في الأمس، اختتمت النسخة التاسعة من مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار"، وبدت ملامح التحول الاقتصادي في المملكة العربية السعودية أكثر وضوحا من أي وقت مضى.
فالمشهد الذي رسمته الجلسات الختامية للمؤتمر لم يكن مجرد عرض لأرقام النمو في قطاعات الاستثمار، بل شهادة على انتقال المملكة إلى مرحلة جديدة من النضج المالي والانفتاح العالمي، مدفوعة برؤية اقتصادية متكاملة تسعى إلى جعل الرياض مركزا إقليميا ودوليا لإدارة رؤوس الأموال وتوجيه الاستثمارات نحو المستقبل.
وحملت النقاشات رسائل متعددة، أولاها أن السوق المالية السعودية لم تعد مجرد منصة تداول محلية، بل صارت جزءا من المنظومة العالمية للأسواق الكبرى، بثقة متزايدة من المستثمرين المحليين والدوليين. وثانيتها أن قطاع إدارة الأصول يشهد تسارعا لافتا في النمو والابتكار، ليصبح من المحركات الرئيسة للاقتصاد الوطني. أما ثالثتها فهي أن المملكة باتت تنظر إلى الاستثمار لا كأداة للربح فحسب، بل كوسيلة للتنمية المستدامة وبناء الشراكات العابرة للحدود.
ومن قلب هذه الرؤية الطموحة، جاءت كلمات المشاركين لتؤكد أن "مبادرة مستقبل الاستثمار" لم تعد مجرد مؤتمر سنوي، بل تحولت إلى حركة عالمية تدفع في اتجاه اقتصاد أكثر شمولا وتنوعا، وتعيد تعريف مفهوم الازدهار في القرن الحادي والعشرين.
شهد المؤتمر مشاركة أكثر من ثمانية آلاف شخصية من قادة الحكومات ورؤساء الشركات العالمية والمستثمرين، مما جعله منصة محورية لمناقشة مستقبل الاقتصاد الرقمي ودور الذكاء الاصطناعي في رسم ملامح النمو العالمي المقبل. واستقطبت جلساته حضورا بارزا لعدد من أبرز الأسماء في عالم التكنولوجيا، من بينهم روث بورات، المديرة المالية لشركة "ألفابت" (غوغل)، وإيفان شبيغل، مؤسس تطبيق "سناب"، وإريك شميت، الرئيس التنفيذي السابق لـ"غوغل"، إلى جانب نخبة من القادة الماليين والتقنيين الذين تناولوا التحول الرقمي وآفاق الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي.

يأتي انعقاد المؤتمر في لحظة محورية تسعى فيها المملكة العربية السعودية إلى ترسيخ موقعها كمركز عالمي للابتكار والتقنيات المتقدمة ضمن مستهدفات "رؤية 2030"، من خلال دعم الشركات الوطنية الرائدة مثل شركة "هيوماين"، التي أعلنت مشاريع نوعية في مجالي الذكاء الاصطناعي والطاقة الحوسبية، بما يعزز مكانة المملكة كمحرك رئيس لتقنيات المستقبل، ووجهة عالمية لتصدير الطاقة الرقمية.
"هيوماين" وحدود الابتكار
تعد شركة "هيوماين" إحدى أبرز الشركات السعودية الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ تم إعلان تأسيسها رسميا في 12 مايو/ايار 2025 بمبادرة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لتكون شركة حكومية مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة. ويقع مقرها الرئيس في الرياض، وتتخذ من شعارها النصي "The End of Limits" تعبيرا عن رؤيتها في تجاوز الحدود التقليدية للتقنية والابتكار.
وتعمل "هيوماين" على تطوير وإدارة حلول وتقنيات الذكاء الاصطناعي في المملكة والعالم، ضمن رؤية السعودية 2030، بهدف تعزيز التحول نحو اقتصاد رقمي متكامل يقوده الذكاء الاصطناعي. وتضطلع الشركة بمهام استراتيجية تشمل دعم وتنسيق المبادرات الوطنية المرتبطة بمراكز البيانات، والبنية التحتية للحوسبة السحابية، وتسريع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية مثل الطاقة، والرعاية الصحية، والصناعة، والخدمات المالية.
كما تركز الشركة على تطوير نموذج لغوي كبير ومتقدم باللغة العربية، وتوفير منظومة متكاملة تمكن المؤسسات من الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي الحديثة.
وفي 25 أغسطس/آب 2025، أطلقت الشركة تطبيق الذكاء الاصطناعي، "هيوماين تشات"، المدعوم بالنموذج اللغوي العربي "علام"، ليكون أحد أوائل تطبيقات المحادثة الذكية المطورة محليا، والموجهة لتقديم تجربة تفاعلية قادرة على الفهم العميق للغة والثقافة العربية.
كما أبرمت الشركة سلسلة من الاتفاقيات الاستراتيجية مع كبرى شركات التكنولوجيا العالمية ضمن أعمال منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي، شملت توقيع اتفاق مع شركة "إنفيديا" لشراء أكثر من 18 ألف رقاقة ذكاء اصطناعي حديثة لدعم قدراتها الحوسبية، مما يجعلها من أكبر الصفقات التقنية في المنطقة. كذلك، وقعت اتفاقا بقيمة 10 مليارات دولار مع شركة AMD لتوسيع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في المملكة، بهدف بناء قدرة حوسبية تبلغ 500 ميغاواط خلال خمس سنوات، وإنشاء منصة سحابية من الجيل المقبل.
