيعاب هذا الانفتاح العالمي. كما أنه يحمل في طياته بعدا جيوسياسيا؛، فوجود شركتين من الولايات المتحدة والصين معا في قلب السوق السعودية يضع المملكة في موقع استراتيجي بين عملاقين يتنافسان عالميا على قيادة مستقبل التكنولوجيا المالية.
الأوتوستراد المالي
عندما نتحدث عن المدفوعات الرقمية في السعودية، لا يمكن تجاهل العمود الفقري الذي جعل كل ذلك ممكنا وهو شبكة "مدى". ولدت الفكرة في التسعينات مع أولى محاولات المملكة لبناء نظام وطني موحد لمعالجة المدفوعات الإلكترونية وربطه بالبنوك المحلية. لكن الانطلاقة الحقيقية جاءت مع إعادة تصميم "مدى" في 2015، حين تحولت الشبكة إلى منصة حديثة قادرة على دعم معاملات بمليارات الريالات يوميا، عبر أجهزة نقاط البيع، والسحب الآلي، والدفع عبر الإنترنت.
واليوم، باتت مدى أشبه بـ"الأوتوستراد المالي" الذي تعبره كل المعاملات، سواء أجريت ببطاقة محلية أو خدمة دفع دولية مثل "آبل باي" أو "غوغل باي" وقد جعل هذا الربط العميق بين البنية التحتية الوطنية والأنظمة العالمية السوق السعودية منفتحة على أحدث الابتكارات، وفي الوقت نفسه حافظت على سيادة الدولة على حركة الأموال.