اكتسح حزب "روسيا الموحدة" الحاكم نتائج الانتخابات المحلية الروسية الأخيرة. وفيما تصدر مرشحو الحزب لمنصب الحاكم في جميع الجمهوريات والمقاطعات والأقاليم التي نُظمت فيها الانتخابات، انحصر التنافس بين مرشحي باقي الأحزاب الممثلة في البرلمان على المركز الثاني وبأصوات متدنية. وتنظم الانتخابات المحلية في روسيا مرة كل خمس سنوات.
وفي العام الحالي أجرت 21 مقاطعة انتخابات لاختيار حكامها، كما جرت انتخابات لمجالس الحكم الذاتي، والبرلمانات المحلية، وعمداء بعض المدن. وأشاد سكرتير المجلس العام لحزب " روسيا الموحدة" الحاكم فلاديمير ياكوشيف بنتائج الانتخابات، مشيرا إلى الحزب رفع تمثيله في المجالس المحلية والبرلمانات إلى 82 في المائة مقارنة بنحو 73 في المائة في انتخابات 2020 في المقاطعات ذاتها، عن الترشيحات الفردية والقوائم الحزبية.
وتكمن أهمية الانتخابات الحالية في أنها الأخيرة قبل انتخابات عامة لمجلس الدوما ( البرلمان) الروسي خريف العام المقبل، ما يعطي مؤشرا حول شعبية الرئيس فلاديمير بوتين وحزبه.
وكشفت الانتخابات الحالية عن قدرة الكرملين الكبيرة على "هندسة" النتائج بما يخدم سياساته العامة، وتأمين نسب حضور مرتفعة. كما سمحت هذه الانتخابات باختبار مدى فعالية التقنيات الانتخابية المستحدثة مثل التصويت الإلكتروني، وفتح مراكز الاقتراع لعدة أيام، وأنظمة فرز الأصوات، وحماية البيانات وسط تزايد حالات الهجمات السيبرانية على الأنظمة الانتخابية في أكثر من بلد حول العالم.
وقالت رئيسة لجنة الانتخابات المركزية الروسية إيلا بامفيلوفا إن المشاركة بلغت 47 في المائة وهذا المؤشر أعلى بنحو 8 في المائة عن الانتخابات الماضية، وذكرت أن 1.5 مليون روسي أدلو بصوتهم عن طريق التصويت الإلكتروني من اصل 1.7 مليون اختاروا هذا الشكل من التصويت أي بمعدل 90 في المائة، وذكرت أن التصويت الإلكتروني يكتسب شعبية في البلاد وتوقعت زيادة في الاقبال عليه.
المعارضة "النظامية"
وفيما دار جدل حول الحزب الثاني في البلاد، ونية الفريق المسؤول عن السياسة الداخلية في الكرملين تحويل الحزب الليبرالي الديمقراطي إلى القوة السياسية الثانية على مستوى البلاد بدلا عن الحزب الشيوعي الروسي ، تنافس الحزبان على المركز الثاني، وسط غياب لمرشحين عن التيارات الليبرالية.
وأظهرت النتائج تقاربا كبيرا في نتائج الحزبين، وحقق الشيوعيون المركز الثاني في 13 من أصل 20 عملية انتخاب مباشرة للحكام بفارق ضئيل في معظمها عن الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي خطف المركز الثاني في باقي المقاطعات. وفي البرلمانات المحلية للمرة حاز الحزب الليبرالي للمرة الأولى على أصوات أعلى من أصوات الشيوعيين.
ورغم الدعم المطلق من الحزب ورئيسه منذ التأسيس غينادي زيوغانوف للحرب على أوكرانيا، فإن بعض تصريحاته أغضبت سيرغي كرينكو النائب الأول لرئيس ديوان الكرملين والمسؤول عن السياسة الداخلية. وبدا ان الكرملين قرر زيادة الدعم للحزب اللليبرالي الديمقراطي برئاسته الجديدة الممثلة بليونيد سلوتسكي الذي وقع عليه الاختيار في شكل غير متوقع لخلافة زعيم ومؤسس الحزب السابق فلاديمير جيرينوفسكي الذي توفي في بداية 2022.
وحضر كرينكو شخصيا مؤتمر الحزب نهاية العام الماضي، في سابقة هي الأولى من نوعها لحضور مسؤول بارز مؤتمر حزب يصنف على أنه معارض، وامتدح سياسات الحزب ومواقف سلوتسكي. ورغم أن حزب "روسيا الموحدة" يمتلك أغلبية دستورية في مجلس الدوما ( البرلمان) بواقع 319 من اصل 450، ولا يحتاج أي دعم من الأحزاب الأخرى لتمرير سياسات بوتين، فإن مسؤولي السياسة الداخلية في الكرملين لا يرغبون في شن حرب على الأحزاب "المدجنة" الممثلة لـ "المعارضة النظامية" بقدر ما يسعون إلى الهيمنة الكاملة عليها وتحويلها إلى مؤسسات تتبنى بالكامل الخطاب الرسمي.
والأرجح أنه إذا حافظ زيوغانوف، الذي تجاوز عمره 80 عاما، على قيادة الحزب، فإن مزيدا من الانشقاقات تنتظر الشوعيين، ما يسهل مهمة الكرملين بتحويل الحزب الليبرالي إلى القوة الثانية في البلاد.